الحقيقة هي أنّ ليس كلّ شيء يمكنك تخيّله حقيقيّ، بل كلّ شيٍ تحوّل لحقيقةٍ كان خيال.
من أحد أقوال بيكاسو الشهيرة: كل شيء يمكنك أن تتخيّله حقيقي.
هذه المقولة تروق لكثير من الناس، وقد كانت عزائي في كثير من الأوقات المملّة كالحجر المنزليّ. إنّها في بعض الأحيان تكون جميلة جدا وفي أوقات أخرى تتمنّى لو أنها ما قيلت أبدا، خاصّةً عندما تتخيل أشياءً فظيعةً ،وأنت في حالتك الغريبة في منتصف اللّيل، كمرض أحبّتك أو فقدانهم. ولكن لحسن الحظ ولسوئه هذه المقولة خطأ. بالحقيقية الخيال ممكن أن يكون مصدرا مؤقّتا للسعادة، ولكن إنّه لخطأ فظيع أن تتخيل أن تعيش ولا تفعل، أن تحلم وتنسى أن تستيقظ. أن تبقى عالقًا في عالمٍ أنت مبتكره، وكلّ شيءً فيه خاضع لقوانينك، وتتجنب العالم الحقيقيّ القاسي.
هل هذا يعني أن الخيال بلا فائدة؟ بالطّبع لا. لو نظرنا حولنا لوجدنا أن كل الأشياء المبتكرة التي حولنا ما هي إلا ابنة الخيال. كل هذه الاختراعات المعقدة، هذا الحاسوب الذي أكتب عليه، والجوال الذي تقرأ منه الآن، والموناليزا، وطائرة عباس بن فرناس، وروايات شكسبير، وأشعار المتنبي، وكل هذا الإبداع البشري ما كان إلا فكرةً فحسب، حلم، خيال... نعم مجرد خيال. ولكن كل هؤلاء المبتكرين، وغيرهم الكثير، لم يقفوا على حافة حلمهم، أيقنوا أن الخيال ما هو إلا البداية، وأبوا، أبوا أن تنتهي قصة خيالهم قبل أن تبدأ. استيقظوا من حلمهم ليرسموه بكثير من الجهد والحب والشغف، أفاقوا من خيالهم ليحولوه إلى حقيقة يعيشونها. فالخيال هو الأداة التي يحركها الإنسان ليجسد إبداعه، هو الريشة التي سيرسم بها لوحات وأيقونات الجمال، هو الحبر الذي سيخطه على الورق كلماتٍ تسطر معاني المجد بحروف من نور، هو المصباح الذي سيضيئ به العالم بأسره ...
كلنا نملك هذه القوة، كلنا نملك الخيال، وإن ظننت أنك لا تملكه فاعرف عزيزي القارئ أن الخيال هو جناحان، كلما استعملتهما أكثر كلما حلقت أعلى في سماء حرية الفكر والعبقرية. فلا تجعل هذين الجناحين عبئًا وثقلا عليك وأنت تمشي على الأرض، اجعلهما سر حماسك وراحتك وأنت تطير في السماء. انشر كل الخير الذي بداخلك، وفجر مواهبك في سبيل جعل هذا العالم أفضل، العالم بحاجة لخيالك الممزوج بالجد والعمل. وتذكر القاعدة: تخيّل، احلم، استيقظ، اعمل وأبهر! أكمل قصة خيالك للنّهاية. أرجوك عش مضيئًا ومت فارغًا، أفرغ كلّ حبك وإبداعك في حياتك، فندعو الله أن يرحمك في مماتك.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات