لا ضير في أن تفقدك الكتب عقلك إن كانت ستمنحك مكانه عشرون.

كتب أيمن العتوم في روايته ذائقة الموت:" سيقولون أفقدتْهُ الكتب عقلَه، كان قبلها بلا قلب، وصار بعدها بلا عقل. الكتب التي قرأها أعاشتْه فيها، وفصَلَته عن الواقع؛ فلم يَعُدْ هو هو."


وسأكرر الإجابة ذاتها التي كتبها : "وليكنْ"!


أعظم هدية تمنحك إياها الكتب هي أن تفقدك عقلك القديم الذي يملأه الخراب والأفكار التي لطالما لطخت صورتك بما يتبعها من تصرفات....

وهل جلبت لنا عقولنا القديمة سوى العادات والأنماط السيئة والتشوش والإنسياق خلف أمور لا ندرك نفعها من ضرها ولا تسمن ولا تغني من جوع؟ الكتب تفقدك عقلك لأنها ترى أن الأشياء التي لا تُستعمل وليس لها فائدة لا بد من التخلص منها وإفساح المجال لغيرها، تماماً كالملابس التي لم تعد على مقاسنا، الكتب ترى أن ذاك العقل لم يعد يناسبك ولا يتسع لما هو أتٍ ولما تحتاج تخزينه من خبرات ومعلومات تنفعك في أيامك القادمة لذلك فهي تمنح نفسها كامل الصلاحية لتفقدك كل عادة سيئة وتضع مكانها عادة جيدة، فهي بذلك ترى أنها تقلع الشوك وتزرع مكانه الزهور. ولن تكتفي بذلك بل ستعلمك كيف تحافظ على عقلك نقي من الأفكار السيئة؛ فتضع حاجزاً يحول بينك وبينها، وتضع حرساً يراقبونها إن حاولت التسلل من هنا أو هناك. وقبل ذلك ستتأكد من حصولك على مهارة التفريق بين ما يجب إدخاله إلى عقلك وحياتك، وما يجب تركه ملقى على الأرض. تماماً كما تعامل الأم طفلها ذو العامين.



وعلى هذا المبدأ نتعلم كيف نختار الكتب التي نقرأها...


يقول فرانز كافكا: "على المرء ألا يقرأ إلا تلك الكتب التي تعضّه وتخزه، إذا كان الكتاب الذي نقرأه لا يوقظنا بخبطة على جمجمتنا فلماذا نقرأ الكتاب إذاً؟...إننا نحتاج إلى الكتب التي تنزل علينا كالبلية التي تؤلمنا....التي تجعلنا نشعر وكأننا قد طُردنا إلى الغابات بعيداً عن الناس...على الكتاب أن يكون كالفأس التي تهشّم البحر المتجمد في داخلنا..."


إذاً هذه هي الكتب التي نحتاجها لنحقق الغاية المنشودة من القراءة والتي تكمن في النضوج وتهذيب الشخصية والسمو بها. وهي الطريقة التي نعبّر بها عن احترامنا لأنفسنا وتقديرنا للعقل الذي أنعم الله به علينا، فإن أحد الطرق التي نشكر الله بها على نعمة العقل هي إعماره وتنقيته واستعماله بدلاً من تركه ملقى على الرف يملأه الغبار والأفكار التافهة.

لم يمنحنا الله العقل لنتبع سبيل الآخرين دون إعادة النظر فيه، ولا لكي نقضي أوقاتنا وحياتنا في مشاهدة محتويات تافهة كالذي نراه اليوم، وإذا فكرنا أن نسد فجوات عقولنا فلنسدها بما يليق ويرقى لأن يوضع في هذا المكان العظيم، فنفتش عن المعلومات كما نفتش على الخضار في السوق؛ نأخذ الصالح ونترك (المعطوب) لأن في نهاية المطاف سنجد أن جميع ما تسوقناه قد سُجّل على حسابنا وسندفع نحن ثمنه، فمن ذا الذي يرغب في إلقاء أمواله على أمر فاسد ويجلب له الضرر؟ّ! إلا إن كان من الأشخاص الذين لم يكتشفوا بعد أن لديهم عقول يهتمون بها ويرفضون تقبل هذه الحقيقة، وهؤلاء لا جُناح عليهم ولا حرج ولا نملك لهم إلا الدعاء ومن ثمة نهجرهم هجراً جميلاً خشية أن يصيبنا وبائهم فنحن نعرف أن :" لكل داء دواء يستطبّ به إلا الحماقة أعيت من يداويها"





ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

نعم تفقدنا عقولنا القديمه وتقدم لنا عقل جديد

إقرأ المزيد من تدوينات سلمى عديلي

تدوينات ذات صلة