"لم تفرض العبادات فقط لتعلمنا طاعة الله ، ولكن أيضا لتثبت لنا أننا قادرون علي التغيير إلي الأفضل وفي فترات وجيزة"


ويمضي رمضان سريعا ونحن سعداء بما نقدمه من طاعة لله على ما أمرنا به من صوم وقيام وتهجد وزكاة، والامتناع عن قول الزور والبهتان والغيبة والنميمة، والصبر على فعل الخير، والصبر على المكاره، وتحمل الآخر ولو عاب فينا.


هكذا يجعلنا رمضان ننجح وبدرجة كبيرة - وبفضل عزيمة الإيمان - أن نضبط إيقاع حياتنا في النوم والصحيان، وفي لم العيلة، وفي إكرام الضيف، وفي الإقلاع عن التدخين، وعن السب وعن التفوه الألفاظ النابية.


وهذا ما يريده الله منا تماما في رمضان، وهو التعود على المبادئ والقيم والعودة إلى الأصول، وتقديم الدليل العملي للإنسان أنه يستطيع وبسهولة التغلب على شهواته ونزواته وعلى عاداته السيئة التي اكتسبها من هنا ومن هناك طوال العام. وهكذا أثبتنا لله ولأنفسنا أننا قادرون على أن نتغير في شهر واحد وللأحسن وللأفضل. قادرون على تغيير سلوكنا تماما على مستوي الفرد والمجموعة والوطن.


فرمضان ليس شهر صيام نتلذذ فيه بطاعة الله وحسب، والطمع في غفران الذنوب وكسب الحسنات والفوز بالجنة، ولكنه شهر تدريب للفرد وللمجتمع على تعلم القدرة على التغيير عمليا وفي فترة وجيزة من أجل المصلحة العامة والخاصة.


فإذا كنا قد استطعنا أن نثبت في رمضان، وبمختلف أعمارنا ومستوياتنا التعليمية والثقافية والمالية والاجتماعية والوظيفية، أننا بالفعل قادرين على التغيير، فلماذا لا نتغير وبسرعة من أجل رفعة هذا الوطن، من خلال سلوك راق، وعمل نافع، وإخلاص واتقان وابداع في العمل، من أجل حضارة إنسانية نكون نحن صانعيها.


ولكل عبادة رؤية ورسالة وأهداف وأعمال تحقق الأهداف وتحقق استمرارية الرسالة. ولذلك إن لم تتحقق استمرارية الرسالة فقد فشل صاحب المشروع والمستفيدين من المشروع ويبقي ممول المشروع شاهدا لنا أو علينا.


وتحقيق الرؤية والرسالة والأهداف التي جاء بيها الدين لا تتم بالشعارات أو البوستات أو التركيز فقط على الدعاء عناء الليل والنهار وترك العمل أو الإهمال فيه. فلا يستوي الدعاء مع الإهمال في ساعات العمل أو مجرد تستيف أوراق العمل بلا مضمون.


فمع أن الهدف الأساسي من خلق الله للجن والإنس هو عبادة الله وحده، إلا أن العبادة هو تعمير الأرض من خلال معاملات راقية ومتحضرة وفاعلة. وتعمير الأرض لا يتأتى إلا بالعمل الجاد والدؤوب والمخلص بأسلوب مبدع ابتكاري خلاق يزينه الاتقان.


فإذا لم نتغير في الشهور ما بعد رمضان للأفضل، فلسوف يشتكينا رمضان لله وللأجيال القادمة. سوف يشتكينا بأننا قصرنا في حق أنفسنا وفي حق الوطن.

فاللهم أعنا على تغيير أنفسنا إلى الأفضل من أجل الله والوطن.


وكل عام وحضراتكم طيبون والأحوال في تغيير إلى الأفضل.


د. محمد لبيب سالم

أستاذ علم المناعة كلية العلوم جامعة طنطا

وكاتب وروائي



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. محمد لبيب سالم أستاذ جامعي واديب

تدوينات ذات صلة