...............................................................................


سؤالٌ رحيم، نظرة رحيمة، كتفٌ رحيم، قد يغير كل المشهد، كم مرة قسوت على نفسك؟ وأصبحت ترى الدنيا بعين القسوة والجفاف؟ فصار قلبك كالجدار القاسي، تحركه الظروف ويميل ويتشقق ويتآكل، ولم تعلم أنك محتاج إلى اللين والرحمة، كحاجتك للماء والطعام ، وخاصةً عندما يجف حلقك ويصير كأنه صخر رمليّ منسيّ في صحراء شاسعة، ليس لها بداية أو نهاية، هذا هو قلبك عندما يجف ويقسو.


كم مرةً اخترت القسوة لأنها تبدو لك الطريق الأفضل والأضمن؟ كم مرةً أسكتّ صوت رحمتك حتى لا تضعف؟ كم مرةً نأيت بقلبك بعيداً عن مصدر الرحمة الإلهي، وعن أحبابك وأهلك، وصار قلبك حجراً باهت اللون؟ - استشعرت هذا المعنى عندما أخبرتني مراجعة عن ظروف حياتها وبيتها، فقلت لها: بتعرفي انتي واهلك شو محتاجين؟ محتاجين الحب! محتاجين تحبو بعض اكثر وتكونوا حنونين .. فاض في عينيها الدمع وقالت: انا اصلا ما بعرف شو يعني أحب، بشمئز من هاي الكلمة ..-


قبل أيام .. جال في صدري همٌ أيقظ عيوني عن النوم، وأشغل عقلي بالتفكير، وملأ قلبي حزناً وظلاماً، وأبكاني دمعاً حارقاً متواصلاً، وبلغ مني مبلغه، وصار هذا الهمّ معي في كل لحظاتي، حتى جزعت وضاق بي جسدي، واستمر لثلاثة أيامٍ سوداء مرهقة، حتى انتقل سوادها الى تحت عينيّ، أُرهق الجسدُ والروح بهذا الهمّ، وصار القلب يتوقد ناراً بعد أن كان سلاماً.


لم يخفف عني هذا الهم سوى أن ابتدئ دعائي بـ (يا رحمن .. يا رحيم)، وأتخيل أنّ رحمته كالجنة التي اعيش فيها على الأرض، بدونها لما استطاع قلبي أن يستكين يوماً أو يطمئن أو يحب الحياة، لستُ ممن يعتقد أن الدنيا قاسية، فعلى الرغم من دونيتها وظلامها، أجد فيها حياة توصلني بخالقها، فترق في نظري وتذوب كل ظنوني، وتنير دنياي برحمةٍ ليس لها مثيل، فأسعد بكل أشكال رحمته، وان تمثلت في أحداث بسيطة كصوت الطيور الصباحي، أو حضن أمي، أو أحداث عظيمة حصلت في حياتي رأيت فيها رحمته التي لا تصفها كلماتي، أو اللطف الخفي الذي أعيش به أيامي.


ها أنا أكتب عن الرحمة، وأنا أسمع صوت العامل الذي ينظف درج البيت يكلم زوجته بصوت مرتفع- تقول له: بتعمل ايه؟ فرد عليها: بعمل ايه يعني، بتوحشيني- ، هؤلاء هم رحماء القلوب عندما تمكنت الرحمة منهم، ينزعون كل أقنعتهم، ويعيشون كل لحظة وكأنها كل ما يملكون، بالحب والحنيّة والعطاء والسخاء، إنّ الرحمة تقوينا وتزيد من عزمنا على ما لا نتحمل أو نستطيع، حتى تكون لنا مثل وقود داخليّ، ودرع خارجيّ، وقيمةٌ نعيش بها ما تبقى من حياتنا، حتى ننعم برحمة أبدية، في جنة الخلد.


ابتسامة رقيقة تعلو شفتي وانا أكتب هذا المقال، وقلبٌ يخفق ودمعة تترقرق، لم أتخيل أن شوقي للرحمة بهذا الحجم أبداً، ودوماً ما أتذكر حديث رسول الله (يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير) ، يعني ان قلوبهم لينة ورقيقة ورحيمة، وكم أتمنى أن أكون منهم، ألا يقسو قلبي ويصير حجراً مع الأيام والنسيان وتراكم الذنوب، وأن أنعم برفقة أحبتي في جنة الرحمن، المليئة بالرحمة والحنية والفضل منه، اللهم آمين.


عيشوا بالرحمة ما تبقى .. ليرحمكم الباقي.


"ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة" (آل عمران)


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات شيماء الصمادي

تدوينات ذات صلة