من وحي تجربتي كأم ، كيف نقوم بتوجيه أطفالنا لإستخدام قنوات السوشال ميديا بشكل تربوي ذكي ؟
مع وجود ترندات الأطفال المختلفة على الكثير من مواقع السوشال ميديا واهمها يوتيوب وتيك توك وبمحتويات مختلفة سواء مفيدة أو غير ذلك ، ورغم إنني لي وجهة نظري " الخاصة " بإن الطفل تركيزه يجب أن يكون أكبر على التعلم وتنمية الهوايات أكثر من تشتت التركيز على هالة الإعجاب الساحرة التي تقدمها السوشال ميديا وبشدة.ابنتي كغيرها من بنات جيلها في المجتمع الألماني كانت تراقب تحت متابعتي بعض قنوات اليوتيوب لبنات من جيلها وبمحتويات مختلفة ، مثل الطفلة ايفا ووالدتها جاد وغيرهما .
هناك عدة محاور نفسية وتربوية راقبت فيها ردات فعل طفلتي لأعرف مدى التأثير الذي ستنتجه مثل هذه القنوات وقد خضنا فيها عدة حوارات منها :
أولاً : المثالية
هل فعلا والدة هذه الطفلة منشغلة بإبنتها ٢٤ ساعة وكل هذا الإهتمام وتحضر لها ما شاءت من الألعاب وكل يوم في رحلة هنا ورحلة هناك .
كان لا بد من شرح موسع لطفلتي عن آلية عمل هذه الأمور وأولها الدعاية لمنتجات أو منتجعات سياحية أو محلات ألعاب وغيرها بالتالي هذه الطفلة تتقاضى والدتها مبالغ ليكون لديها كل هذه القدرة على مصاريف الفيديوهات والرحلات وغيرها.
كذلك وضحت لإبنتي أنت تشاهدين فيديو مدته ١٥ دقيقة وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال إن حياة هذه العائلة بهذا الشكل لمدة ٢٤ ساعة فعلى الأكيد لديهم إهتمامات أخرى ، ومشاكلهم الخاصة. ولكن كونهم مشاهير لا بد من الظهور الدائم حتى يتم تحقيق أرباح من الدعايات وربما هذا مصدر الدخل لديهم.
ثانياً : أن تصبح يوتيوبر !
ما يراه الأطفال حاليا من بذخ وترف للعديد من اليوتيوبر يضعهم أمام مواجهة مع واقع يناسب جيلهم ، الربح السهل أمام الجهد الكبير لجني المال.
فالعديد من نقاشات الأطفال والتي ترويها لي أمهات مثل أن يقول الأطفال لبعضهم : " ليس مهماً أن تدرس ، ولكن في هذا العصر أن تكون يوتيوبر يحقق أرباح طائلة ويحصل على هدايا وعزائم ومعارف من المشاهير وهذا اكثر الترف الذي لا تحققه مهن أخرى بالإضافة لقيمة عداد المتابعات وتعليقات المعجبين والمعجبات.
قصة من واقع تربيتي كأم
ذات يوم جاءت طفلتي وقالت لي : إنها تريد أن يصبح لها قناة على اليوتيوب؟ فهناك صديقات لها لديهم قنوات؟
فسألتها : وماذا ستقدم الحلوة للأطفال على اليوتيوب ؟
قالت : أنا أجيد عزف الكمان ، سأعلم الأطفال العزف ؟ وطبعاً هي تعني اطفال من المجتمع الألماني لسهولة التعبير .
فقلت لها : فكرة عظيمة أن يفكر الإنسان بتعليم غيره وإعطاء فائدة. ولكني في نفسي كنت مهتمة لأعرف " لماذا خطر لها ذلك ؟ " وهل لدى ابنتي قيمة فعلية حقيقية تريد أن تقدمها للغير رغم وجود العديد من القنوات ، أو إنها لمجرد أن تصبح يوتيوبر وتقليدا لفلانة وفلانة من أطفال اليوتيوب؟.
أنا لست تربوية ، وهذا ليس مجالي ولن افتي فيه ، ولكني تعاملت مع الموضوع كمربية وأم.
فقررت أن لا أخذل طفلتي ، ولكن أردت بطريقة أخرى أن تكتشف هي بنفسها دوافعها وذاتها وإن كانت فعلاً مقتنعة بالفكرة.
فسألتها بإهتمام : وماذا ستسمي القناة ، فردت بحماس : ( قناة للكمان وأشياء أخرى ) ، وقد قررت أن تسميها بهذا الإسم لإنها ربما ... ربما ترغب لاحقاً بتعليم أشياء أخرى أو تعرض أمور أخرى ، بالتالي حتى لا يختلط الأمر على المتابعين.
فاقترحت على طفلتي أن أعطيها هاتف قديم لدينا، وأن تبدأ بتصوير سلسلة فيديوهات حيث تقوم بحفظها على الهاتف ، ثم لتتابعها بعد التصوير وتقوم بتقييم جودتها وأنا سأتابعها كأم ثم نتشاور و نتفق إن كان الفيديو يستحق أن يكون لاحقاً على يوتيوب !.
ولأكون صادقة؛ في قرارة نفسي هذا كان إختبار واقعي لتكتشف فيها بذاتها قناعتها وقدرتها على الإستمرار وتقديم شيء جديد ومميز .
بالفعل سجلت ابنتي عدة فيديوهات ولكن كان الحماس للفكرة يتقلص يوماً بعد يوم لعدة أسباب :
عملية التصوير المستمرة وتجهيز الجو العام لذلك
- العزف على الكمان بدون خطأ أو صدور نغمة نشاز تجعلها تعيد الفيديو مرارا
- عدم إيجاد فكرة للحديث أثناء تأدية عزف الكمان ( هذا ما كانت تكتشفه خلال المتابعة )
- لوقت ما بين الدراسة والنشاطات والهوايات واللعب وبالإضافة لوقت خاص لتصوير الفيديو
- التربية على النقد الذاتي للأداء والفيديو
- أخيرا الوصول للنتيجة بنفسها وهي عدم وجود القناعة الداخلية لتكون يوتيوبر وإنما هو تقليد كباقي الأطفال.
وأخيرا جاءت لي بقرار صادر من ذاتها : " ماما لا اريد أن أصبح يوتيوبر ، فقد إكتشفت إن هناك أمور أهم أستطيع القيام بها بدون يوتيوب ، وإن عملية تصوير الفيديوهات شتت من تركيزي ولإني أصبحت أفكر دومًا كيف ممكن أن تكون افضل وما هو شكل الفيديو الجديد وماذا سألبس ؟ وكما انها تستهلك الكثير من الوقت كنت ممكن أن أضعه في هواياتي الأخرى مثل القراءة والرسم والكتابة "، لكن الفيديوهات سأحتفظ بها للذكرى.
أما أنا فكنت في قرارة نفسي سعيدة وفخورة بإبنتي ، وبنجاح التجربة ، وكيف وصلت ابنتي إلى القناعة الذاتية بنفسها و بدون تدخل صارم مني وكذلك بدون إقحام نفسها في يوتيوب أو غيره والتعرض لأي ضغط نفسي هي بغنى عنه ، والأهم في هذه التجربة هو تنمية قيم مهمة في نفسها مثل : النقد الذاتي ، والمثابرة للأفضل وتحكيم العقل بالإختيار وبعيدا عن أجواء السوشال ميديا ، حيث لمست إنها صنعت فرقا في شخصيتها ،
وأخيرا قد ساهم قرارها هذا بتقليل متابعتها لدرجة الصفر لأطفال اليوتيوب والعودة إلى أجواء الكتب والقراءة وممارسة هوايات أخرى.
في هذه التدوينة احببت أن أعرض عليكم تجربة خاصة من فنون الإقناع في هذا المجال ، من وجهة نظري كأم ومربية ربما تكون فيها إفادة للأمهات بالتعامل مع طوفان اليوتيوبر والتيك توك الحالي .
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
جاء ابني الأكبر في يوم يخبرني بآنه يريد ان يبدأ قناه عاليوتيوب لنشره فيدوهات لعبة Fortnite لان جميع اصدقاؤه قاموا بذلك! لم آعلم كيف اخبره بان ينسى الامر لكن قمت بالاشراف على فترات لعبه وتسجيله للعبة والوقت الذي سيقضيه في متابعة اليوتيبرز المماثلين.
الله يحفظك
رااائعة، ربي يحفظك ويحفظ أبناءك يارب.
مقالة رااقية جداا، وتجربة من أروووع ما يكون.