التجارب التي تمر بها هي ما تُشكل ذاتك الحقيقية، رغم أنها تستغرق بعض الوقت لفهمها جيداً.

الوقت كما يقولون له أثر سحري على ندوب جروحك من كل التجارب التي تعيشها، وكل تجربة نمر بها مهما كان حجمها صغيرة أو كبيرة لا تمر مرور الكرام، فكل واحدة منهم تعطيك درساً أو تقوي عضلة عقلك في فكرة ما أو تصرفك عن فكر طائش بعد ما تتكبد عدد من الخسائر المادية أو المعنوية لأن تلك الطريقة التي قد توقفك عن تبني هذا النوع من الأفكار، سبحان الله لا يوجد موقف عبثي أبداً كل ما يحدث لك هو الخير سواء في سياق الدين أو الدنيا حتى عندما تكون بمعايير المادية الدنيوية قد خسرت كل شىء عندما تضع الأمور في نصابها وتنظر إلى ما حدث طبقاً لبوصلتك الأصلية ستعرف أن ما أصابك كان أفضل نسخة من الأحداث التي قد تصيبك.الأحداث التي قد تصيبك.


لكن ما يعيق الإنسان عادة عن الفهم هو انغماسه الشديد وتأثره بما حدث ويحدث له في الدنيا حتى أنه لا يقف لحظة مع نفسه للمراجعة ومحاولة الاستيعاب، فنحن نحيا بعالم سريع الإيقاع للغاية الذي دوماً يُشعرك بأنه قد فاتك شيئاً ما في نصف الكرة الأرضية الآخر ولم تدري به بعد وهذا يجعلك تشعر بنوع من أنواع الإخفاق، وُيغفلك عن معرفة ومتابعة ذاتك التي بين جنباتك التي ستُسأل عنها أولاً وتُحاسب على تقصيرك معها.


وهذا الانغماس في مادية الدنيا يصرفنا بشكل أو آخر عن إدراك التربية الروحية التي نمر بها، فقد تمر بالحدث وينتهي ولا تدرك أصلاً ماذا حدث لك، ثم يصيبك أمراً آخر قد يكون إعادة لما سبق وتصيبك الدهشة الحقيقية ولكن الأمر كله مرتبط بتلقيك هذا الدرس وفهمه جيداً، وحيث أنه لا يوجد أفضل من رمضان فرصة للتخفف من أغلب المتع المادية ومحاولة الانغماس الروحي ولو بشكل مؤقت خلال هذا الشهر الكريم، فلعلنا نحاول الفهم والتوقف لعل الله يمّن علينا بالفهم والفتح من عنده.


إذا أعطى الإنسان نفسه الوقت اللازم لينظر ويفهم ويستوعب ما يحدث معه بشكل مستمر لأدرك أن ما يحدث هو أنه "يفر من قدر الله إلى قدر الله"، فكل ما يصيبه هو قدر الله عزوجل عليه، لا أجزم أنه سيعلم أحدنا حكمة هذه الأقدار أبداً، ولكن الأمر محور الحديث هنا ليس الحكمة التي لا يعلمها إلا الله، محورالحديث الرئيسي هو التيقن من أن ذلك القدر الذي أصابك على شدته وألمه ومهما عصف بروحك وأصابك بالحزن فهو أفضل ما قد تناله من هذا الموقف.


"وتحسبونه شراً وهو خير لكم"

نعم نحن لا نعرف ويجب أن نتذكر هذا في بداية كل يوم، نحن لا نعرف أين يكمن الخير لنا فقط نحاول ونسعى وندعي الله عزوجل ليوفقنا لما هو خيراً لنا وعندما لا نُوفق نتذمر ونغضب، نعم التجارب مؤلمة وموجعة ولكنها ليست بلا هدف وليست عبثاً أبداً، فعندما يهدأ الألم وتبدأ في استكمال مسيرك مرة أخرى وتواجه مواقف جديدة تدرك آثار تلك التجربة ترى منك جزء جديداً لم تكن تعرفه من قبل، لأنه وليد التجربة التى أقضت مضجعك وآلمتك وأيضاً تركت بداخلك جزء منها ولك حسن أو سوء استخدامه.


ربما لهذا يقولون أن التجارب تُنضج الإنسان لأنها إما تعطيك خبرة بأمر جديد أو تكشف لك جزء ما عن نفسك لم تكن لتعرفه أو تراه إذا لم تمر بك وفيك هذه التجربة، إذا أردتُ إعطاء تعريف لكلمة "نضج" فقد يكون إعادة اكتشاف الذات وفهم أوسع لكيفية تفكيرك وإعادة ترتيب ما حدث بدخلك بشكل مريح ومفهوم لك مما يعطيك مجال أكبر للتعامل مع الحياة بكونك أنت وبما يسمح لك بتقبل آثار تلك التجارب فهذا التعريف يكفي حتى الآن، وفي الختام آمل للجميع أن يدركوا من يكونوا حقاً بعد تلك التجارب ويتصالحوا مع ذاتهم الجديدة.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

تدوينات من تصنيف خواطر

تدوينات ذات صلة