عن معنى أن ترى الأشياء التي لا تُرى .. عن عيش الأيام دون أن تعتادها!

خلف الشاشة نحدق في سماواتٍ كثيرة، وننبهر بها، سماء ملبدة بالغيوم نشرها صديق في أحد مواقع التواصل، وأخرى نشرها غريب، لا نعرف عنه شيئًا إلا أنه هو الآخر تظلله سماءٌ في غاية البهاء، وأخرى رسمها فنان موهوب، وسماء ساحرة في لعبة الفيديو الجديدة.

نبصر سماواتٍ كثيرة وبطرق متعددة، ويفوتنا أن نبصرها بأسهل وأجمل طريقة: من فوقنا!

نخرج على عجلة نحدق في الطريق، نتململ من الروتين والازدحام، ولا نقف لثانية لنحدق للأعلى، ونستشعر اتساعها، ثباتها دون عمد، زرقتها وصفائها نهارًا، سوادها وتزينها بالنجوم ليلًا. لا نفكر بأنه ليس عاديًا أبدًا أن يتعاقب الليل والنهار، وأن يبقى القمر والشمس في صفحة السماء ثابتين!

أخذ منا الجلوس أمام الشاشات ارتباطنا بالأرض، واستشعارنا للحياة الحقيقية وهي تحدث من حولنا، وكيف تتدفق داخلنا قبلها! أصبحت المنازل هادئة، قل التواصل واتسعت المسافات. قد نقترب من شخصٍ في أقصى العالم لكننا بعيدون كل البعد عمن يجلس بجانبنا الآن، لا شك أن التقنيات الحديثة سهلت الحياة وساهمت في تقريب المسافات، لكنها في المقابل أخذت منا الصفاء، انغمس العالم فيها بإفراط، أصبح معظم الناس مرتاحين بدنيًا لكن عقولهم تضطرب، ومشاعرهم تتضخم، نرغب في فعل كل شيء، ولا وقت لدينا لأي شيء!

نبتلع بعجلة ما نواجهه، ونتناوله ويفوتنا أن نهضمه ونستفيد منه، طعامًا كان أم فكرة، نستمع ولا ننصت، نسير ولا نستمتع بجمال الطريق، سُلبت منا رفاهية النزهة، فقدنا التوازن، وأصبحنا نبحث عن الحياة في مكانٍ آخر، نتلقاها من خلال عدسة الهاتف بدلًا من أعيننا، ونفكر في تخليد لحظةٍ لم يتسنَ لنا عيشها كما يجب!

الاعتياد على ما نملك واعتبار النعم من المسلّمات، النظر للحياة من خلال عدسات الآخرين، صورهم المُعدلة والمثالية، كل هذا يولد لدينا شعورًا مُلِحًا نرى معه ما ينقصنا فقط، وعلى إثره نفكر بأن حياتنا لم تبدأ بعد، وأن لها شكلًا مبهرًا، نجلس في انتظار شيءٍ ما، شيء مدهش لا تعود بعده حياتنا كما كانت. ثم يمضي اليوم، وتتبعه أيامٌ عدة، تنطوي السنة والسنة التي تليها .. ونحن محتجزون فيما يمكننا تسميته وهمًا، نحدق في الشاشة وننتظر من الحياة أن تقوم هي بما يفترض أن نقوم به.

ماذا لو نظرنا لليوم نظرةً استثنائية؟ أليس الاستيقاظ فرصة جديدة يمنحها الله لنا؟ المعجزات في كل مكان من حولنا، والأهم أننا نحن المعجزة التي نبحث عنها وننتظرها، إنها منا وفينا.

بدلًا من البحث عن مشاعر مؤقتة كالدهشة، وانتظار الشغف لأقوم بأي شيء، أفضل العيش بقلبٍ راضٍ وممتن، لست بحاجة للذهاب إلى نيفرلاند -حيث لا نكبرُ أبدًا- لكي أبُصر الحياة وأعيشها بعمق المرةِ الأولى، لست بحاجة للحاقِ بأرنبٍ أبيض -كما فعلت أليس في بلاد العجائب- لأبحث عن نفسي، بينما يمكنني صنعها، أريد التركيز على اللحظة الحاضرة، على نعمة العينين اللتين تبصران هذه الكلمات، والعقل الذي يَعِيها، وعلى كل النعم التي تحيط بنا.



Wedad Alshammari

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات Wedad Alshammari

تدوينات ذات صلة