قصة الورود الحمراء . ما علاقتها بالأميرة الطيبة ؟ و كيف تحولت الورود البيضاء إلى ورود حمراء ثانية .
جلست الجدة أمام أحفادها المتشوقين لسماع الحكاية ابتسمت حين رأيت ابتسامتهم البريئة ونظراتهم المترقبة فبدأت تروي لهم الحكابة قالت : تقول الأسطورة أن أميرة لمملكة كبيرة ... امتلكت حديقة ورود بيضاء واسعة ... اهتمت بها ورعتها حتى صارت كالجنة و أبهرت كل من رآها ...
قيل أن تلك الأميرة كانت طيبة القلب وحنونة تمنح المحتاجين ، و ترعى الفقراء ، و تعطف على الأيتام ... كان الخدم في قصرها يرون أنها كلما فعلت خيراً ومنحت بحب وقدمت بعطاء ازدادت حديقة ورودها جمالاً وبياضاً و بهاءً .
بعد عدة سنوات وصل إلى مسمع ملك لإحدى البلاد المجاورة عن جمال تلك الحديقة و أراد معرفة سرها ، فقد وقع في نفسه أنه ربما إذا عرف هذا السر سيقدر على جعل حديقته الجرداء تزهر ، فذهب إلى مملكة تلك الأميرة وهو محملٌ بالهدايا و الكنوز و الأموال ، فقد ظنَّ أنه سيستطيع بتلك الأموال شراء السر الذي فيما يبدو أنه ظنه ترانيم سحرة ، أو طلاسم مشعوذين .
فشل في الحصول عليها في المرة الأولى فلم ييأس فجرب ثانيةً وثالثةً و رابعة وخامسة حاول كثيراً حتى أن من حكوا هذه الأسطورة لم يعرفوا عدد تلك المحاولات لكثرتها ، لكنهم قالوا أن ذلك الملك حين ذهب للمرة الاخيرة ولقي ذات الجواب من الأميرة جنَّ جنونه و اشتعل غضبه فأخذ يعد بشنِّ حربٍ طاحنة على المملكة إذا لم تسلمه الأميرة الوصفة السحرية خلال ثلاثة أيام .
حاول الوجهاء أن يقنعوا الأميرة بإعطائه ما يريد ، فالأمر لم يكن يستحق الحرب ، إلا أنها كانت ترفض لا بل أنكرت وجود تلك الوصفة السحرية ، فهي نفسها لا تعلم ما هي ولا حتى استخدمتها من قبل .
مرت الأيام الثلاثة حزينة على أهل المملكة وثقيلة على قلب الأميرة الرقيقة التي لم تكن تتخيل أنها سترمي بشعبها إلى هاوية الهلاك بسبب سرٍ لم يسبق لها أن سمعت به أو عرفته من قبل .
وجاء اليوم الموعود دخلت جيوش جرارة إلى المملكة الوادعة جنود بالٱلاف ، قتلوا ودمروا و حرقوا و دنسوا و عاثوا في الأرض فسادًا وخرابًا ، لم يتركوا حجرًا على حجر ولا رأسًا على جسد .. كل ذلك كان ينفذ بحسب أوامر ملكهم الذي قال لهم جملة واحدة : لا ترحموهم .
كانت الأميرة تشهد على تلك المجزرة من شرفة القصر و الألم يعتصر قلبها كيف لا وهي سبب دمار مملكتها كانت وحدها في ذلك القصر الكبير الذي هجره جميع الخدم والمستشارين والوجهاء والحراس كلهم غادروا و تركوها رأت الجنود و قد وصلوا إلى بوابة القصر فنزلت إلى حديقتها لتلقي عليها آخر الكلمات ، كلمات الشكر و المواساة و الوداع .
كان إيجادها سهلاً فلم يكن يوجد أحدٌ غيرها في القصر ، وقفت أمام أزهارها و الخنجر بيدها ترفعه في وجه الجنود و قادتهم بخوف و هي تلوح به يمنة و يسرة حتى أن القادة الذين شهدوا ذلك الموقف قالوا أن الأميرة بدت لهم و كأنها تحمي ورودها البيضاء لا تحمي نفسها ، انتظروا حتى جاء الملك بزيّه العسكري و هيئته القاسية استل سيفه بضربة واحدة أوقع الخنجر من يد الأميرة وضع نصل سيفه على رقبتها و قال بازدراء : اخبريني ما هو ذلك السر وقد أسمح لك بالعيش هذا الأمر لا يستحق الموت أليس كذلك ؟!
قالت : أنت رجلٌ قذر حتى لو كنت أعرف ما هو هذا السر و امتلكته لما تنازلت بإعطائه لشخص مثلك . و بصقت في وجهه ، هنا اشتد غضب الملك فألقى سيفه و تناول خنجرها الخاص و هجم عليها و بثلاث طعنات في صدرها أنهى أمرها و تركها لتموت ببطء .
حين التفت ليغادر مع عساكره سمعها تضحك بهستيرية فتطلع إليها بخوف و قال : ما هذا ؟ كيف تضحكين و أنت في مخلب الموت ؟ ألم يكن من الأجدر بك اطلاعي على السر ؟!
أجابت بتقطع : ا..الأمر أني الٱن فقط ع.. عرفت ما هو السر ، أنا كنت نقية القلب دائماً أحببت شعبي بصدق ، و حين رأى الله نقائي و صدقي منحني هذه الحديقة التي ازدهرت بخيري ، أما أنت فقلبك حالك السواد يزداد اسودادًا كلما قسوت و تجبرت و ٱذيت شعبك ، وحين اطلع الله على ما في قلبك و رأى ظلمته منحك تلك الحديقة الجرداء التي كانت تزداد يبساً و خراباً كلما ظلمت ، أنا الآن سأموت مرتاحة لأني أيقنت أن شعبي أحبني أما أنت فكيف ستموت ؟ بل كيف ستكمل حياتك و في رقبتك حق ٱلاف المظلومين و الأبرياء ؟!!! قالت هذا و هي بالكاد تستطيع الوقوف ، وقفت أمام الملك الظالم بثقة رغم كل شيء .
هنا لم يستطع الملك تمالك نفسه أكثر فطعنها طعنة أخيرة فوقعت على إثرها بين أجمات ورودها البيضاء نزفت فوقها بقوة حتى همدت .
يقال أن العساكر و الجنود حين انتشلوا جثتها لم يكرموها بالدفن بل ألقوها مع بقية الجثث في محرقة جماعية .
مكث الجيش يومين ٱخرين في تلك المملكة .
في اليوم الأول استيقظوا على مشهد مروع فحديقه الورود البيضاء قد استحال لونها إلى الأحمر القاني ، و حين رأى الملك ذلك المنظر أمر بالاسراع في تحضيرات العودة إلى الديار ،، فهذه المملكة باتت مشؤومة .
في اليوم الثاني كان الجيش جاهزاً للرحيل ، لكن الملك تأخر فذهب أحد القادة الكبار للإطمئنان عليه مع اثنين من جنوده ، كانت الصدمة حين دخلوا غرفة الملك الفاخرة فوجوده مقتولاً بسيفه و الشيء الذي أثار رعبهم أكثر هو تلك الورود الحمراء التي كانت على سريره ، خاف القادة والجنود فتركوا ملكهم مقتولاً و عادوا الى مملكتهم بدونه ، باتت هذه القصه حديث الناس و شغلهم الشاغل كل منهم يحاول تفسير ما حدث ، لكن أحداً لم يستطع .
ويقال إنه بعد هذه الحادثة بدأت الورود الحمراء التي لم تكن موجودة من قبل بالانتشار ، وصار الناس يزرعونها في بيوتهم تخليدًا لذكرى الأميرة المظلومة .
و يقال أنه إذا امتلكت حديقة جرداء و كنت مهملاً و لم ترعاها و استيقظت ذات مرة و وجدت أجمة من تلك الورود في حديقتك فاعلم أن روح الأميرة التائهة هي من زرعتها لتحثك على الاهتمام بحديقتك أكثر ، و لتبقى قصتها حاضرة في الأذهنة إلى الأبد .
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات