ربما لا نجد الحل في هذه اللحظة ولكن يكفي أن نفتح أعيننا على المشكلة وندرك أن هناك خطبًا ما.

عزيزي الطالب: من المكان الذي تتعذب فيه روحك، وينفطر فيه عقلك، وتُشل حركة أطرافك – عدا الأصبع الذي تكتب به واجباتك – أرسل إليك تحياتي. ومن المكان الذي تشعر وكأنه سجن للطموح ومقبرة للأحلام، ومخزن لمعلومات لا تنتهي. ألقي إليك هذه الكلمات ....


فقد أمضيت إلى الآن فقط ثلاثة عشرة عام أخوض هذه المعركة ، وأعلم تماماً مدى سوء أن تجلس في فصلك ساعات طوال وأنت تتلقى أوامر أكثر من تلقيك للمعلومات، بالرغم من حصولي على علامات جيدة في معظم المواد – باستثناء الرياضيات وحاشيته – إلا أنني لم أقتنع يوماً بمبدأ التلقين الذي تتبعه معظم المدارس والجامعات، ولكننا أحياناً نضطر لمخالفة رغباتنا لنتماشى مع الوضع الذي نعيش فيه، ففي هذا العصرالذي يُعاملنا البعض فيه على أننا لا نمثل سوى درجات، ويقف مستقبلنا وتنتهي أحلامنا ربما عند عدة أرقام، وتُغلق محطات الإنجاز والإبداع في وجوهنا لأننا لا نمتلك تقدير ( امتياز )، فنحن ندرك أن تحصيل هذه الدرجات يعد مهم نوعاً ما وقد يعد أحد الطرق للوصول إلى ما نطمح إلى، ولكن باعتباره وسيلة وليس غاية في حد ذاته.

وعلى الرغم من بغضي للدراسة والتلقين، لم أكن يوماً ضد العلم بحد ذاته، بل على العكس تماماً أرى أن اكتساب العلم نشاط يجب أن يستمر لمدى الحياة وليس لبضعة سنوات فقط لأن المرءُ منّا لا يولد عالماً، "ولَيْسَ أخو عِلْمٍ كَمَنْ هُوَ جَاهِلُ". كما ويجب أن تتوسع مجالاته ليشمل كل ما على هذه الأرض بدلاً من أن ينحصر في غرفة صفية وعدة تلاميذ يغلبهم النعاس. الأماكن التي يمكن أن نتلقى فيها العلم لا حصر لها فيمكن أن نتعلم من خلال مراقبة الطيور أو نمو الأطفال واكتسابهم مهارات الحياة، ويمكننا اكتساب العلم أيضاً من بعض المسلسلات والأفلام على العكس مما يعتقده الكثيرون، كما يمكن أن نستغل محادثاتنا اليومية وما نتعرض له من مواقف وأحداث قد تقتلنا من الضحك أو البكاء لأخذ العبر والدروس.



عزيزي المعلم: أقدّر حقاً ما بذلته من أجلنا طيلة حياتك، ونحن هنا إذ ننتقد فإننا ننتقد أساليب التعليم وما آلت إليه بشكل عام ولكن نعلم أن البعض منكم يحاول جاهداً من أجل تغيير تلك الأنظمة وجعلها أكثر كفاءة ولكم الشكر على ذلك. ولكن نجد مؤخراً أن حقولنا التعليمية قد أصبحت تسير في اتجاه يجعل من الطلاب آلات لحل المسائل وربما حفظها، ومخازن لإيداع المعلومات. وهذه كارثة تحدث في زمن ندرك فيه أن وسائل التكنولوجيا يمكنها القيام بذلك وربما أكثر، وبالطبع لا يزال السبب مجهولاً لدي حول حفظنا للمفاهيم في جميع المواد غيباً ونحن لا ندرك معناها من الأساس والمزري أننا إذا أبدلنا بعض الكلمات كانت تعتبر إجاباتنا خاطئة، وإذا سألت عن السبب تكون الإجابة واضحة (ليس هذا ما ورد في الكتاب)، بالطبع فإجابات الكتاب وحدها الصحيحة دائماً ودون نقاش، وبعض المدرسين قد يشتعل به الحماس فيطلب أن نعيد كتابة الكتاب على دفاترنا لتترسخ المعلومة أفضل.

عندما ترى كل هذا التقدير لمعلومات الكتاب الدراسي تشعر وكأن البعض منهم يخلط الأمر بينه وبين القرآن الكريم، وعندها لن نستغرب إذا ما وجدنا أحد المدرسين لا يتردد بإلقاء الشتائم واستعمال الضرب مع أحد الطلبة إذا أخطأ في حل مسألة أو قراءة الدرس – أو إلقائه غيباً ربما - ، ضارباً بذلك جميع أخلاقيات المهنة و مبدأ القدوة الحسنة وأساسيات إعطاء المعلومة بعرض الحائط ، ومتناسياً الآية الكريمة : "وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" ثم يأتي ليلقي على طلبته جملة "من علمني حرفاً كنت له عبداً" (وهو ليس حديث بالمناسبة )، وكأنه بذلك يعلم طلبته أمراً غير الشتائم وعبادة المعلومة بدلاً من فهمها وفي نهاية المطاف يخرج الطالب من هذه المعركة بالكاد يستطيع كتابة أسمه بطريقة صحيحة، والأمر الوحيد الذي يعرفه عن نيوتن هو أسمه الكامل وتاريخ ميلاده – في حال أنه فكّر أن يرسل هدية إلى قبره- بالطبع لا ننكر أنه قد يتعلم بعض المهارات التي تتعلق بالغش ونقل الواجب من زميله والتحايل على المدرسين واختلاق الأعذار لعدم الذهاب للمدرسة لأنها أكثر الأماكن مللاً على وجه الأرض، كما يكتسب مهارة الكذب على والديه وإخفاء درجاته السيئة وربما يتعلم كيف يزور توقيعهم والقائمة تطول... وبعد كل هذا العناء، فنحن لا نكتفي بتلقي المعلومة مرة واحدة فقط وإنما نستمر بتكرارها كل عام، لأننا نخشى عليها من الضياع في زحام المعلومات الجديدة.


لماذا لا نستطيع تقبل أنه قد حان الوقت لإحداث بعض التغيرات في نوعية المعلومات التي نتلقاها، فنضيف موضوعات جديدة تضفي على حيواتنا الشخصية والاجتماعية والنفسية والروحاينة بعض من الفائدة. فعلى سبيل المثال نتطرق لمواضيع تشمل علم النفس والاجتماع، والفلسفة والتفكير الناقد، والذكاء العاطفي، وحل المشكلات والتعامل مع المشاعر السلبية ، والحفاظ على الصحة العقلية والنفسية، وتعليم الأفراد كيفية الانخراط في المجتمع البشري وتكوين علاقات صحية والتخلص من العلاقات السامة، أو مثلاً نتطرق لمواضيع عن كيفية تربية الأبناء وإعداد الأجيال الصالحة. لما لا نتوجه لمزج الكتب الأدبية والروايات العالمية والأفلام النافعة مع الكتب أو ربما نعتبرها كبديل لها ويكون ذلك من باب توفير الوقت والجهد والورق، ونستبدل الامتحانات بجلسات حوارية ونقاشات يتحدث فيها الطلبة عما قد تعلموه، ونضيف أياماً للخروج من جدران الفصل والانخراط بالمجتمع والتعرف على الوظائف أو لزراعة الأشجار وتنظيف الشوارع ومساعدة الآخرين بدلاً من حفظ تعاليم الدين من أجل الحصول على علامة مرتفعة فقط، فتجد الطالب ينقل من زميله حديث "من غشنا فليس منّا"، ويلقي ورقة الامتحان على الأرض والتي كان قد كتب عليها "..... ويُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ ".


إذا كان العلم الذي نتلقاه في المدارس والجامعات لا يؤثر على حياتنا ومجتمعنا بصورة إيجابية فما فائدته إذاً ؟!


وبالحديث عن مزج الكتب والروايات فنحن يجب أن نشعر بالأسى على مكتبة المدرسة التي تضيع عناوين الكتب فيها بين أكوام الغبار، وذلك لأن الطلبة يتعرضون للتوبيخ في كل مرة يحاولون الدخول إليها دون إذن لأن حصص الفراغ لديهم تخصص فقط لأداء مزيداً من الواجبات أو التحديق بالسقف.


أكان هذا الهدف من اكتساب العلم والمعرفة ؟ّ! هل ما نفعله في سنواتنا الدراسية يحقق الهدف المراد من أول آية نزلت في دستورالأمة الإسلامية ؟ ليس تماماً. ومن ثم نتسائل باستغراب: لماذا لم يعد لدينا شخصيات كابن الهيثم وابن خلدون والرازي وجابر بن حيان والخوارزمي وغيرهم ؟ّ! لأن هذه الشخصيات لم تتعلم سعياً للنجاح في اختبار أو إيجاد وظيفة تحقق الربح والمكانة الاجتماعية تتباهى بها أمام المجتمع فقط، وإنما كان سعيهم لتحقيق الرسالة التي جاء من أجلها الاسلام وهي إعمار الأرض بعد التفكر بسننه وإدراك عظمته، ونحن الآن بعيدون كل البعد عن تحقيق هذه الرسالة فالمؤسسات التعليمية معظمها تعد إهدار للعقول والأشجار التي تقطع من أجل هذا الكم الهائل من الورق وبالتأكيد الكثير من الحبر.





ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

رائع 👏🏻👏🏻

إقرأ المزيد من تدوينات سلمى عديلي

تدوينات ذات صلة