ما لم تصوره عدسات الهواتف المحمولة، ما يحدث خلف الجدران الغربية وما تغطيه ابتسامات الاندماج الزائفة..

حقيقة خفية تعيشها الجاليات السورية في بلاد المهجر..

حيث لا تروى تفاصيل الألم ويتصدر الصمت الموقف..


أما عن البوح الذي يكاد لا يتسلل من الجوف الا بشدة تكوي ما يأتي به فكان على حافة النسيان في اللحظات الأخيرة..


في الهجرة تُبنى الأحلام على مضض، وتقبّح السعيّ محاولات الفشل الشاق، فيها تنهشم الروح الأسرية وتقيد الأحاديث ساعات العمل المتفاوتة، وتقتل الوحدة فيها كل نفس ألف مرة، أما عن جذور المغتربين فقد شوهتها ثقافات متضاربة وتربة مرهقة

لابد من زراعتها لخوض نزاعات يومية بين هوية غربية مغايرة وهوية وطنية قديمة بذاكرة متمزقة..



تبدأ رحلة التغريب بتجاهل الشعور لآخر لحظة، للحظة الوداع وتنتهي بسيطرته على الجسد كله وتركه لنيران الشوق وشدة اشتعالها..


ومهما بدت ملامح الغربة فاتنة بريئة فهي قاتلة، تدس سمها في كل التفاصيل، وتبعثت في النفس أطنانًا من هواجس الغد ومستقبل مجهول، من تفتت آخر حروف اللغة العربية على ألسنة الأجيال القادمة، و انقطاع حبال ارتباط الوطن في ضجة الحياة وتياراتها

أو اعتياد الروح على خلود زائل في المنفى..


من إختلاط أسس الأفكار الدينية والعقدية والقومية،

من كلمات جارحة و أوصاف لا تشبه حقيقة الظروف ومن موت تلامس فيه الأجساد تربة لم تخلق منها،

ويبقى الهاجس الأكبر؛ الاعتياد..

اعتياد الجذر على بيئة أرض جديدة بصمت مستمر..


وبعد 14 عامًا من التهجير وتحديدًا في الثامن من كانون الأول ينتقل شعور الخوف من حالة الضجة الى حالة الهدوء الجميل، تأتي عاصفة الفرح لتنهي ماهية الأحزان قاطبة ولتترك ما خلف الماضي من شعور…


ومع موجة الانتصارات المتتالية بعد 54 عامًا من الإجرام والتهجير نجى السوريون، ونجت معهم أنفاس الحرية من تحت ركام الديكتاتورية..

ومن رحم آلام النزوح تتطاير خيام القهر والمعاناة،

ويقتلع السوري قيود المسافات، متجاوزًا عثرات الطرق وشدة اشتباك أسلاكه، ليحيي فكرة العودة للديار.


بعد سنوات من الحرمان، لم يعتبر السوريون الرحلة كسائر الرحلات، لم يكن المطار مطارًا بل محطة ما قبل الأمان، ولم يكن إقلاع الطائرات إقلاعًا بل اقتلاعًا لكل شعور زاد الروح مرارة، ويهبط بعدها القلب في خلايا الذاكرة العتيقة والأيام الدافئة مع لحظة استنشاق أول ذرات الهواء الصافية من أنفاس الإجرام ووحشية البراميل...


غادر كثير من السوريون الأراضي التي احتضنت أوجاع نزوحهم، متجهين بكل خبراتهم الفكرية والعملية لمداواة أمهم الجريحة، وكانت مشاعر الشوق أقوى من أي ارتباط جغرافي زائف..


وانقسم السوريون بين مؤييدين لفكرة العودة وبين معارضين..

أما من أيد الفكرة فهو يؤمن بأن أرض سوريا أرض بناءة

بتربتها، ماءها وسماءها، وأيد فكرة الإصلاح وأن البلد الأم هي أولى بمجهود أبناءها واستثمار طاقاتهم لتحقيق أهدافها التنموية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية..


أما من عارضها، فيعتليه خوف البدايات، الخوف من خوض معركة مع الصفر مجددًا بالبحث عن المأوى والعمل والمجازفة بالانخراط بدائرة الاعتياد مرة أخرى..

فما الوجه المشترك للفكرتين؟


أجل عزيزي إنه الصراع الصامت بين أمل المستقبل وقلق الحاضر، بين حماس الاندفاع نحو الأماكن والأشخاص والخوف من التغييرات التي طرأت عليهما..


بين مسائلات وأجوبة ستأخذ من العائد الوقت الطويل لاستيعابها يكمن التشابه..


إلى أين يعود المغتربون؟

كل يعود لدياره التي يحب، للمنزل الأول وللعتبة الأولى التي خطى عليها، لساحات اللعب وأصدقاء الطفولة، والارتباط بالمكان يعتمد كليًا على ذكريات صنعت فيه، صنعها أناسيها أو جدرانها

فالسؤال الأهم لمن يعود المغتربين وقد مات سكان المكان واندثرت جدرانه؟



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات راما الكميتي

تدوينات ذات صلة