هل صحيح كل من يقرأ فى الفلسفة يُلحد وتصيبه امراض نفسية؟
هو صحيح اللي بيقرأ فى الفلسفة بيتعب نفسياً وبيلحد وكده؟
كلام غير دقيق. والرد المُبسط عليه : إن كان ذلك كذلك فلِمَ لم يلحد دكاترة الفلسفة؟.
العالمان (مايكل نينا و ويندي دريدان) فى كتاب (العلاج المعرفي السلوكي ـ 100 تكنيك) بيقولوا : " إن التفكير غير التكيُّفي ( يعني التفكير الخاطئ والتصورات غير الصحيحة التى تسبب مشاكل نفسية) لا يسبب وحده الاضطرابات الانفعالية، فالاضطرابات النفسية تحددها عوامل متعددة، مثل العوامل الجينية، والبيئية، والأسرية، والثقافية، والشخصية، والارتقائية، ويساعد التفاعل بين هذه العوامل فى تكوين المعتقدات الأساسية عند الأشخاص.
"لذلك فإن الحديث عن معارفنا وطرق تفكيرنا على أنها تُسبب الاضطرابات الانفعالية، دون الأخذ فى الاعتبار أي عوامل أخرى ـ مثلاً : الأهمال فى الطفولة، وطبيعة الشخصية شديدة الحساسية، والعزلة الاجتماعية ـ يُعَد أمراً مضللاً.
نحن نظن أن السبب الأوليّ أو الخلل الوظيفي في أثناء حالة الاكتئاب أو القلق يكون فى الجهاز المعرفي، ومع ذلك فإن هذا يختلف تماماً عن فكرة أن المعرفة وحدها تسبب هذه الاضطرابات، وهي فكرة غير منطقية بقدر تأكيد أن الهلاوس تسبب الفصام."
فيه عوامل بتكون تربة خصبة لاندلاع شرارة الاضطرابات ـ اللى هي كامنة "أولردي" فى الجينات ـ وبيجي الحدث (موقف، صدمة، كتاب، شخص، أزمة اقتصادية أو سياسية، إلخ إلخ) بتشعل الاضطرابات.
لم يُحكَ ليّ؛ بل شوفت بعيني مرضى نتيجة الألم واللى اتعمل فيهم من أهلهم ألحدوا تحت مفرمة التقلبات (إذا كان الله رحيم، فليه سيبني أتعذب بالمرض كده؟ إذن مافيش إله.) وبالتالي فانت نظرتك قاصرة لما تناقشه منطقياً، لإني لما عملت كده ماعرفتش اتناقش معاه خالص فى الأدلة اللى جابها (التطور، الوجود التاريخي للأنبياء، اشكالية التراث والأحاديث والكتب المقدسة، العلم وحرية الإرادة، إلخ إلخ) لإني كنت بلاقيهم مش فاهمين، ولا بيقرأ بعمق وموضوعية (مافيش موود ولا صحة أصلاً يقرأ بتركيز ودقة). هو بس عاوز يتعالج من مرض ـ بكل أسف ـ المجتمع مش معترف بيه اساساً..
ـ كان ليا صديق فصام، كان مؤمن تماماً إنه نبي، وإنه بيوحى إليه وعنده رسالة وطلب مني أكتر من مرة ينشر الدعوة فى الجروب. وأهله جابوله شيخ لـ" يُستتاب"!. وبعدما أتحسن فجّر فى وشي اشكالية : مين اللى يقول أن مُحمد وموسى وعيسى مش مُصابين بأعراض ذهان يا علي؟ علي أنا فعلاً كنت بشوف أحلام وبسمع ربنا وقتها، فين المعيار يا علي؟. لما روحت لكتب الطب النفسي والدليل التشخيصي الإحصائي الأمريكي مالقتش عندهم الأجابة؛ دول فجروا فى وشي أسئلة أكتر وأكتر. الموضوع مش بالبساطة والسطحية والسذاجة اللى الناس بتحل بيها أي الظواهر اللى زي دي.
رد فعل أهله يوسف كان إيه؟
منعوا عنه الكُتب!
ـ مريض أهله منعوا عنه العلاج، كان اكتئاب حاد. (مش مقتنعين بالمرض نفسي) وحاول الانتحار أكتر من مرة (كان ينشر صور شرايينه المقطعة على جروبي) والأهل مستمرين فى غباءهم، فى النهاية أعلن انه اسرائيلي وغرّق حسابه صور إسرائيل وتهوّد، وليل نهار شتيمة فى الإسلام والمسيحية ومصر والمصرين. (صدق أو لا تصدق مرضى كتير فى الجروب صدقوا انه عميل صهيوني!!).
ـ صديقة بورد لاين، قرأت فى الفلسفة والتطور والأشكاليات العلمية ـ الدينية، فى الوقت اللى "تربتها" كانت مهيئة، فتحولت للنقيض تماماً على كل المستويات. من متدينة بشدة إلى ملحدة إلى تائبة. ومن كحوليات ومخدرات إلى العودة لضبط النفس نوعاً ما، إلى التأرجحات. (البورد لاين أخطر أنواع الاضطرابات الوجدانية، البيبولر مايجيش حاجة جمبه). والأمثلة مش هيستوعبها البوست، دي محتاجة كتاب.
مثالين شخصين :
1 - أنا وراث المرض من والدي. فى مراهقته وشبابه (ده السن اللى بتظهر فيه الأعراض المرضية عموماً ـ التربة خصبة) كان شاب عابث، مقضيها حشيش وسجاير وصحوبية وقراية فى مواضيع فكرية وأدبية، لحد ما وقعت له صدمة فكرية ـ نفسية اثناء تقلباته المزاجية الحادة (ماحدش راضي يحكيها لي) فتحوّل على النقيض. بقى سلفي متشدد، وترك كل الكُتب والعلوم وبقى مُحفظ قُرآن ومش بيقرأ غير كتب التراث فقط.
قُبيل وفاته بدأ يميل شوية لعلم النفس وعاوز يفهم تقلباته، بس الموت كان أسرع. فى ظنى أبويا لو كان عاش كان هيتغيّر (مش بالضرورة هيتحول للنقيض كما جرى له)
- فى 2009 كنت فى مراهقتي (سن التربة خصبة) قرأت (رواد الفلسفة الحديثة ـ ريتشارد شاخت) انبهرت بمنهج ديكارت، ولما طبّقت أفكاره بكل حماس (الشك المنهجي) خرجت من العباية السلفية، وتحت مفرمة التقلبات هاجمت أهلى وأمي وأقاربي وكتب الصحاح. بعدها تأثرت بشدة بجمال البنا، فنزلت حرب وجدال على كل اصحابي السلفيين والشيوخ وتسفيه وقطعتهم.
ـ بعدها أتهزيت بدوستويفسكي (ولإن كنت فى "تربة" انهباط) غذتني رواياته بالكآبة الملائمة لللتربة وبقى شعاري (الوعي مُهلك). بعدها أتكهريت بعنف وشدة بـ(هكذا تكلم زرادشت) ولإن الكلام ده كان فى 2015 وأنا طالع من جلسات العلاج بالكهرباء بموود قوي، أخذني الحماس وسميت نفسي (الإنسان الحُر) وإنى الوحيد اللى فاهم نيتشه، وبكل حماس عمال أضرب بمطرقته أي شخص بيطرح فكرة أو مشروع، لإن التربة كانت مساعدة.
ـ بعدها قررت إغلاق الأكونت فى مايو 2016 عشان أشتغل على "التربة"، وبمساعدة العلاج واليوجا والتأمل؛ بكل سهولة بقدر أفصل بين أفكار الكاتب/ الأشخاص ومشاعري تجاهها/ الأحداث. وده كان له تأثير ضخم وهائل وكبير جداً فى تلجيم الانحياز والهوى للأراء، والتحليّ بالموضوعية.
ممكن أي حد يدخل عندي الأكونت ويشوف (الهيستوري) من أول مافتحت الفيس فى 2010 لحد النهاردة ويشوف كنت بتعامل أزاي مع المذكور أسمائهم.
ومن ثم فعبارات : الوعيّ مُهلك، الإدراك لعنة، إلخ إلخ بتاعة دوستويفسكي وسيوران وكافكا إلخ إلخ هي صحيحة لإنها تُعبر عن مزاج وشخصية صاحبها، لكن لا تؤخذ على سبيل الإطلاق وحكم نهائي. الأشخاص يؤمنوا أو بيلحدوا أو بيعتنقوا رأي أو بيتطرفوا إلخ إلخ بسبب عوامل نفسية تختلف وتتفاوت شدتها وحجم تأثيرها وفق عوامل كتير تانية. ولهذا ـ من وجهة نظري ـ علم وطب النفس مدخل ممتاز لفهم : فلسفة الدين، ظواهر التدين، التطرف، شطحات/ سلوك المتصوفة، إبداعات الشعراء الأدباء/ الكُتاب، فلسفات الكثير من الفلاسفة والمفكرين. بجانب طبعاً العلوم الأخرى.
يترتب على ده إن لما تلاقى أتنين بيتخانقوا حول ناس انتحرت، ألحدت، أعتنقت رأي متطرف أو مخالف، ما تفكرش قويّ فى نسق الحجج بتاعته، لإنه بيكون غطاء هش سهل أى واحد مبتدأ فى المنطق يهده، فكّر ليه هو من الناحية السيكولوجية متعصب ومش عاوز يفهم رغم كل شئ؟ ساعتها علم وطب النفس هيفيدك فى الموضوع أكتر. وغالباً ـ إن لم يكن مؤكداً ـ هتلتزم تجاه تعليقه الصمت وعدم الرد.
في الغرب فيه دراسات وأبحاث بتتعمل لفهم وتشخيص شخصية العلماء والكُتاب والمفكرين من خلال حياتهم ونصوصهم (عندك كتاب : ممسوس بالنار. لكاي جيمسون اللى تناولت فيه شعراء ومفكرين شخصّت مرضهم بناءً على المنهج المذكور سابقاً). نتمنى نلاقي زي كده عندنا. لإنه للأسف حتى النُخبة والمثقفين مهتمين بكل شئ فى العلوم إلا الحقل الذهبي ده. وكنت بتصدم لما أتكلم مع أغلبهم وألاقي كل معرفته فى المجال : فرويد، المركيز دو ساد، المازوخية تجربة مليغرام، سجن استانفورد، الفتشية. وهي محض قطرات فى محيط مفزع وهائل غايب عنهم اسمه : علم وطب النفس.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات