أتظنّ نفسك سعيداً؟ ماذا عن العواصف والأيام التي قضيتها متألماً!؟
التاريخ!؟ كذبةٌ كبيـرة!
يقول ميشيل دي مونتين: "إنهم لا يعلمونا كيف نحيا إلا بعد مُضيّ الحياة"، وفي قصيدته الحزينة يقول لويس أراغون: "إن وقت تعلم العيش قد فات أوانه كثيرًا!". وأقول اني لم أقف على أسباب قوليهما، وإن كنت أفهمهما، إلا أن أراغون أكمل: "رددوا هذه الكلمة (حياتي) وكفكفوا دموعكم". قد بديا حزينين بما يكفي، إلا أن الأكثر ظهورًا هو يأسهما من إدراك ما فنيَ.
في العادة، لا أحب التنظير -في أمور الحياة- على من فاقني عمرًا، لأنه يفوقني بؤسًا غالبًا، ولكنّي أخشى فكرة الفوات. هل يفوت أوان الاشياء؟ قبل أيام فقدت شيئًا فات أوانه -حسبما عرفت- فحزنت مرتين: مرّة لأنه فاتني، والأخرى لأن تأخري كان السبب. ولكنّي رحيم بنفسي دائمًا، فلم آس كثيرًا وانتهيت.
هل يفوت أوان الأشياء؟ قد يبدو السؤال منطقيًا على الأشياء التي نملكها ونفقدها، لكن على حياتنا؟ سعادتنا؟ لا أظن؛ لأننا -ببساطة شدية- لا نملك حياتنا، ولكننا نملك عادةً القرار، أن نكون سعداء/أشقياء هو محض قرار يتأثر بمعطيات الحياة، فقد نكون سعداء بالشيء ونقيضه، وكل ما في الأمر أن قرارنا يختلف في الحالين، أو فلسفتنا في النظر للأشياء.
في كتابه البسيط يقول أندري كونت-سبونفيل: "إنه لا يوجد أبدًا وقت مبكر أو متأخر لممارسة التفلسف ما دام أنه ليس هناك وقت مبكر أو متأخر للحفاظ على صفاء الروح". أي أن السعادة لا يفوت أوانها، في العشرين، الثلاثين، السبعين، في كل عمر مساحة للسعادة لأن في كل عمر متسع لفهم الحياة.
تختلف أفهامنا بتدرج أعمارنا، وتدرج أعمارنا بتباين الخبرات، ما نفهمه اليوم لم نكن نعيه بالأمس، وهكذا، لكننا نستطيع أن نكون سعداء في كل حال، بحسب ما ندركه من الدنيا. ما نتفق عليه أن التقدم في الحياة يزيدها بؤسًا، لكن ما يخفى على أكثرنا أن اطراد البؤس يجعل سعادتنا أيسر سبلًا في كل حين.
عندما تمتلئ قلوبنا بالحياة نطمح في كل شيء، وعندما تمتلئ بجراحها نطمح في لحظة مارقة في يوم عاصف، نجلس فيها إلى ركن هادئ يأوي أحلامنا الفقيدة، فيطوي عنا آلامها، ويُبدلنا آمالًا أكثر بساطةً، أطول أجلًا، وأكثر دِفئًا من برودة هذا اليوم، اليوم الذي لم يُمسِ عاصفًا بعد الآن. لقد اخترت أن أواصل البحث، هانئًا بما أجد قبل ما أصبو إليه؛ لأنه كما قال كونت: لا يوجد أبدًا وقت مبكر أو متأخر لنتعلم كيف نحيا وكيف نكون سعداء.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات