مجال إبداع الفنانة هيلدا الحياري يتمحور في محاكاة القضايا ودمجهم مع الفن.


الفن؛ موهبة تنمو مع الإنسان، فهو شغف ومهارة، تجذب أعيننا وندقق في تفاصيلها لمعرفة ما وراء ما نرى، فماذا لو رأينا رسومات تُعبر عن القضايا التي نعيشها؟ الفنانة هيلدا الحياري، ابتكرت طريقاً لدمج القضايا بالفن.


هي الفنانة الأردنية التي حازت على العديد من الجوائز العالمية، بسبب فنها الذي يحاكي القضايا، دمجت بين تخصصين تُحبهّما، ولديها شغف كبير بهما ليكونا مصدر إلهام للآخرين.


هيلدا الحياري، الفن بين قضايا وألوان وتفاصيل 91473548117995380

احدى رسومات الفنانة هيلدا الحياري



طفولة بين إسكتشات فنية ومهارة تنمو


وُضحت ميول الفنانة هيلدا الحياري الفنية منذ مرحلتها الإعدادية، حيث كانت تنال على أعلى العلامات والتقديرات بالمواد المتعلقة بالفن..


كانت تستغل وقتها في الرسم، ودائماً ما تمسك بقلمها وترسم، وتُعبر عن ذاتها بذلك الشكل..


بعد تخرجها من الثانوية، بدأت برحلة البحث عن أفضل الجامعات التي تُدرّس تخصص الفنون، ولكن وللأسف كانت معظم الجامعات في محافظات بعيدة عن أهلها، فاختارت دراسة التخصص الأقرب لها بعد الفنون، وهو علم الاجتماع والعلوم السياسية في الجامعة الأردنية.


هيلدا، لم تتخل عن شغفها الفني أيام دراستها الجامعية، بل شاركت بورشات عمل فنية كانت ترعاها الجامعة الأردنية مع فنانين أردنيين، وأصبحت عضواً في مرسم الجامعة.


هنا؛ كانت أولى خطوات هيلدا بالتعليم الفني الأكاديمي، بحيث كان الفن مجرد هواية تمارسها قبل انتسابها لـمرسم الجامعة، ولغاية تطوير مهاراتها أكثر، بدأت بأخذ دروس في ورشة الفنان الأردني إبراهيم شلبي، رحمة الله عليه.


وفي عام ١٩٩٠ تخرجت من الجامعة، بتخصص علم الاجتماع والعلوم السياسية، بالإضافة إلى مهارات فنية مُبدعة وملفتة للنظر.


بعد تخرجها، لم تمارس هيلدا أية أعمال، فتزوجت ورزقت بعائلتها، والتفتت لتكون أماً مُلهمة، ولكنّها حتى وهي في منزلها تربي أولادها كانت تتابع دائماً الفن.


الصدفة تخلق الفرص العظيمة


لأن شغفها بالفن قوي، اتخذت قراراً بعد عدة سنوات بالرجوع إلى ورشة الفنان إبراهيم الشلبي، وبالفعل بدأت بالرسم مجدداً، كونه هواية تعشق ممارستها.


لم تعرض هيلدا أية رسومات في تلك الفترة، بل كان أول وآخر اهتماماتها تربية أطفالها.


بالصدفة؛ وهي ترسم في الورشة، التفت الفنان الأردني القدير رفيق اللحام لرسوماتها، فاقترح عليها أن تنضم إلى رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين، ولكنّها كانت محتارة بما ستفعله، فقام الفنان رفيق بأخذ إحدى رسوماتها وعرضها على رابطة الفنانين، لـيأتيها هاتف منهم بأنها أصبحت عضوة معهم، مطالبين برسومات جديدة لعرضها.


العودة لمقاعد الدراسة بعد ١٤ عاماً


بعد تخرجها من تخصص علم الاجتماع والعلوم السياسية بأربعة عشر عاماً، أكملت رحلتها العلمية في ثاني بكالوريوس لها؛ الفنون الجميلة.


كانت هيلدا بزيارة لجامعة الزيتونة لرؤية زملائها؛ الدكتور عبد الوهاب وعبد المحسن والدكتور صلاح المليجي وكلاهما من مصر وخلال الحديث معهم؛ حين ذكروا أنهم سيقدمون ب"الكورس" الصيفي مادة الحفر على الخشب؛ وذَكرت الحياري أنها تتمنى اخذ المادة مع الطلاب.


وفي نفس تلك اللحظة، نالت هيلدا على التحفيز والتشجيع من زملائها، إذ طلبوا منها الذهاب والاستفسار بقسم التسجيل بأن تأخذ مادة واحدة فقط؛ وهي الرسم على الخشب.


فـتوجهت هيلدا لقسم التسجيل بعدها بلحظات، فطلبوا منها أن تزودهم بشهادتها السابقة من الجامعة الاردنية، وستتم الموافقة بمبلغ ٢٠٠ دينار، وبالصدفة أيضاً كانت تحمل المبلغ معها، حينها وجدت نفسها تسجل ٣ مواد وليس واحدة فقط.


بعدها بيوم؛ أحضرت لهم كشف علاماتها من الجامعة الاردنية، لتجد نفسها طالبة رسمية وبفكرة التجسير، أي سيتم معادلة مواد الجامعة الاردنية الاولية ولن تعيدها بجامعة الزيتونة، وأنها ستتمكن من الحصول على بكالوريوس فنون في ثلاث سنوات فقط، وبالفعل انهتها بسنتين ونصف السنة لأنها كثّفت المواد في كل فصل.


كانت صدفة، وقالت لنفسها: "إذا لم يعجبني الوضع سأنسحب"، لكنها لم تنسحب بل أكملت طريقها، وحينها اختصرت العديد من المعارض الخارجية للتركيز على الدراسة.


المزج بين الفن والقضايا السياسية والاجتماعية


استغلت هيلدا شهاداتها بالفن، وعلم الاجتماع والعلوم السياسية، وتفوقت برسوماتها التي تعبر عن قضايا يشهدها العالم.


هيلدا الحياري، الفن بين قضايا وألوان وتفاصيل 60282585698169310


احدى رسومات الفنانة هيلدا في زمن الكورونا


هيلدا؛ ليست فنانة ترسم بعض الرسومات بأفكار مستهلكة، بل تميزت بقدرتها على المزج بين الفن والقضايا؛ حيث معظم رسوماتها تعبر عن قضيةٍ ما؛ تعمل على دمجها لعرض المشاعر والعلاقات، القضايا والحلول.


وعندما تختار قضيةٍ ما، تشمل رسوماتها بعض الشخصيات، مثل الأم والطفل، وتجارب اللاجئين السوريين، واضطهاد المرأة في المجتمعات، والقضايا والأحداث التي يشهدها العالم.


هيلدا الحياري، الفن بين قضايا وألوان وتفاصيل 34386772147550190

احدى رسومات الفنانة هيلدا لكل أم في السودان صمتت صبرت، ورضيت حسب وصف الفنانة هيلدا




وألهمتنا بقولها: "لا افرق بين الفن والسياسة والاجتماع، فجميعهم عندي متواجدون في بيئتنا وظروفنا العربية بالكامل وأوظفها عادة على سطح (الكانفاس)”


التفاصيل، الألوان، والإبداع


تركّز هيلدا على التفاصيل الصغيرة في فنها؛ حيث ترى تفاصيل الوجوه المهمشة، والأجساد المقطعة إلى أجزاء دقيقة، وتستخدم الألوان الجريئة التي تمنح رسوماتها التمييز والإبداع باستخدام الألوان ودمجهم.


هيلدا الحياري، الفن بين قضايا وألوان وتفاصيل 71825573568198344

احدى رسومات الفنانة هيلدا الحياري



لا تقتصر رسوماتها على اللوحات الفنية فقط، بل اشتملت الأقمشة والجدران، اذ تطورت أعمالها على مر السنين حيث انتقلت من الأعمال التجريدية والتصويرية وتميزت باستخدام الخطوط القوية، والعناصر التعبيرية.


أقامت العديد من المعارض الفنية في الأردن منها: "أيقظتني الساحرة"، وكان مستوحى من نصوص شعرية للشاعر البحريني قاسم حداد، ومعرض "وجوه ضد الحرب" الذي تركز على رسومات للوجوه تحمل معاني متعددة، ومعرض “قطعة.. قطعة” وهو عبارة عن شخصيات نسائية بشكل "مدن قُسِّمَت قطعة قطعة.. وما زلن يعشن وهمْ التماسك".


" لوحاتي اختارت طريقها بدون استئذاني"


من خلال فنها تمكنت من الوصول الى العالمية حيث ظهرت في عروض فردية وجماعية في الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وآسيا.


عُرضت أعمالها أيضاً في المتاحف الدولية ،حيث عَرضت في متحف "مايكرو نيويورك" (فيديو آرت) هنا اعيش وهنا سأموت وكان التصوير في الصحراء الأردنية وادي رم، كرسالة لهم بأننا لسنا جميعاً نطالب بالهجرة والكثير كانوا يتمنون العيش بالأردن، والموت أيضاً ببلدنا.


وفي متحف "سان بيدرو بالبرازيل" عرضت لوحات جدارية ضخمة من مرحلة ٢٠٠٥ عن طريق جاليري في دبي، وعلى ما تذكر تم اقتناء الأعمال من قبل المتحف نفسه.


علّقت هيلدا: "لا اعرف كيف وصلت اعمالي للخارج، كل ما اعرفه انني اشتغل يوميا بمرسم وابحث، اكتشف، وأوظف افكاري، أما بالنسبة للوحاتي فهي تأخذ طريقها وتسافر وتشارك، انا لم اخطط لاي شيء ولست ماهرة بالتخطيط فحياتي فوضى غير منظمة، لوحاتي اختارت طريقها بدون استئذاني"


"متعتي في الحياة أن أدخل مرسمي وارسم"


بين اللوحات وقطع النحت ومكانها المميز بطقوسه المختلفة، تشعر هيلدا بالتحفيز عندما تدخل إلى مرسمها وتبدأ بالعمل، خصوصاً لو كانت هناك قضايا تشتعل في المجتمعات.

وتُلهَم هيلدا وعائلتها الداعمة والمساندة لها.


من الجدير بالذكر أنها نالت على العديد الجوائز الدولية؛ جائزة بينالي القاهرة الدولي كأفضل عمل فني عام ٢٠٠٦، وفي عام ٢٠٠٧ حصلت على جائزة بينالي الفن الآسيوي في بنجلاديش، والجائزة الأولى في جمعية “بوري جانجا” للفنون عام ٢٠٠٨، وجائزة الرسم في المركز الثاني عام ٢٠١٣.


بقلم هبة سكجها




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات مِنْ الدَاخل

تدوينات ذات صلة