لم يعد استثمار الدول في الموارد المادية الملموسة هو الاستثمار الناجح، ولم تعد نظرة الدول للتعليم بأنه مكلف أو ينقص من أموال وميزانية الدولة،
،تغيرت تلك النظرة جذريا مع تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصال وتغيرت أكثر مع جائحة كورونا،
فتنافس الدول لن يكون في إنتاج المواد الملموسة بل في الإنتاج المعنوي غير الملموس وهي ما يعبر عنها بالفكر الإنساني التي يرتكز عليها اقتصاد المعرفة. وهوالاستثمارالأكثر ديمومة واستمرارا فهذا هو الاقتصاد الجديد، كل فرد من أفراد المجتمع هو ثروة حقيقية من خلال استثمار فكره لصالح المجتمع، ففي نظر علماء النفس التربويين كلنا لنا قيمة وجميعنا مبدعون إذا اتيحت لنا الفرص.
يقصد برأس المال الفكري المعرفة التي يمكن توظيفها لصالح المجتمع ولا تعتبر رأسمالا للدولة إلا إذا تم توظيفها.
وموضوع رأس المال الفكري من المواضيع القديمة المتجددة بشكل مستمر وتبناه العديد من علماء الاقتصاد وكانت بداية ظهوره في القرن الثامن عشر، فالأب الروحي للاقتصاد الحديث " آدم سميث" يرى أن الرأس مال الفكري هو العنصر الفعال في استقرار الدول اقتصاديا وسياسيا، وبالرغم من أن "سميث"عالم في الاقتصاد إلا أنه دعى إلى الاهتمام بالتربية والتعليم على اعتبار أن الاستثمار في عقول وأدمغة التلاميذ هو التقدم الحقيقي الذي يؤدي لبقية الاستثمارات ونجاح وتقدم الدول. تنيمة قدرات الانسان الذهنية والفكرية هو ما تسعى له الدول المتقدمة، فالعلاقة بين التعليم ورأس المال الفكري وطيدة إذ أن التعليم دوره يرتكز استخراج واستثمار رأس المال الفكري لتحقيق التنافس والريادة للدولة، كما أن العالم "فيشر" يرى أن رأس المال الإنساني هو الرصيد الحقيقي الذي يزداد مع مرور الوقت إذا ما أحسنا استثماره والأموال التي تنفق على التعليم لها مردود مادي كبير على اقتصاد الدول. وقد أولى الفكر الماركسي أهمية كبيرة لتنمية قدرات الفرد الذهنية وإعداد وتكوين شخصية الفرد وتأهيله لمواجهة تحديات المستقبل من خلال التربية والتعليم.
وقد برز الاهتمام به بشكل أكبر في خمسينات القرن العشرين وأطلق عليه" اقتصاد المعرفة". قد يكون مفهوم رأس المال الفكري أو اقتصاد المعرفة له علاقة كبيرة بعلم الاقتصاد وعلماء الاقتصاد هم من بدؤوا بتبني هذا المفهوم إلا أنهم أشاروا إلى الدور الكبير للتربية والتعليم في المدارس والجامعات للأخذ بهذه الأفكار وجعلها هدفا من أهدافها التي تسعى لتحقيقها للوصول لتنمية شاملة في جميع القطاعات، وبالفعل تبنت وزارات التربية والتعليم مفهوما جديدا ألا وهو اقتصاد المعرفة فتغيرت المناهج والخطط الدراسية واستراتيجيات وطرق التدريس والوسائل التعليمية فانتقلنا من تعليم تقليدي إلى تعليم حديث يتناسب مع ثورة المعلومات والاتصال، واقتصاد المعرفة يعتبر أحد الأنظمة الاقتصادية التي يعتمد الانتاج والاستهلاك فيه على راس المال الفكري، ويعد الابداع والابتكار والذكاء والمعلومات والحصول على المعرفة بل أيضا إنتاج المعرفة من خلال استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال من مقوماته. ويتميز هذا الاقتصاد الفكري المعرفي الإنساني باستمراريته وبقائه لفترة أطول وعدم قدرة الدول الرأسمالية المتقدمة على احتكاره فهو متاح للجميع .
وسُلط الضوء على هذا المفهوم بشكل أكبر أثناء جائحة كورونا بهدف استثمار الأفكار الإبداعية والابتكارات المفيدة للمجتمعات الإنسانية فلم تعد الموارد المادية لوحدها هي من تضمن تقدم الدول وتفوقها بل الثروة الفكرية المعرفية المتجددة، فوجدت الأمم نفسها أمام مصطلح جديد يعرف ب" مابعد الرأسمالية" وعندما لجأوا إلى تفسيره قالوا هو اقتصاد المعرفة أوالاقتصاد الرقمي.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
روعة كل الاحترام و التقدير