البعض يتعامل مع المريض على انه شخص كسول يحتاج دوماً إلى سوط الكلام لينشط، في حين أن الأمر إعاقة ويحتاج إلى معاملة خاصة بالفعل.
هو ليس فى خطورة الفصامي ولا "البوردرلاين" فى التعامل، ولا فى مشقة احتمال ثنائى القطب. فمريض الانهباط (المكتئب) ليس لديه طاقة أصلاً للأفعال الكثيرة المُتعبة، ولا المشاجرة أو الجدال، وهاهنا تحديداً تكمُن المشكلة. أنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً، ولكنها أهون المشاكل.
إن كُنتَ من أقارب الدرجة الأولى أو من أهل المريض فإليك 13 نصيحة.
(1) الأوامر
توقف فوراً عن إصدار الأوامر (كفاك كسلاً، قم إلى الصلاة ودع عنك من يوسوس لك بترك الصلاة، تحرك و" قوم أعملك حاجة"، أذهب إلى الكلية بدلاً من جلسوك فى المنزل بلا عمل، إلخ ) المُنهبط ليس لديه طاقة أصلاً لفعل شئ. فأخبره بعمل المفروض عليه (العلاج، الرياضة، الانتظام فى النوم، إلخ) بإسلوب ليّن سلس.
(2) لغة الجسد
هي أهم من لغة الكلام، وهي التى يجب أن تسود فى تعاملك معه. كالحضن والتربيت على اليد والكتف ولمسات اليد، مداعبة شعره. رغم البساطة الشديدة التى تتسم بها تلك الحركات إلا أن تأثيرها على المريض كبير ومهم، فلا تستهن بها.
(3) لغة الكلام.
أ ـ الأولوية فى الكلام للمريض لا لكلامك. فاسمع منه أكثر مما تتكلم. دعه "يفضفض" ويعرض وجهة نظره السوداوية فى الحياة ولعن المرض دون أن تصحح وجهة نظره أو تعظه أو تحاول تعديل أفكاره. هذا دور المعالج لا دورك. تذكر نصيحة لاوتسو : الصمت مصدر قوة هائل. وبعض المرضى يعلمون جيداً مدى صعوبة مرضهم وصامدون ومثابرون، لكنهم فقط يرغبون فى أن يُستمع إليهم دون نُصح، لا تنسَ نصيحة كونفشيوس : الصمت هو الصديق الوحيد الذي لن يخونك. لا عجب أن تجد فى بعض الحضارات والثقافات "الصيام عن الحديث". لك أن تتصور كيف هو الصمت مؤثر.
ب ـ أن يكون فيها تعاطف ودعم لا توبيخ أو أسى.
ـ فقل له : ليست المرة الأولى التى تدخل فيها فى هذا الموود، أتذّكُر شهر كذا، والمرّة الماضية كيف صمدت وكيف تجاوزتها، أتَذّكُر يوم أن كنت غارق فى الانهباط وقولت لي كذا وكذا، ورغم ذلك تجاوزتها.
ـ قل له : أعلمُ أنك تمُر بألم بشع. صحيح لم أُجرب الانهباط لكنيّ جربت الألم ، وأنا أحترم فيك إرادتك وصمودك. أنت تبهرني فى كل مرة تقع فيها ولا زلت تقوم، وهذا ما يأسرني فيك صدقاً.
ـ لا تقل له دوماً : المرض النفسي والاكتئاب أمراض العباقرة والمبدعين. فالأمر مع الوقت يصبح كقولك لشخص كُسرت قدماه : مبروك، ستأخذ أجازة من العمل!
ـ لا تقل : لا يُعجبني حالك بتاتاً، أنا انظر إليك يتفطّر قلبي، والله هيئتك تقطع القلب.
ـ لا تقل : أنا حزين لإني عاجز عن مساعدتك، لا أعلم كيف تحتمل كل هذا الألم وحدك، الله يصبرك
ت ـ أن يسود لغتك البشاشة الدائمة والابتسامة والنظر فى عينيه، لا النظّرة العادية ولا الوجه العابس، فضلاً عن البكاء على حاله. الموضوع بيفرق
ج ـ ألا يكون كلامك مُبالغ فيه فى المدح والتشجيع، واذكر وقائع حقيقية لتمنحها تأويل منطقي لا تهويل. مثال :
"المريض التزم بالعلاج لفترة، لكنه بدأ يُهمل جدوله وعلاجه مؤخراً. هنا تتدخل لتقول : قسماً بالله يا فلان لديّ صورة من جدولك أُريها لأي صديق مريض مثلك لأخبره بأن لدي أخ صامد ويناضل مثلك. أنا افتخر بك أمام كل من ييأس لإنك تُعطي دفعة لغيرك بالصمود، لست وحدك تعاني لكنك وحدك تُلهم الآخرين. أنا أعلم بأنك تمشي على الجمر، وقد قاربنا على الانتهاء وسنُنهي طريق الانهباط وإن كُنا نعرج، المهم أننا لا نتوقف عن السير ولا نعود إلى الوراء.
د ـ أن تُشجّع من في دائرة المريض (اصدقاءه، زملائه، جيرانه، الاصدقاء الافتراضين، إلخ) على الحديث معه وفق البنود السابق والآتي ذكرها. حين يأتى الدعم بالكلام من أكثر من جهة يكون التأثير قوي ومؤثر بحق. كما علّمونا زمان : الاتحاد قوة. والمريض في حاجة ماسة للقوة ليواجه بها ثقب الروح الأسود.
س ـ ألا ترهقه فى الحديث، فلا تضغطه فى الحديث عن اسئلة وتُصر على سماع الأجوبة، أو التركيز على موضوع بعينه، أو الحديث عن موضوعات كان يُحبها قبل الانهباط ولم يعد يُبدي شغفه إليها (إلا إذا ابتدرك). باختصار لا تكن مصدر ضغط فى الحديث، بل كالنهر يتخذ مجراه وفقاً لما يمر به ولا يتعنّت فى مسيره.
(4) عدم اللوم والتقريع.
في حالة عدم الانتظام في العلاج أو الرياضة أو مثلاً الحضور فى المناسبات الاجتماعية إياك أن تلومه وتؤنبه، فتربته خصبة لاستقبال بذور الإحساس بالفشل والعبء، وثمارها أفكار انتحارية. بل اتبع مبدأ (ماذا بعد ـ وات نيكست) وابحث عن حل. لنضرب مثال :
إذا لم يلتزم المريض بالعلاج مثلاً فاسأله : هل بسبب أعراضه؟ ما رأيك لو منحناه هو والطبيب فرصة 20 يوم نُقيّم فيها كلاهما؟ لك عندى هدية اذا صَمدت. هل تجد صعوبة فى التركيز والتذكّر مع الدواء؟ سأُعِد لك جدولاً فيه الأشياء المطلوبة منك وسأساعدك فيها ريثما ننتهى من الـ20 يوماً.
ابحث دوماً عن حلول. واسمع نصيحة كونفشيوس : إذا لم تنجح فى تحقيق أهدافك فلا تُغيّر الأهداف، غيّر طريقتك فى الوصول.
(5) احصل على معلومات.
من الطبيب، من الجروبات، من السوشيال ميديا، من الكُتب، من اليوتيوب عن مرض الانهباط والتعامل معاه، والفرق بين الانهباط العادى والمختلط، وعلامات وبوادر الانتحار، ومتى وكيف اتدخّل وبأي قدر من القوة استخدم. كلما حصلت على معرفة أعلى كلما زاد رصيدك من فهمه واستطعت أن تُطبق نصيحة لاوتسو : انظر للشخص من خلال الشخص كي تفهم الشخص.
(6) اكتب المستجدات
في كشكول خاص دوّن فيه عدد ساعات نومه بالتقريب، مستجداته إن وُجدت حتى تُخبر الطبيب. لإن المريض لا يهتم بالتحسُّن الطفيف الذى يطرأ عليه، فأغلبهم يكون سعيهم إلى كمال لا إلى الحلول الوسط. والمريض لن يتذكر التغيّرات. المستجدات مفيدة للطبيب فهي تُسهّل عليه عمله، وبالتالي يعود النفع على المريض فى اختيار طبيبه له العلاج الدقيق لحالته التى استجدت.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات