لا يشترط لعالم ولا مُثقف أن يمتلكوا القدرة على التأليف فإن للكتابة فن وحس وموهبة لايملكهم كلّ أحد.
أنا أحترم وبشدّة، ذلك الكاتب الذي يحترم عقل القارئ، لاينشر إلّا مايجده مناسباً لأن يُقرأ، وإن كان قد دوّن مادوّن من المجلدات، فإذا لم يعتقد بأنها ذي فوائد ومنافع أياً كان نوعها، ضرب بها عرض الحائط.
أحترم هذا الكاتب الذي لايشرع بكتابة مقال، أو تأليف كتاب، إلّا بعد أن يقرأ ويبحث عنه من شتّى الزوايا بمعنى الكلمتين .
فهذا ابن خلدون، حبس نفسهُ خمسة أشهر في قلعة لتأليف مقدمته الشهيرة .
وهذا المؤرخ محمد عبدالله عنان قبل أن يُتم كتابه الشهير (دولة الإسلام في الأندلس)، أتقن اللغة الإسبانية ولك أن تعلم أنه قبل أن يؤلف هذا الكتاب رحل إلى الأندلس مرّاتٍ عدّة جال في مدنها، وطاف على سهولها، ومشى في أوديتها، وزار قُراها، وأمضى فيها الشهور الكثيرة، ولم يترك فيها مكتبة، أو قرية، أو كنيسة، إلّا زارها واطلع على مافيها من مايحتاجه في تأليف كتابه، أيّ أنه لم يكتفي بالقراءة والبحث.
وكان قد مضى المؤلف في تأليف كتابه الذي يقع في أربعة آلاف صفحة، ربع قرن تقريباً.
وهذا الشيخ موسى بن راشد العازمي، قبل أن يُؤلف كتابه (اللؤلؤ المكنون) لم يترك كتاباً له علاقة في السيرة النبوية والحديث الشريف إلّا وقرأه بطول مجلداته، فقد قرأ مئات المجلدات، وأذكرُ من كبارها كتاب (سنن البيهقي)، و(المصنف) لابن أبي شيبة، و(السير) للذهبي.
ودواوين السنّة بأكملها ، وغيرها كثير فقد استغرق المؤلف في البحث فقط قبل تأليفه الكتاب عشر سنوات بشهورها وأيامها وساعاتها، وبعدها أتمّ مراجعة الكتاب مع تحقيق علمي للأحاديث والروايات في سنتين، وبهذا يكون مضى في البحث والتأليف والقراءة ١٢ سنة،
كل الأحترام لمن يحترم كتابه والعلم وعقولنا .
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات