أريد أن أكتب عن الفراق وعن بشاعة الفقد، عن قسوة النهار وخوف الليل، عن الاشتياق والإنكار، عن كل نبضة قلب تخرج آملةً في اللقاء.


يُشلُّ قلمي بالألم ويهرب من الكتابة، تمامًا كما يفر عقلي من التفكير فيما يؤلمه.


كتب الكثيرون عن ليالي الفقد الأولى، عن النوم لساعات طويلة تفاديًا لمواجهة الواقع، وعن الأرق ليالٍ عديدة هربًا من أشباح الأحلام الحزينة. كتب الكثيرون عن الحزن الذي يتخلل الفرحة عندما لا تشاركها مع صاحب قلبك، وعن عتمة القلب وسط شمس الظهيرة بلا سابق إنذار.


لم يكتب الكثيرون عن اللحظة التي يصبح كل شيء فيها باهتًا؛ فلا السهر يؤلمك، ولا النوم لساعات طويلة يؤنبك، ولا أشباح الأحلام تؤنسك، ولا عتمة قلبك تخيفك.


تسأل نفسك حينها: هل مات الحب إذا؟ فيُسرع عقلك باستحضار طيفهم الضاحك أمامك، فتهرع إليه لتمسكه، فتدرك النفي إجابةً لسؤلك، ولا تجد تفسيرًا لوضعك سوى أن الوقت قد أضاف تأثيره لا أكثر.


أبحثُ بداخلي عن أي شيء لا يذكرني بك، ربما أجد شيئًا فيّ لم تحبه أنت، لأحبه أنا وأنسى حبك الذي يتشبث بكل أجزائي.

أبحث عن أي شيء فيّ لم أُعرِّفك عليه، ربما أجد شيئًا احتفظتُ به لنفسي بعيدًا عنك، ليذكرني بمن أكون في غيابك، وسأتجاهل حقيقة أني أعرف نفسي بما عرفتُه عني معك.


قضيتُ أيامًا طويلة أطارد السعادة، حتى وجدتها، ها أنا أستطيع أن أكون سعيدةً وجميلةً بدون تأثيرك. ولكن، كان هناك سعادةٌ سببها أنت، تعبتُ من مطاردتها، وارتضيتُ معرفتها من خلال نافذة عقلي على صورك، ذات الصور التي تثير الألم، والحنين، والحزن، والحب. هي تلك السعادة التي يسببها طيفك البعيد عندما يقترب.

السعادتان كلتاهما حقيقتان، كلتاهما تملآن قلبي، كلتاهما تُحييان روحي.


وعدتك أني سأكون ممتنةً لكل ما عشناه معًا، كنت أسأل نفسي مِرارًا: ولما تُبقين وعدًا لمن نقض كل الوعود بلمح البصر؟

ولأصدُق نفسي وأصدُقك؛ لم أستطع أن أفي بوعدي لفترة من الزمن، ثم فكرتُ فأدركتُ، أن وعدي يحميني أنا، فرَوضتُ روحي على الامتنان؛ للحظات الفرح، للحظات الألم، للحظة اللقاء، وللحظة الفراق، وللأيام بعدك.


لم يعد يخترق صدري ذاك السكين عندما أذكرك، أصبحت قادرةً على الحديث عنك مع الأهل والأصدقاء، أصبح شبحك في أحلامي زيارةً لطيفة، وصورتك في رأسي رفيقًا خفيفًا.


كنتُ أسأل نفسي ماذا بعدك؟ الآن عرفت شيئًا من الإجابة: أنت، والكثير من الحياة لأراه، دون وجع يهز جدارن صدري.


وها أنا ذي، فُك شلل قلمي.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

الفقد صعب و لكن فقد الاحياء اصعب لانك تعرف انهم يضحكون مع غيرك و يستمرون بحياتهم من غيرك و كأنك لم تكن جزء من حياتهم و تعرف بأن كل ما كان هان عليهم بسهوله

إقرأ المزيد من تدوينات همسات| فاطمة وائل

تدوينات ذات صلة