تترك رماح الحرب ندوبا دوما ولو تفحصناها جيدا لوجدنا أن القلب قد مر بسكتة شوق وأسىً بعد اصطدام عنيف بين حلاوة الماضي ومرارة الحاضر









كنت قد حفظت رسالته اللحوحة بلقيا قريبة عاجلة عن ظهر نبض ، لم تغب عنّي تفاصيلها الجميلة أبدا ..

تجاعيد أحرفه، وتقوّسات الحزن المرسومة على حرف الميم .. حتّى إنني حفظت تعرجات خطّه البهيّ بكل تفاصيلها ..


أخذت روحي وحملت معها رائحة رسالته، ضممتها حتّى الثُمالة، ثمّ لذت إلى أقرب لقاء أشكو إليه شوقي..

هرعت إلى بيته .. ركضت كثيرا وكأنني في سباق ماراثون.. أسارع الوقت وألتهم المسافات ..



وصلتُ أخيراً، طرقتُ الباب الخشبيّ بكامل شوقي ..

لكن ما بال هذا الباب يبدو أسود شاحباً على غير العادة ؟!


بدأ صوتي المتعب يبثّ شوقه الملهوث بحماسة وهو يئنّ بعض الشيء : ها قد جئت إليك! ،..لملمت حنيني وجئتك زحفاً على رمال مدينتنا الميّتة..


لا طير هنا ولا نسيم .. لا شيء سوى ريحٍ صرصر عاتية ! ونيرانٍ مفزوعة، وكِلاهما يتشاجران من سيخرّب الأرجاء هذه أكثر ..

أطرق شغفا وأطرق شوقا ..ويعلو صوتي أكثر فأكثر صارخةّ بصوت بحة القلب المفجوع : جئت إليك .. دعني أحكي لك قصصنا المنسيّة..


سكن صوتي وقلبي بعد بضع لحظات..

ثمّ عدت أطرق من جديد ولكن ما من مجيب ..


جعلت أتأمّل لافتة صغيرة جوار الباب فتذكرتُ أنه قد بيعَ لآخرين ..


خرجت عجوزٌ مسنّة فصرخت متذمّرة : يا مجنونة .. هيه أنتِ ألا تتعبين من زياراتكِ هذه ؟!

نظرت حولي .. تذكرّت صوت هذه العجوز لقد سمعته مرارا وكأنني في كل يوم أسمعه ..

وها هو جار آخر يصيح متعجبا من بعيد : إلى من تتحدثين يا بُنيتي ؟!

أجيب : ربما إلى تلك السيّدة العجوز !

حدّق فيّ قليلا وقال متذمّرا : ولكن لا يوجد أحد هنا ! هذا ميتم يا بُنيتي وليس منزلا لسيّدة وكما ترين لقد حُرق مع هذه البيوت المجاورة بعد انفجار أمس ..



عدت أدراجي بلا وعي لأقبّل كتابه الذي أهداني إياه قُبيل الحرب ببضع أمل ،، بكيتُه وبكيتُ أيامنا فجعلت أكتب كل أوجاعي وكل ذكرياتي اليومية مذ رحل .. وكيف صارت خرابا فزادها خراب الحرب مكوثا في قعر جب الحسرة ..

لم يتغير شيء عن آخر زيارة لبيته لكنني اليوم صادفت والده الذي توفي مُذ كان طفلا ليبلغني أن الميتم الذي كان يقطن فيه ولده قد حُرق...





هبة الله

أ . ق . ح







همسات قلب

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات همسات قلب

تدوينات ذات صلة