هل تعرفون معنى أن تُقتل فقط لأن لك خيالاً واســعاً؟!

إن الأزمة الحاليّة هي من بعض النواحي نتيجة لتناقُض مُتوارَث في لُبّ الديمقراطيّة الأميركية، و هي أزمة كان قد تنبأ بها توكفيل -في كتابه الديمقراطية في أميركا- بصورة ذكيّة جداً. إن رغبة أميركا في التجديد و رفضها التام للروابط و التقاليد أدّى كلاهُما معاً إلى إبتكاراتٍ هائلةٍ و هي شروط مسبقة ضرورية من أجل تحقيق المساواة و توفير الثروة و إلى الإنسجام و الرِضا الذاتي و هي نزعة ماديّة تدعو إلى الإنسحاب من الميادين الشعبيّة و المدنيّة و إزدراء الفِكر و التفكير . هذا الأمر يستدعي بصورة مُلحّة جداً أن نطرح في هذه المرحلة الإنتقالية أسئلة جديدة، و أن نحدد ليس من نحن فقط بل من نُريد أن نكون.

في نظر رامين، لم تكُن "الحرية" و "الحقوق الفردية"مجرد كلمات. فقد خَبِر الحِرمان منها بكلمات ملموسة، و كان مُرغماً على مُطالعة الكُتُب و الإستماع إلى الموسيقى و الرقص، و الإمساك بيديّ صديقته خِلسة كما لو أنه يقوم بعملٍ إجرامي

و كالمُجرم عُوقِب على فعلته تلك -نستطيع أن تقول هنا بأمان أنه تعرّض للتعذيب- عندما اكتشفوا خطيئته. كيف يتسنّى له أن يدرك الموقف اللامُبالي الذي وجده حيال الآراء و الخيال في البلد الذي أنجب إيميلي ديكنسن و رالف إيلسون؟!.

فبالنسبة له كما بالنسبة لملايين البشر الآخرين ممّن فقدوا وطناً و فقدو حياةً و اقبلوا إلى هذا البلد بحثاً عن الحرية سريعة التبخّر التي جرّدوهم منها في وطنهم ذاك، الخيال و الآراء ليست أشياء إضافية" إكسسوارات" إنها أشياء ضروريّة للحفاظ على الهُوية، و ضروريّة لما يجعلنا آدميين ينعمون بحقّ الحرية و الحياة و ينطلقون باحثين عن السعادة.

و هكذا بينما يحتفل مواطنوا المستقبل هؤلاء-أو من سيكونون مواطنين - بسخاء أميركا، بهِبة الإختيار و الحرية التي منحتها لنا، فإنهم في العادة يكونون قلِقين أكثر من المولودين هنا في إمكانية التفريط فيما نعدّه، الآن، و دوماً، شيئاً مسلّماً به.

كان بوسعي أن أقول لرامين أن المجتمعات الشمولية هي بطرائق كثيرة مرايا تشوّه إحداهما الأخرى، و كل واحدة منها تعكس و تتوقع إمكانات الأخرى و أخطارها الكامِنة، في بلدان من مثل إيران يتعرّض الخيال للتهديد من نظام يرغب كليّاً أن يهيمن على حياة مواطنيه، الذين يعدّون معارضة الدولة ليست فعلاً سياسياً فحسب بل فعلاً وجودياً. و لكن ماذا عن الدول الديمقراطية حيث لا وجود لذلك النظام القمعي المعرّي؟ في النظام الإستبدادي القمع و الوحشيّة موجودان في أكثر أشكالهما وقاحة: للتعذيب و القوانين الإعتباطية و الإعدامات. و بصورة مثيرة للسخرية، في مجتمعات كهذه، قيمة الخيال و تهديده لوجود الدولة بالإضافة إلى أهميته لحياة الآخرين. و هو سبب واحد من الأسباب التي تجعل الناس في المجتمعات القمعية يميلون إلى المخاطرة في قراءة الكتب الممنوعة و مشاهدة الأفلام السينمائية الممنوعة و الموسيقى الممنوعة. و الأدب بالنسبة لهم ليس طريقة لمعرفة القراءة و الكتابة أو خطوة ضرورية في تعليمهم و إنما هو حاجة جوهرية و ضرورية و طريقة لإسترداد هُوية كانت قد صادرتها الدولة .

على الرغم من أنّ معرفة القِراءة و الكتابة هي الخطوة الأولى و الضرورية إلى نوع من اكتساب صفة المواطنة و هي صفة ضرورية من أجل الدولة الديمقراطية المزدهرة، إلا أنها ليست كافية، لأنها مجرد وسيلة لغايةٍ ما. ما نتعلّمه و كيف نتعلّمه، شيئان ضروريان على حد سواء. و بغض النظر عن الميول الأيدلوجية للأنظمة الديكتاتورية، كتلك التي تُشيع الخراب في إيران و الصين و زيماباوي و كوريا الشمالية و المملكة العربية السعودية؛ فإنها تخشى بصورة مبررة جداً من الأشياء التي تأتي بعد القراءة و الكتابة، و بعبارة أخرى: المعرفة، قضم التفاحة المحرّمة التي تعِد الإنسان بنوع مختلف من القوّة و الحرية، و لذلك السبب تدمّر حركة طالبان المدارس و تقتل المراهقات مثل (ملالا يوسف زاي )اللواتي يُفصحن جِهاراً عن رغبتهنّ المتأججة في التعلّم و نيل الحريّة.


الإبــاء..

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات الإبــاء..

تدوينات ذات صلة