من مذكرات طالبة طب تحاول أن لا تعيش واقع الطب المخيف حولها و تخلفه الإنساني قبل العلمي .
7 سنوات ... كانت كذلك ... أجْري من طبيب لآخر ، فحوصات وراء فحوصات ، عمليات جراحية.... وخلائط الاعشاب وكومة الأدوية..... هكذا كانت حياتي خلالها .... في النهار بين المستشفيات وفي الليل على وسادتي أبكي وأترجى الله ..... ما كنت أنتظره هو معجزة .... الكل فقد الأمل إلا أنا بقيت متمسكة رغم أعوام الألم والحزن والاكتئاب .... وأكيد حديث الناس الذي كان يُنكِّل بجرحي..
جُرحتُ في أمومتي.....
و الأمل كان طفلا يمتلئ به حجري الفارغ ... طفل يمتلئ به قلبي وتكتمل به أنوثتي...
أنها غريزة الامومة عند كل أنثى ... لن تشعر بكيانها كأنثى أن لم تمارس غريزتها الامومية و إلا ستبقى تشعر بالنقص مدى حياتها .. أدرك أن المرأة أم وان لم تنجب لذلك كنت أمًا لكل أولاد جيراني وأولاد اخوتي كنت أمًا لكل طفل يعبر الشارع إلا أماً لولدي ... الذي أبى أن يأتي ......
بعد أن أذن الله أن يُفتح حزامي، وأن يطيب خاطري أن يرحم أما تفطّر قلبها ...شاء الله واستجاب لدعائي بعد 7 سنوات .... ولا داعي من أن أخبركم بفرحتي وفرحة زوجي .... إنها المعجزة .... إنه الأمل ...
وكأني ولدت من جديد يوم ولدت ابنتي ..... كانت قرة عيني وحبيبة قلبي، نسيت شقاء سنين في اللحظة التي رأيتها ... فأشرقت الشمس في حياتي بعد ان طال غيابها .... لذا سميتها شمس ..... كانت تفاصيل الجمال مجتمعة فيها... دقيقة الملامح بيضاء البشرة ذات شعر أسود وعينان ساحرتان عميقتان تنقلك من هذا العالم إلى عالم الأحلام
ستفهم معنى الجمال ان نظرت لحظة في حُسنها ...
عشت طفولتي من جديد معها .... ربيتها بيدي وحرصت عليها كل الحرص ...
كبرت شمس مطيعة لي ولوالدها ... كانت وردة البيت وبهجته كبرت بسرعة ولم تتعبني في تربيتها ... كانت قليلة الطلب مع انها وان طلبت النجوم لأحضرتها لها ..
بدأت تدرس وكانت مجتهدة جدا حسنة الأخلاق.. رقيقة المشاعر .... طاب قلبي لها وشعرت بأني أغنى إمرأة بها ...
بلغت عمر 15 بسرعة ... لم تكن تعاني حبيبتي من شيء بل كانت ذات صحة جيدة كما أنها لم تمرض كثيرا في صغرها ...
جاءت ذلك المساء بوجه شاحب ... لمست وجهها وكأن نارا توقدت عليه .... هرعت واسندتها على السرير ... وبدأت اخفض حرارتها بقطعة قماش ، وحرارة قلبي تزداد دون انخفاض
بعد دقائق بدأت نوبة الآلام في رأسها ..... فجريت بها للمستشفى ... فوصف لها الطبيب أدوية نزلة برد وتركها ...
اخذت الأدوية ونامت تللك الليلة والحمى تأكل جسدها وتأكل روحي من الداخل معها ...
في الصباح أَملتُ أن تكون تحسنت ، لكن عادت الآلام ، اعتادت أن تكون قليلة الشكوى ... لذا فطريقة صراخها ترجمت لي حجم الألم الفظيع الذي تشعر به.
أخذتها ووالدها إلى طبيب آخر ..... مع أن حالتها مستعجلة ولا يوجد من يتألم مثلها الا انه لم يشفق أحد على حالتها وانتظرنا ساعة لندخل .... أجرى لها بعض الفحوصات السريعة .... محاولا تجاوزها بسرعة ... والسؤال عن الألم.... السبب الغير منطقي نفسه
...لم يعد الأمر يُحتمل ..ساءت حالتها في الأيام التالية وزادت شدة الألم أصبحت تتقيؤ لم تعد تحتمل أبسط الاصوات وتتجنب الضوء ... بكل الطرق
وتبريرات الأطباء نفسها ...
مر تقريبا أسبوعين وقد أخذتنا لأكثر من أربعة أطباء ... ولا تسمع منهم شيئا سوى تبريرات غير مجدية ...
لم تتحمل شمس وسقطت في حضني مغمى عليها كاد قلبي يخرج مكانه، كنت اصرخ وسط المستشفى وابكي حتى سقطت على ركبتي ، جاءوا وحملوا حلمي الجميل وقد بهت وجهها وزار سواد الليل جفونها .....
اجتمع الأطباء حولها .... فحوصات أشعة تحاليل وأجهزة وأصوات غريبة جري من هنا وهناك ....
"شمس لا تغربي عن حياتي أرجوك أملي معجزتي لا تذهبي "
الآن أجلس بجانب شمس لم تصحو من غيبوبتها منذ أسبوع، ويطمئنني تخطيط نبضات قلبها على تلك الأجهزة التي تحيط بها ...
"أعلم أنك لا تحبين جو المستشفيات،، لكن سيختفي كل هذا وتستيقظين ... حبيبتي ستشفين وتعودين لتُنيري حياتي ... ستعودين لدراستك ... وتكبرين جميلتي .... "
حتى الآن لم يتجرأ طبيب باخباري أن ابنتي الوحيدة ... قلبها مازال ينبض لكنها لن تستيقظ أبدا .... لا أحد تجرأ لحد اللحظة أن يخبرني بأن ابنتي كانت ضحية إهمال طبي ... و تشخيصات خاطئة من أطباء عديدين ... يستحون من قول أنه لم يستطع ولا طبيب أن يشخص ابنتي تشخيصا صحيحا .... أو أنهم يشعرون بالذنب من فقدانهم انسانيهم والجري وراء المال..... هل شعروا بالمسؤولية الآن وأنهم لو عملوا بإخلاص واهتموا قليلا بها وفحصوها جيدا واجروا أشعة.... لعلموا أنها كانت مصابة بالتهاب السحايا ولم يتأخر تشخيصهم إلى أن تحلل وذاب دماغ ابنتي نهائيا ......
نعم هذا قدر الله .. لكن اهمالهم و عدم مسؤوليتهم جشعهم كان السبب .....
هل خطفهم لأمومتي بعد ان حضيت بها بعد سنين طويلة من العذاب ... أمر يسامح عليه ؟.... هل هذا جرم يغتفر بحق أم خسرت ابنتها الوحيدة ... ؟
كسروني ، جعلوني أتقيؤ قلبي حينها و أدفنه مع ابنتي ....
(وهذه كانت رسالة أمٍ مفجوعة بابنتها)
التعليقات
💔