في النقطة المجهولة من أعماق البحر تستكن أجسادهم الهزيلة، هم صامتون بظلمته وحيدون بحسرتهم، لكن لصدى أرواحهم كلمات سأحاول جاهدة كتابتها.

لا تتركني حيًّا…


هذه هي الكلمات الوحيدة التي تستطيع كل دول العالم سماعها ، فهم لها منصتون ، واعون، ومدركون حق الإدراك

أن صوت صداها يكاد لا ينتهي ، لكنهم سرعان ما تنهزم فيهم أخلاقهم ، وتنقطع سيالاتهم العصبية عند ابتداء الملحمة السمعية من ما يدوّي الآذان ويهز الأكنة،

فصوت الصدى ينادي بأنقذوني ،أسعفوني وزملوا ضعفي وقلة حيلتي و يقرع في كل ضمير، لكن عندما يتعلق الأمر بأرواح الشعب السوري يتسابقون في مضمار التعسف والإجحاف.



في يوم الأربعاء الماضي الموافق للرابع عشر من شهر يونيو للعام ٢٠٢٣، تم إضافة مأساة جديدة لمذكرة المآسي السورية، في ذلك اليوم غرق قارب الصيد الذي ابتدأ رحلة إبحاره من شواطئ مدينة طبرق الليبية متوجهًا للشواطئ الايطالية بغرض اللجوء وكان يُقل ما يقارب السبعمائة وخمسين راكبًا من المهاجرين، بعد أن تعرض للتيه لمدة ثلاثة أيام، تغيرت وجهته وتبدل خط سيره باتجاه السواحل اليونانية.


أفاد ناجون أن الدور الأكبر لغرق قارب الصيد كان لخفر السواحل اليوناني ، حيث أنهم قاموا وبشكل متعمد بسحبه بسرعة كبيرة مما أدى لاختلال توازنه وغرقه ، في هذه الأثناء تعالت أصوات نداء المهاجرين وتكاثرت مخاوفهم بالغرف ،لكن السلطات اليونانية أعجبها المشهد، مشهد سينمائي يرضي غرور قلوبهم، وي كأنهم قطعوا من بشريتهم حبال الإنسانية، فلم يستجيبوا لأي نداء حزين بل تجاهلوا تلك النداءات بدم بارد وتركوا البحر لهم لينال من أنفاسهم المتعبة، نجى منهم ١.٤ أشخاص أما عن الباقون فهم في عداد المفقودين فليس هناك قائمة تحتوي حروف أسمائهم ولا هناك جثث لهم قد تكوي لوعة فقدانهم .


لم يكن هذا هو التصرف الهجين الوحيد للسلطات اليونانية ،فقد أفادت شهادات للناجين ،بأنهم أسارى الكلمات ،فلم تزج فقط أجسادهم في سجون السلطات إنما أيضًا كلماتهم، فهم مجبرين على التحفظ على شهاداتهم في ما يدور حول الممارسات الغير إنسانية لخفر السواحل ،

إضافة لمعاناتهم النفسية في كبح مشاعرهم والإفصاح عن ما جرى ، فيتم اتباع أساليب غير مشروعة في معاملتهم كلاجئين ، أفاد أحد الناجين أنه تمنى الموت مقارنة بالبقاء في سجنهم.


مضى ما يقارب الأسبوع على الحادثة ، وخلال هذا الاسبوع لم يستطع الناجون التواصل مع ذويهم إلا مرة واحدة يتيمة.


ما أود التنويه إليه وبشدة هو أن هذه الأفعال يتم مداراتها من قبل السلطات اليونانية، ويحاولون جهدهم في تلوينها بألوان الإنسانية ،ولذلك أوجد السوريون حملة لرد حقوق ضحايا هذه الفاجعة وحماية الناجين وحماية شهاداتهم وأطلقوا لها اسم "العدالة لضحايا القارب".


أما عن بنود الحملة فهي تقوم على مطالبة المجتمع الدولي لمحاسبة كل مسؤول عن حادثة الغرق وتحقيق العدالة ، كما تدعو المنظمات العالمية ومنظمات حقوق الإنسان لتحسين الظروف المحيطة بالناجين ليستطيعوا هم بدورهم تقديم يد العون والإدلاء بشهاداتهم للكشف عن تورط السلطات اليونانية في هذه الجريمة.


وفي اليوم العالمي لللاجئين لا بد أن ندرك الحقيقة المرة ، وهي أن الأوطان لم تعد ذلك المكان الذي تستطيب أرواحنا البقاء فيه،لم يعد المكان الذي تجبرنا ذكرياتنا على التمسك فيه ،لذلك لا داعي لإلقاء اللوم على من هاجر أرضه وهجر ذويه ليحيى حلم الحياة.


في الأحرف الأخيرة من هذا المقال أود التذكير بدور كل منا في تسليط الضوء على حادثة الغرق، إذ أنه أي ردة فعل الكترونية على الحادثة قد تحدث الفرق وخصوصًا إذا كانت على نطاق واسع ،وأنه ليس وقت العتاب واللوم ، بل هو وقت المساهمة في بذل الجهد في سبيل الوصول لمعلومات قد ترد حقوق الضحايا.


#World_Refugee_Day

#العدالة_لضحايا_القارب

#JusticeForTheBoatVictims


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

رحم الله الموتى وكان الله بعون اهليهم
ولا حول ولا قوة الا بالله

إقرأ المزيد من تدوينات راما الكميتي

تدوينات ذات صلة