أحمد الهنداوي، ثابر واجتهد ليصل إلى أهم المناصب عالمياً، تحدى الصعوبات بثقة بالنفس، يشعر بالتحفيز عندما يلامس حياة الأشخاص.

شخصيته فضولية للتعلم والاجتهاد؛ فـهو ومنذ عمر صغير مطلع على الأحداث اليومية ومستجيب لها، وترعرعَ بين عائلة كبيرة وهو أصغرهم سناً، وهذا ما ساعده على الوعي المُبكر، فـكانت اهتماماته مختلفة عن ممّن هم حوله، وأبناء جيله.


اهتم بالعمل التطوعي، ومساعدة الغير، وبدأ بإحساس شعور إنجاز الإجتهاد منذ أن كان في الصف الخامس الابتدائي، عندما انضم لمجلس الطلبة في المدرسة، واندمج مع شعور المساعدة وصنع التغيير وتحقيق الأهداف.


"بالنسبة لي؛ الشهادة الجامعية جزء بسيط مما عشته خلال ٤ سنوات فترة البكالوريوس، فكانت من ضمنهم الكثير من الأعمال التطوعية، وتنمية القدرات، وتطوير الذات"


كأي شخص في المرحلة الثانوية، أصابه التوتر، والخوف، ولكن هذا لم يؤثر على طموحه، وهدفه، بل اختار بعد نجاحه، دراسة تخصص كان جديداً، ومطلوباً في سوق العمل "نظم المعلومات الحاسوبية".


خلال دراسته، أدرك الهنداوي بأنه لديه مواهب وقدرات متمحورة حول تخصصات أخرى لها علاقة بـ"السياسات، العمل التنموي، وعلم الاجتماع"، ولم يتغاض عن اهتماماته هذه، بل عمل على تنمية هذه القدرات، فإلى جانب تخصصه في الجامعة، كان يزور ويشارك في محاضرات أخرى، بما يتعلق بالعلوم السياسية وعلم الاجتماع.


كما أنه عاش فترته الجامعية بين الدراسة والعمل الطلابي، من خلال تشكيل الكتل الجامعية، التطوع، والمشاركة بالمؤتمرات المختلفة.


بعض القرارات غير الاعتيادية من الممكن أن تفتح ابواباً كثيرة.

محطات عمل الهنداوي مليئة بالتألق والتميز على المستوى العالمي، فاستلم مناصب قيادية عالمية، وكان الأصغر سناً في جميعها، وأول عربي في بعضها.


كـشاب بعمر ٢٣، من الطبيعي أن تكون اهتماماته المحافظة على وظيفة بعقد دائم، وعدم أخذ الخطورة بفقدانها، لكن بالنسبة للهنداوي، كانت من أهم خطواته؛ استقالته من وظيفته في الأردن والانتقال للعمل في القاهرة مستشاراً لسياسات الشباب في جامعة الدول العربية، حتى وإن لم يكن العقد دائماً، فالتجربة كانت سر البرهان بأن أخذ بعض القرارات غير الاعتيادية من الممكن أن تفتح ابواباً كثيرة.


"الربيع العربي كان أكبر مشهد في حياتي"


أثناء عمله في جامعة الدول العربية، شهد العالم العربي أحداثاً غير مسبوقة سمّيت بـ”الربيع العربي" الذي وصل إلى القاهرة من تونس، فـكانت بالنسبة له تجربة استثنائية عاشها بجميع تفاصيلها، حين عمل في تمكين الشباب، وبالنسبة له ولعمله؛ فالشباب أولوية، وكان تسليط الضوء عليهم كأنه تم تسليط الضوء على اهتماماته الشخصية.


عبّر الهنداوي عن تلك الفترة: "كان مشهداً استنثائياً فكنت شاباً في مطلع العشرينات من عمري وأعمل على قضايا الشباب في جامعة الدول العربية وعلى اطلاع على تحدياتهم، احداث الربيع العربي في بداياتها ومطالب الشباب كانت تجربة استثنائية وتجربة غزيرة بالدروس"


بعدها بأشهر؛ تم انتخاب الأمين العام السابق للأمم المتحدة "بان كي مون" في ولاية أخرى، ووضعَ أهمية كبيرة لتسليط الضوء على القضايا الشبابية، بحسب الظروف التي عاشها الشباب في الربيع العربي، وعندها اتخذ "كي مون" قراراً باستحداث جهاز جديد غير مسبوق خاص بالقضايا الشبابية، مما دفعه باتخاذ قرار تعيين مستشار معني لهذا المنصب.


"لم يكن في بالي الترشح لمنصب مبعوث الأمم المتحدة للشباب، بل كُنت أفكر من سأرشح!"


في فترة ترشيح الأسماء للتعيين في ذلك المنصب، رُشِحَ اسم الهنداوي، في حين كان يفكر بإسم لـيرشحه هو للمنصب.


هنا؛ تلقى الهنداوي اتصالاً لـتحديد موعد مقابلة شخصية مع "كي مون" فكانت المسؤولية كبيرة بالنسبة لشاب يبلغ ٢٦ عاماً من عمره، وبسبب اجتهاده، وعمله المُلهم والجاد نال المنصب، وانتقل للعمل في مكتب نيويورك كأول وأصغر مبعوث للأمم المتحدة للشباب.


المسؤولية تضاعفت على الهنداوي، فلم يكن أكبر إنجاز له استلامه للمنصب، بل كيف سيعمل جاهداً في سبيل خلق التغيير؟


"كل يوم كُنت أتعلم عن ١٠ سنوات"


في بداية عمله، وكونه أول من استلم هذا المنصب كان عليه بناءه من الصفر؛ من جمع التمويلات، وضع الخطط وأسس العلاقات مع الدول الأعضاء ووكالات الأمم المتحدة الأخرى، التعليمات والتشريعات، وبناء برامج جديدة؛ لغاية تقديم أكبر أثر ممكن للشباب.


التحديات لم تكن سهلة، ويذكر الهنداوي أنه بتلك الفترة كان يعمل دون توقف للالتقاء مع الدول الاعضاء، والسفر المستمر لـبناء الدعم، وحضور المجتمعات والمؤتمرات، فـكان يعمل، يبحث ويطور، ويأسس مناهج واستراتيجيات جديدة للعمل على الاستجابة لاحتياجات الشباب.


استطاع الهنداوي أن يصمم استراتيجية كاملة وطلق مبادرات جديدة أثمرت عن تمويل إضافي، وتعديل على تشريعات محلية، والكثير غيرهم، حيث كان يعمل مع ١٩٥ حكومة حول العالم لمناقشة القضايا المتعلقة بالشباب، وإيجاد حلول جذرية لمشاكلهم.


يشعر بالفخر الهنداوي عندما ينظر لما كان عليه المكتب في بداية عمله في الأمم المتحدة: " عندما انظر اليوم لانجازات هذا المكتب الذي كان صغيراً، واليوم كبيراً ومؤثراً، أشعر بالفخر والاعتزاز"


"لدي الفرصة للمس حياة الأفراد"


ويتذكر الهنداوي احدى الحملات التي يفتخر بإنجازها في نيجيريا، عندما تبنى حملة مع مجموعة شباب طالبوا بتخفيض سن الترشح للانتخابات، وأطلق عليها اسم "Not too young to run" "لست صغير للترشح" واستطاع من هذه الحملة تعديل نص القانون في الدستور النيجيري.


وعلَّقَ: "كان لدي الفرصة للمس حياة الأفراد، سواء بتغيير التشريعات، او الاستماع لما يحتاجونه، والعمل على تحقيق الأثر الحقيقي المطلوب لينالوا حياة كريمة"


"أصبح لدي صوت يحمل وزناً"


في فترة تعيينه بمنصب مبعوث الأمم المتحدة للشباب، سيطر على الهنداوي شعوران: التحدي، والامتنان، وكما عبّرَ عن ذلك: "أصبح لدي صوت يحمل وزناً، لأنني عندما اصرح بشيء معين، لا أصرح باسم أحمد الهنداوي بل بإسم الأمم المتحدة، وشعرت بالامتنان لقدرتي على حمل الأوزان التي أؤمن بها"


وألهمنا بقوله:"بداية الإنجاز الحقيقي هو عندما تشعر أنك بدأت بتحويل الثقة التي أوليت لك إلى مردود واضح وملموس للأشخاص الذين آمنوا بك"


من خبرته الطويلة، الغنية والمثمرة في تمكين الشباب، شارك الهنداوي أهم أولويات الشباب والتي تعتبر متشابهة حول العالم: "من رؤيتي وعملي في ١٢٠ دولة، اكتشفت أن معظم الشباب يتشابهون في رغباتهم التي تتمحور في احترام الكرامة، التعليم، والعمل اللائق، ولكن درجة تحقيق هذه الرغبات تتفاوت من دولة لأخرى، ففي بعض الدول يعتبر الوصول للتعليم تحدياً، وفي دول أخرى فدفع تكلفة التعليم هو التحدي في حدّ ذاته"


وأضاف عن التحديات التي يواجهونها الشباب خلال جائحة كورونا:" الشباب اليوم يواجهون العديد من التحديات خصوصاً خلال جائحة كورونا، فـمعدلات البطالة بازدياد عالمياً، كما انهم يعانون من خطاب سلبي بما يخص الجائحة، بأنهم مهملون وغير ملتزمين وشركاء في نقل العدوى، وكأن لا أحد يدرك معنى أن يخسر شابا سنة كاملة من حياته، وما يتبع ذلك من تداعيات “.


من الدور الدبلوماسي إلى الدور التنفيذي


في عام ٢٠١٦، وبعد أربع سنوات من تأسيسه لمكتب الأمم المتحدة الخاص بالشباب، تواصلت معه المنظمة الكشفية العالمية، حين كان منصب الأمين العام للمنظمة شاغراً، وعرضوا عليه المنصب.


انتقل الهنداوي للعمل مع الكشفية؛ واستلم هذا المنصب من شخص كان عمره ٦٥ عاماً، في حين كان الهنداوي في الـ ٣١ من عمره، وكان عاشر شخصا يستلم هذا المنصب منذ بداية الكشفية، ويحمل جنسية غير أميركية أو اوروبية.


فكرة المنظمة الكشفية استهوت الهنداوي، وقرر الخوض بهذه التجربة الجديدة، والحركة الكشفية هي حركة شبابية تربوية تطوعية، هدفها تنمية الشباب بدنيًا وثقافيًا، متواجدة في ١٧١ دولة، تخدم ٥٤ مليون منتسب.


والمميز بهذه الحركة هي التطرق لصقل مواهب متعددة عند الشباب، أي أن تساعدهم على تنمية المهارات المختلفة.


عمله في الأمم المتحدة كان له دور تحشيدي ودبلوماسي، بينما عمله الحالي في المنظمة الكشفية يعتبر تنفيذياً أكثر، أي أن يدير ١٧١ فرع حول العالم، من مراكز إقليمية، وفريق عمل منتشر في شتى البقاع، وكونه الأمين العام يعتبر المسؤول التنفيذي الأول على المنظمة الكشفية العالمية.


خلال عمله مع الحركة الكشفية؛ عمل في الميدان كثيراً، وسافر للعديد من الدول برحلات اكتشاف، ومساعدة، وتطوير برامج للشباب.


يفتخر الهنداوي بانتقاله من الجزء العملي الدبلوماسي إلى التنفيذي، وبحسب كلماته: "عندما ترى الأثر على أرض الواقع؛ وتعمل على نقل وتطبيق الخبرة التي بنيتها في وقت قصير، تشعر بالتحفيز للعمل، فاليوم تخدم المنظمة الكشفية العالمية ٥٤ مليون شخص حول العالم من خلال الفعاليات والمبادرات الدورية"


"التطوع يقدم لنا أكثر مما نقدمه"


بجانب أعماله المُلهمة، الهادفة والمؤثرة في حياة الآخرين، لم يتوقف الهنداوي عن التطوع، فـهو أحد أعضاء مجلس إدارة الصندوق العالمي للطبيعة من بين ١٢ شخصاً على مستوى العالم، والهنداوي أصغرهم سناً وأول عربي ينتسب إليهم.


يعمل الهنداوي معهم كمتطوع يخصص من ١٥ إلى ٢٠ يوماً سنوياً لـمساعدة الصندوق في الاستراتيجيات والسياسات العامة.


بالنسبة للتطوع وأهميته في حياتنا؛ ألهمنا الهنداوي بقوله: "التطوع يقدم لنا أكثر مما نقدمه، فأنا شخصيا حياتي مليئة بالتجارب بفضل التطوع"


"مُلهماني هما: جلالة المرحوم الملك الحسين بن طلال والقائد الافريقي الراحل ميلسون مانديلا"


"جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه من أكثر الشخصيات القيادية التي أثرت فيّ، بسبب قدرته على الاعتدال والزهو، واستطاعته على النهوض بـأردن محدود بالموارد ولكنه غزير في الإنتاج "

"احترم جداً القائد الافريقي نيلسون مانديلا فقصته مليئة بالحكمة، والصبر، وقدرته على توحيد شعبه لا تفريقهم"


"شغفي هو التطوير"


الهنداوي؛ شخصيته مميزة، فهو إنسان يستمد الشغف من التطوير، أي المضي قدماً في المشاريع والبرامج، حيث يشعر بالإنجاز الحقيقي عند رؤية النتائج.


"يستطيع الإنسان العمل بأي موقع اذا كانت لديه رؤية بما يمكن أن يطور في هذا الموقع، التميز يكون بمعرفة الوضع الراهن، والقدرة على تطويرها للأفضل"


ألهمنا بقوله أيضاً: "استيقظ كل يوم بهدف التطوير، وعندما أشعر بأني بلغت الحد الأقصى من التطوير أغادر عملي"


"المثابرة والاجتهاد على مدى طويل لابد أن يثمرا"


قدم الهنداوي نصيحة للشباب بالنسبة للتفوق، والعمل الجاد: "المثابرة والاجتهاد على مدى طويل لا بد أن يثمرا، هناك قاسم مشترك بين الأشخاص الذين صنعوا الفرق والتأثير في العالم؛ وهو أنهم لم يستجيبوا لفشلهم في المحاولة، بل عملوا على الاجتهاد والتطوير دائماً، ونصيحتي؛ إن لم تجد عملاً مناسباً في بداية طريقك لا تيأس وطور مهاراتك وعزز تجاربك من خلال التطوع والاجتهاد"


بقلم هبة سكجها




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات مِنْ الدَاخل

تدوينات ذات صلة