نجري في اتجاه سرابٍ لن نبلغه، وقد نغفل بالانغماس في الجري عن حقيقةٍ هي: أن الحياة ليست مكانًا نصل إليه بل طريقًا نمشي فيه .. ووجهتنا الله.

في مرحلةٍ ما ستستيقظ .. وتلاحظ أن كل شيء مضى وسيمضي بلمح البصر! الفصول، المشاعر، الأحداث، الأيام، والأشخاص. وأن معظمنا تشرّب هذه الصفة حتى امتلأ! نسارع للوصول إلى أي شيء ثم نتجاوزه بنفس السرعة، نواجه كل تجربة بنصف قلب ونصف روح. في حين أن جزءًا منا لم يتسنَ له استيعاب استعجالنا هذا. نشعر بحاجةٍ مُلّحةٍ لفعل شيء .. أي شيء! .. ثم نشكو من الانشغال.


يوجد الكثير لنشعر به، ونقرأه، ونسمع عنه، ونشاهده يوميًا، الكثير ممن قابلناهم وسنقابلهم!

حياواتٍ كثيرة في حياتك الواحدة وأحكام مسبقة، تحيزات ومقارنات، آراء وخطابات تدعوك وتُملي عليك من تكون؟! وماذا تفعل؟! .. قوالب كثيرة يصنعها من حولك وينتظرون أن تتلاءم معها. عبارات مبتذلة، مثالية زائفة، وكلمات مصفوفة بإتقان خالية من أي مصداقية، إنجازات مُتكلّفة، وتلّهف لجذب الانتباه!


- عليك أن تقوم بشيء متميز!

- إنّ ما تقوم به يحدد قيمتك كإنسان!

- إنك متأخر، ما تقوم به لا يكفي!

- انهض، استمر في الجري!

- تحامل على نفسك!

- قلل أوقات نومك لتنجز أكثر!


كل هذه الرسائل السامة موجودة بالفعل في مكانٍ ما من عقلك الباطن، للأسف. لكن في الحقيقة ليس عليك أن تقوم بشيء مبهر أو تسابق أحدًا؛ أنت لم تُخلق لإثبات أي شيء لأي أحد، قيمتك تكمن في كونك عبدًا لمن خلقك، وهو الذي قال سبحانه: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً).


هنا يكمن هدف حياتك ومعناها الحقيقي، هنا تكمن الإجابة التي يحاول كل شيء في حاضرنا أن يجعلها هامشية، أو يخفيها من الأساس!

نعم، لك حياة على الأرض عليك أن تعيشها وسعي عليك أن تسعاه فيما يرضي الله -بجانب كونك عبدًا له- لكن ما يحدث الآن هو أن هذا الانغماس بالدنيا طغى إلى الحد الذي نسي فيه البعض أن حياته الحقيقية ليست هنا، لا بأس بعيش الحياة لكن باتزان، بمحاسبةٍ للنفس في نهاية اليوم، بطرح أسئلةٍ جوهرية: ما نصيب الآخرة من يومي؟ جوارحي تستقبل القبلة كل يوم لكن هل قلبي أيضًا مُقبل؟ كيف هي علاقتي مع الله؟


أكبر مشاكل الإنسان اليوم أنه يُكابر، يجاهر، ويجهل ما يعنيه أن يكون عبدًا لله!


إنّ عبادة الله تُحرّر المرء من التعلّق بالدنيا التي سيغادرها بأي لحظة، ومن التعلّق الضار بالأشخاص الذين سيفترق عنهم لا محالة، ومن التعلّق بالمادة التي كلما زاد حظه منها زاد شقاؤه! إن الحياة لا تتمحور حول الاكتساب بل التخلي! وبقدرِ ما تتخلى عنه فأنت تكتسب شيئًا أعظم في المقابل.

فأغنى الناس من استغنى بالله عن كل شيء! ألا تكفيك حقيقة أنك مُستخلف في الأرض -وضمن أعدادٍ هائلة من المسلمين- لكنه رغم هذا كله يعلم بما في صدرك، ويدبر أمرك، ويفرح بتوبتك، ويسمع لك ويبصرك كسمعه وبصره للنفس الواحدة .. كأنما أنت وحدك!

وجودك قيّم بالفعل أيًا كانت هويتك، ولك ربٌّ قريب ما توكل عليه شخصٌ إلا كفاه. ألا تهز فؤادك حقيقة أنّ الكثير من البشر تائهون! بينما خُلقت مسلمًا لك دومًا ملجأً آمنًا وربًّا لا يُغلق أبوابه من دونك؟ بماذا قابلنا هذه النعمة؟


ادع الله أن يرُدك له ردًا جميلاً، وتذكر ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: "من كانتِ الآخرةُ هَمَّهُ جعلَ اللَّهُ غناهُ في قلبِهِ وجمعَ لَه شملَهُ وأتتهُ الدُّنيا وَهيَ راغمةٌ، ومن كانتِ الدُّنيا همَّهُ جعلَ اللَّهُ فقرَهُ بينَ عينيهِ وفرَّقَ عليهِ شملَهُ، ولم يأتِهِ منَ الدُّنيا إلَّا ما قُدِّرَ لَهُ."

أعز ما تملكه هو دينك، هي علاقتك بربك، فتمهل في عبادتك، استحضر النعم التي أنت غارقٌ فيها على الدوام، كن ممتنًا، واطمئن طالما سعيت فإن ما لك ستناله في الدنيا والآخرة.

Wedad.

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات Wedad.

تدوينات ذات صلة