في زمنٍ لم نعُد نري فيه الجمال والخير والحب فضيلة ومُثل عُليا



نجيب محفوظ كان يقول عن حارته التي تمثل مجتمعه وقتها « آفة حارتنا النسيان»؛ وإن كان يصف حارته التي رواها، بالمناسبة الآن يمكننا أن نُعدد آفة حارتنا الجهل والتخلف والمرض والبطالة والتبعية وغيرها مما أدى إلى إنعدام المُثُل الأخلاقية.

وإذا حدث اليوم أمر «مستحسن» لم نعد نألفه يكون بمثابة إنجاز وغير طبيعي من كثرة الأمور السيئة التي نسمعها كل يوم.

‏ في الماضي منذ أكثر من عشرين عامًا كان إذا حدثت جريمة تقوم حارتنا على رأسها في حالة من الاستنكار والهلع والخوف و « إزاي يحصل ده؟!، و إحنا وصلنا للدرجة دى، القيامة هتقوم ! »

لكن الآن نسمع ونُشاهد ونقرأ كل يوم عبر شاشة التلفاز أو في الصحف عن جريمة قتل واغتصاب وتحرش هناك وهناك، أصبح الأمر عاديًا، أصبح جلل حدوث هذه الأشياء على نفوسنا عاديًا من كثرة الاعتياد عليه.


لا أتحدث عن الفضيلة لأن لا أحد يستطيع الإمساك بزمامها، لا أحد يستطيع أن يحكُم ويتحكّم في مصائر الخلق، لا أحد يمتلك صكوك الغُفران، لكن الجميع مسئول مسؤولية تامة أمام نفسه وأسرته ومجتمعه وأمام العالم في تقرير مصيره، إذا ما كان سيقوده إلي الحب والخير والجمال، أو إلي مصير ينتهي إليه من الدمار والهلاك.

يقول الدكتور وائل الدسوقي « التعليق على الأحداث أصبح إجمالاً شيء غير أخلاقي، للافتقار إلى وسيلة تعبير محترمة»

هذا أبلغ ما قرأته تعبيراً عن الأحداث خلال هذه الفترة التي تمثّل لبعض الأجيال أزمة وثقلاً على عاتقه، الفضيلة التي تتمثل في الحب والخير والجمال في زماننا الآن ليس لها معيار أكثر من أنها مشهد درامي تنتهي مع نهايته، أو حلقة في برنامج تلفزيوني.


أزمة مجتمعنا العربي هي أزمة ثقافية بحته، تجرد المجتمع من ثقافته وهويته هي في رأيي هو ما أوصلنا لهذه الحالة، حقيقة عارية نراها ونُنكرها كأن لم تكُن أو كأنها غير موجودة.

البعض يقبل ذلك باعتبارها انفتاح علي حضارات أخري ولكننا لم ناخذ منها إلا الجانب السلبي في كل شيء، لم نصل لمرحلة النُّضج لاستيعاب ما يفيد وما يضُر نتيجة تغييب الوعي بعبارات زائفة،

ونسينا تمامًا أن كل ما يتعلق بشتي أمور حياتنا ثقافة.

التحضر ثقافة، الرقي ثقافة، الوعي ثقافة، التعليم ثقافة، العمل ثقافة، المعاملة ثقافة، الرياضة ثقافة، الفن ثقافة، لكن كُل ذلك يختلف مابين طبيعة الثقافة إذا كانت ثقافة مجتمعية، وثقافة دينية، وثقافة تعليمية.


لكن كما قلت سابقاً الجميع يري اليوم أن حدوث أمر مستحسن يستحق الاحتفاء، نسعي لإبرازه في مانشيتات الصحف وعلى مواقع التواصل الإجتماعي، لافتقارنا لمثل هذه الأشياء في زماننا، رغم أن ذلك هو الطبيعي.

إذا أحسن أحد الأشخاص أمراً ما نصل لحد الانبهار وكأنه قام بشيء اعجازي، وكأنه قام بفعل خارق في زمن انتهت فيه المعجزات.


يؤسفني أننا وصلنا لهذه المرحلة، يؤسفني أننا نعيش هذا الزمن، قلّما نري فيه موطن للجمال والخير والحب.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات طه جمعه الشرنوبي

تدوينات ذات صلة