إن كنت أنت سيد نفسك فمن العبد إذاً ؟ وهل أنت سيدٌ جيد بالفعل؟!
في المقالة السابقة تحدثت عن النقلة النوعية التي أحدثها تطوير الذات في حياتي، فبدا الأمر وكأنني خرجت من الخراب نحو الحياة الوردية، ومكثت هناك. وكأنني كنت شخصاّ فارغاً وأصبحت مثالياً ومدركاً لكل ما يدور حولي وأن لا مزيد من المشاكل.
فالأمر ببساطة أنك بعد أن تدخل في موضوع تطوير الذات ستصبح أنت سيد نفسك، بمعنى أنك تصبح مسؤول عما تفعله وعما تشعر به. مسؤول عن أفكارك وتحليلها وعاداتك وتغييرها وقناعاتك وتكوينها. مسؤول عما تفعله في حياتك، وعما تقضي به أوقاتك، مسؤول عن الوقت الذي تهدره والفعل الذي تصنعه، فأنت تختار إن كنت تريد أن تقضي حياتك بين اللعب والمتعة والنوم أو بين العمل والإنجاز والتطوير. الأمر يبدو أنه سيكون جيداً إن منحت لك كل تلك الصلاحيات وملكت مفاتيح حياتك، فتظن أن الأمر كله يكمن في أن تصبح سيد نفسك.
ولكن، هل أنت سيد جيد لنفسك ؟
هل تدرك إن كنت حقاً تفضل هذه الحياة على تلك، أم أنك فقط أصبحت مبرمجاً على تفضيلها بسبب كل ما عرفته ؟
وإن كنت أنت سيد نفسك، فمن العبد إذاً ؟
أعترف أنني بعدما دخلت تلك الدوامة، نجحت في إدارة كل شيء سوى في إدارة نفسي، لم أكن سيدة جيدة لها، كنت أزعم دائماً أنني أعرف الطريقة الأنسب للتعامل مع نفسي ولكن فيما بعد إكتشفت أنني قد أكون بعيدة كل البعد عن ذلك.أعترف أن التنمية الذاتية علمتني أن أرفض لعب دور الضحية في كل أمر، وعلى الجانب الآخر جعلتني أتقن جيداً دور الجلاد. كنت أسمع مصطلح جلد الذات كثيراً، ولكنني كنت مقتنعة أنني بعيدة كل البعد عن ذلك، فجلد الذات يتناقض مع تقديرها وإحترامها وأنا كنت على درجة عالية من إحترام الذات، الجلد يعني أن تلوم نفسك دائماً وتسمعها الكلام الجارح وترفض تقديرها مهما بلغت من إنجازات، وأنا كنت بعيدة كل البعد عن ذلك أيضاً.
إذا أين يكمن الخطب ؟
أدركت مؤخراً وبعد العديد من الأمور أن إجبار النفس على العمل والتركيز في أكثر من اتجاه ولساعات غير محدودة وإجبارها على السير على وتيرة واحدة كالآلة، وتجاهل مشاعرها وحاجاتها من أجل التركيز على العمل والاستمرار به يعد جلداً أيضاً، ولكن على المدى الطويل. كنت أشعر بأنني فخورة بقيامي بعدد كبير من الإنجازات خلال اليوم الواحد والسير على الخطة التي رسمتها دون مخالفة. ولكن أدركت أن هذا الجانب الفخور لم يكن سوى جانب الجلاد أو (السيد). ولكن هناك جانب آخر لا أعلم ما يمكن تسميته ولكنه لم يكن سعيداً بما يجري، وفي الوقت ذاته لم يكن يجرؤ على الإعتراض، بل على العكس تماماً كان يحاول إقناع نفسه أن ذلك هو الصواب وهو ما يجب أن يحدث، لذلك أصبح يتجاهل مشاعره ويقوم بما يجب عليه القيام به، يخشى الإعتراض فيقال عنه مذنب ويخشى الإستسلام فيقال عنه ضعيف. ولذلك طغى الجانب المادي في حياته على كل شيء فما عاد للأشياء طعم ولا لون ولا رائحة.
سيخبره سيده أن هذا جزء من التضحية من أجل النجاح ويحاول تعليمه التحمل والصبر، فسيصبر ويتحمل ويكمل العمل، ولكن شيئاً فشيئاً سيجد أن قدرته على التركيز فيما يقوم به قد خفت، ورغبته بالإستمتاع فيما حوله إنطفأت، ومشاعره تجاه كل شيء قد انخمدت، سيعاود السيد إخباره أن ذلك هو ثمن لا بد من دفعه من أجل الإستمرار والمثابرة ومن أجل الوصول إلى النجاح، ولكنه ما أن يصل إليه لا يشعر بقيمته ولا تسنح له الفرصة للإستمتاع به، لأنه لم يعد يملك المشاعر وفي الوقت ذاته لا يملك الوقت للتوقف والإستمتاع بحصد ما زرعه، كل ما يملكه هو الإستمرار في الزرع حتى النهاية.
أحد القواعد التي تعلمتها في تلك الفترة، هو أنه يجب على الفرد إذا ما أراد الوصول للسعادة الكاملة (الدائمة) أن يؤجل متعته اللحظية. بمعنى أن تترك كل ما يمكن أن يمتعك في اليوم ويسلب منك الوقت من أجل الوصول إلى أهدافك الأعظم والتي ستمنحك السعادة الكبيرة.
بعدما قضيت وقت طويل في تطبيق هذه القاعدة، وبعدما أجلت متعتي اللحظية ووصلت فعلاً إلى ما ظننت أنه سيجلب لي السعادة الدائمة وجدت أن الأمر لا يسير بتلك الطريقة. لا أنكر أن هذه الطريقة فعالة وتوصلك إلى ما تطمح إليه، ولكن باعتقادي الشخصي أنها لا توصلك إلى السعادة الدائمة أو حتى الكبيرة؛ لأن السعادة ليست بشيء يؤجل أو يتم تخزينه للمستقبل، السعادة تكمن في عيش لحظات المتعة لا تجاهلها وتخطيها بغية الوصول إلى لحظات أفضل. أدركت بعد ذلك أن السعادة لا تُصنع وإنما تُعاش.
من الأشخاص الذين دفعوني إلى إعادة التفكير في الأمر الكاتب ( مارك مانسون ) تحديداً في كتابه فن اللامبالاة، والذي أدركت بعده أن السعي نحو إثبات القدرات وتحقيق الأهداف قد يكون مجرد برمجة لما نتابعه وليس هو فعلاً غايتنا في هذه الحياة. والكاتب (أفونسو كروش) في روايته هيا نشتر شاعراً، وهي الرواية التي وضعتني في مرحلة الوعي لأدرك مدى مادية الحياة التي كنت أعيشها في الفترة الأخيرة.
لذلك عندما نطرح هذا الموضوع دائماً نجد أشخاص لا يقتنعون بكلام التنمية البشرية وآخرون يهاجمونها، ليس لأنها تفشل في إيصالهم إلى مبتغاهم ولكن لأنك بعد أن تصل تكتشف أنك فقدت بعض الأمور المهمة خلال الرحلة، وتكتشف أنك ربما لم ترد حقاً أن تسير في ذلك الطريق، ومن هنا أقول التنمية البشرية ليست مجرد كلام فارغ أو أمر سخيف ولكنها أيضاً ليست حتمية على الجميع، أستطيع أن أضمن لك أن طريقها سيوصلك لتحقيق أهدافك ولكن لا أضمن أنه سيوصلك للسعادة كما لا أضمن أنه سيوصلك للنجاح، فتعريف النجاح مختلف على اختلاف الأشخاص؛ فبعض الأشخاص يصل ويحقق كل ما أراده ثم يدرك أن ذلك لم يكن نجاح.... فمن قرر السير فيها لتحقيق أهدافه فله ذلك، ومن قرر السير في غيرها أيضاً فله ذلك، فليس هناك طريقة واحدة للعيش.
كما يمكنك – بكل تأكيد - أن تسير على نهج يرى الناس غيره فنحن ندرك أن " لكل امرئ فيما يحاول مذهب" كما قال الشاعر البارودي. ولكن التنمية البشرية جاءت ربما لتتماشى مع الوضع (الرأسمالي) الذي نعيش فيه، فأنت إذا أردت أن تتماشى مع متطلبات العصر تحتاج – بشكل أو بآخر – لمفهوم التنمية البشرية أو التنمية الذاتية.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
👏🏻👏🏻❤
مقالة رائعة 👍🏻