تتحدث التدوينة عن أهمية التغيير في شخصية الانسان، وكيف انه يحفز ويعطي طاقة إيجابية لأي انسان صغيراً كان او كبيرا، غنياً كان او فقيراً
زارتني قريبتي يوماً وقالت لي بجدية :
"أتعلمين لي صديقة مجنونة!
ثم استدركت عندما رأت علامات الدهشة والعجب علي وجهي، واضافت بتأكيد : ولكنها مجنونة عاقلة.
فضحكت وقلت : اذاً انتِ عاقلة مجنونـة !
فقالت بعبوس: دعكِ من هذة السخرية ،واسمعي ما سأخبرك به لتعرفي ما اقصد.
تنهدت وقلت لها بمسايرة :اخبريني ،ما شانها؟
قالت :اربعينية، لها اربعة اولاد وزوج، ميسور حالهم .
اتسعت عيناي وقلتُ لها متسائلةً :
لم افهم بعد، ما جنونها؟ ...هل تتوهم؟ هل تُخرف؟ هل تؤذي نفسها؟ ام تتحدث لنفسها بصوت عالي حين تغضب ؟ هل تعتقد ان مساواة المرأة والرجل اسمي الاماني؟ هل تطرب لأغاني المهرجانات؟ هل ترتضي الشعر العامي الذي لا جمال في لفظه ولا في معناه؟
هل تضع اولادها في مدارس الراهبات ؟ هل تؤمن بالحرية الغربية التي اصبحت تجيز زواج الشواذ وتعطيهم حقوقاً لا يستحقونها !
صمتت قليلاً ثم قالت : انها علي الطريق ،لم تصل بعد الي هذا الدركة من الجنون.
ثم قصت عليّ القصة كاملة، عن صديقتها تلك، التي لا تفتأ تبدل ترتيب غرف النوم ونوع الاثاث و طريقة الفراش، وتنقله من ناحية لاخري، وهكذا ببقية اثاث وغرف شقتها، وان ملت الجديد عادت الي القديم .
و تنفق جُلّ مالها، بالذهاب كل فترة لمكان جديد بمدينتها مع اسرتها حتي اصبحت مضرب امثال جيرانها بشغفها ذاك و معرفتها بحارات المدينة حارة حارة اكثر من المرشدين السياحيين انفسهم!
وقد كانت تفعل ذلك خوفاً من الملل الذي قد يتسلل الي حياتها وتستشعر لذة التغيير ومتعة التجدّد بما تفعل.
فقلت لها بإعجاب :هذة والله حكيمة ذكية.
فإن العادة كما يقول علماء النفس تضعف الحس وتبطل الشعور ،بل وقد تجعلك بعض عاداتك السيئة قليل الانتاج تعيساً او تسبب لك بعض الامراض.
و الغني المشهور الذي تراه علي شاشات التلفاز وتراقبه بانبهار كيف يتحدث عن حياته وما يملك وما يأكل واين يسكن ، لا يحس بعُشر اللذة التي يشعر بها الفقير اذا جرب ما يمتلك ذاك الغني ولو مرة واحدة ، بل ان اغلب الاغنياء يملّون الترف ويشتهون لوناً اخر من ألوان الحياة، بالبساطة والعزلة التي يختاروها من آن لاخر للحفاظ علي صحتهم النفسية ومن لا يفعل ذلك منهم تراه في اوج مجده ينتحر أو يصابه الجنون.
وقد ورد علي عقلي بينما ان اكتب هذا المقال، ذاك الفيلم الكرتوني ولا اذكر اسمه الان ، و الذي كانت قصته عن رجلين متشابهين احدهما الامير والاخر فلاح فقير، وكيف خطر لذاك الامير فكرة تبديل حياته بحياة ذاك الفقير الذي يشبه شكلاً وبالفعل سعد كلاً منهما عندما انتقل للعيش في حياة الاخر!
والان تعالو واخبروني ايها القراء ، وقولوا لي اما مللتتم من بعض تلك التقاليد التي تقيدتم بها و آن لكم
التوقف عنها؟
انتِ الا تريدين بيع هذا "النيش" تلك الخزانة التي هي كالمتحف وممنوع لمس محتواها واستبداله بتلك المكتبة الضخمة التي تمنيت وجودها دائماً في بيتك ومتناول يدك.
وانتَ ايضاً الا تريد استبدال تلك الاريكة الجلدية السوداء واستبدالها باخري اكثر راحة ولوناً اكثر بهجة.
وانتِ الثالثة الا تشعرين بلذة اذا بدلت غرفة بغرفة، وجددت تلك الستائر العتيقة باخري ذات الوان ربيعية جذابة.
إن التبديل والتجديد حياة، والجمود والركود موت .
اياً كان التبديل كلاً حسب قدرته المادية، ولا يكلف الله نفساً الا وسعها.
المهم هو التبديل ،والا فلماذا نصطاف في المدن الساحلية؟ و ما الاصطياف؟
واذا كانت افعال تلك المراة جنوناً، فكل واحد منّا يجن علي الاقل مرة في السنة، حين يذهب الي المدن الساحلية ليصطاف فيها، تاركاً وسائل الراحة في بيته، ما لا يجد مثله في المصيف، ولكنه حب التبديل.
بينما اهالي المدن الساحلية ينتظرون الصيف ليتركوا مدينتهم ويصطافوا بمدينة اخري ساحلية ايضاً !
وهكذا الكشافة الذين يتركون المدن ووسائل الراحة ،ليحملوا احمالهم علي ظهورهم ويصعدوا بها الجبال والمرتفعات ،يدعون البيوت الامنة وينامون الخيام ،يستبدلون الاسرة الناعمة بالارض الصلبة،كل ذلك في سبيل التغيير والتبديل.
بل ان الحج نفسه كما يقول احد المشايخ ،لون من الوان التبديل في نمط المعيشة، انه معسكر تدريبي لابد فيه من تحمل المشاق ،والامتناع عما يحرم علي المحرم.
وما ادري ما الذي يمنع أن نأخذ الحكمة من تلك المجنونة ،فنعمد ابداً الي التغيير الذي تحتمله اموالنا .
وما ادري اجئت بشيء معقول، ام انا الان اتكلم كلام المجانين، اخبروني انتم؟
**********
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
جميل جدا المقال اعجبني بشده
فعلا نحن دائما بحاجه الي التغيير
دا علي كدا كلنا مجانين 😄
التغيير نمط حياه يسعد النفس ويبهجها ❤️
أعجبني المقال كثيراً و اتفق أن التجديد و التغيير يمنح الحياة بهجة ورونق خاص
أحسنت حبيبتي ريم