اسم المتسابق: عبدالله مسلم عبدالله الفزاع - فئة المسابقة: الفئة العمرية الأكبر من 18 سنة



مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور


العربي اليوم لا ينقصه علم تطبيقي وتجريبي بقدر ما ينقصه بناء مجتمعي ، فالعرب اليوم لا يشكون قلة حملة الشهادات الجامعية في شتى مجالاتها ومستوياتها بقدر ما يفتقرون إلى الإرادة والثقة والرؤية لتحويل علومهم من حبر على ورق إلى عمل وجهد يبني مستقبلاً ويصنع أملاً بحياة أفضل لأجيالنا القادمة ، كما لا يمكننا إغفال حقيقة أن العرب اليوم هم في أخطر مراحلهم التاريخية فلا هم قد تمسكوا ببنيتهم الاجتماعية القديمة كما ولم يفلتوها يلتمسكوا بالبناء الاجتماعي الفردي الغربي الحديث ، فأصبحت المجتمعات أشبه بالمسخ الذي صنع من آلاف الأشلاء.

في هذا الكتاب يناقش الدكتور مصطفى حجازي الحالة النفسية الخاصة للإنسان المتخلف ، في نظرته للأمور وفي حكمه على الوقائع ، فالعربي اليوم يتقلد التمائم مهما بلغ في علمه النظري والتطبيقي من مبلغ، فترى حملة شهادات الدكتوراة يتطيرون لأتفه الأمور ويقصدون العرافين ليطمئنو أرواحهم القلقة من غوائل الزمان وفقدان الأمان، ولا يسعنا سوى الدهشة لمدى انطباق الأوصاف على ما نرى من ظواهر وتطابق التشريح النفسي للإنسان المقهور مع نظيره الإنسان العربي، فما طائفيتنا اليوم ولا اقتتالنا ولا مدى بغضنا لبعضنا بعضاً سوى إرهاصات للحالة النفسية التي يمر بها الإنسان المقهور والتي تنذر بأسوأ النهايات حال عدم التقدم لعلاجها.


يأخذنا الكاتب إلى أعمق أسارير نفس الإنسان المقهور ليشرح لنا آلية فهمه للأمور ووجهة نظره للحياة، ومما يميز الكتاب عن غيره من دراسات في علم النفس المجتمعي أنه لم يترك طبقة مجتمعية إلا وشرحها بالتفصيل تاركاً ورائه مفاتيح ثمينة لفهم حال المجتمع العربي اليوم في شتى طبقاته، من أسفل الهرم الاجتماعي إلى أعلاه.


ومع صعوبة تلخيص الدراسات النفسية إلا أني سأحاول جاهداً وضع أهم أفكار الكتاب بين يديكم، متخذاً أسفل الهرم كبداية ، فطبقة الكادحين وصغار الكسبة تتميز بحالتها النفسية الدفاعية التي تتمترس حول العرف والعادة كنوع من الدفاع ضد ظروف الحياة المختلفة التي لا حول لها بها ولا قوة ، متخذة الجماعة (الطائفة أو المنطقة أو القبيلة) كخط دفاع أول مضفية عليها أقدس الصفات نافية عنها أقل الرذائل ، وهذه الجماعة لا تستطيع ان تفسر نفسها سوى عن طريق الآخر ، الأنا ضد الغير، فبالتالي تصنع جماعة مغايرة هي أساس كل شر وكل سوء وكل رذيلة وينتهي الأمر بأفراد هذه الطبقة كأشخاص يعكسون كل مشاعرهم السلبية تجاه الآخرين وقد تؤدي أقل الأسباب إلى انفجار غضبهم العارم بطريقة غير مساوية لحجم المسبب ، وكم نرى في حياتنا اليومية من ظواهر تطابق هذا الوصف ؟


أما الطبقة الثانية فهي أصحاب المال وهم المتماهون بالقوي والمتسلط متخذين التقليد كخط دفاع أول ، فهم الأقرب إلى القوي بلغته وبمظهره وبمأكله ومشربه ، هم العنصر الغريب والأقلية في المجتمع ، هم الأكثر انتماءاً للقوي وهم من لا يجدون تفسيراً لوجودهم سوى خدمة القوي ونيل رضاه، وهذه الطبقة تتميز بالخواء الوجودي وانعدام الهدف والضياع الذي تفسره بشتى تصرفاتها بالحياة من مبالغتها بالمظاهر والتقليد الأعمى إلى تسلطها على الضعيف مماهاة للقوي، وهذه الطبقة تتميز أيضاً بمحاولتها التقوقع على نفسها نابذة خلف أسوار مظاهرها البراقة كل ما يذكرها بواقعها وبحقيقتها.

أما طبقة صناع القرار فهي الطبقة التي حملت أثقل الأوزار في مستقبل الأمم ، فهي الطبقة التي تدفع المليارات لتقيم خططاً تنموية لتتفاجأ بالنهاية بفشل ذريع في كافة المخططات، وترى نفسها يوماً بعد يوم أبعد عن جموع الناس ولا ترى من معاونيها أي ناصح أمين لأنهم وكما سبق أن وصفت هم أبناء الطبقة الوسطى ، فتصبح الطبقة الحاكمة في نهاية المطاف عاجزة عن فهم المزاج الشعبي العام الذي ينذر بأسوأ الاحتمالات حالة انفلات عقاله واتخاذه العنف سبيلا للتعبير عن خوفه وقهره.


وفي الختام لا يسعني سوى أن أنصح بهذا الكتاب لكل من أعياه فهم الآليات العقلية والحالة النفسية وراء الظواهر المجتمعية في عالمنا العربي، ولكل من يحاول أن يستشرف المستقبل القريب، فاليوم نحن في أمس الحاجة للعلوم الأنسانية لتخليص المجتمع العربي من آفاته وعلله التي أعيت أصحاب الفكر وأذهلت أصحاب الرأي.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

كل التوفيق ان شاء الله

تدوينات من تصنيف محتوى أدبي

تدوينات ذات صلة