الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركاً فيه
شعبي الذي تجشم مرارة الانتظار لحرّيته لما يزيد عن خمسين عامًا، استنشقها أخيرًا لسنينه القادمة..
يوم الأحد الساعة السادسة وعشرون دقيقة، أعلنت المعارضة سقوط نظام بشار الأسد..
قبل حدوث هذا كله كنت أنا الثائرة على كامل الاستعداد لتلك اللحظة، فأعيد شريط الذكريات، ذكرى التكبير الأول من مسجد الحمزة والعباس في درعا..
وهتاف الحرية الأول بعد صلاة الجمعة،
استجمع ذاكرتي لأستذكر ملامح شهيد الثورة الأول حسام عياش الذي رأيته قبل استشهاده بثلاثة أيام يركن سيارته رمادية اللون أمام منزلنا..
وأحاول قرن اسمه مع محمود جوابرة الذي ارتقى لجانبه شهيدًا من أول لحظات الهتاف..
ترحمت عليهما وعلى شهداء ثورتنا اللذين دفعوا من دمائهم ثمنًا لعزنا..
وبعدها زرت المظاهرات سريعًا، ورفعت العلم كثيرًا، وهتفت للحرية عمرًا طويلًا..
واحتجزتني لحظات الحصار عندما حاصروا العمري وقتلوا كل من فيه حتى أصبحت المدينة تروي عطشهم للدماء..
فتحت ذاكرتي لي تلفاز الشهامة، فاطلقت العنان لمتابعة تضامن حمص العدية،
وحماة ودمشق اللذين سارعوا للوقفة الواحدة والاجتماع على هتاف واحد" اسقاط النظام"
النظام الذي كوى جباه الثلاثة أجيال المتتالية بالقهر وكوى ألسنتهم بالصمت..
أما عن جرحانا اللذين تمنينا رفع الألم عنهم فلم أقوى أمام صمودهم..
وأما عن معتقلينا، اللذين اعتقلت أنفاسنا معهم ولم تنم فينا عين الشوق لرأيتهم،
فأعلن عجزي أمام صبر أهلهم..
عدت لواقعي قبل انتشار الخبر بساعة واحدة مكوية بنيران الخوف، تاركةً عيناي لدموع الفرح القادمة ، تاركةً الرجفة لأصابعي وهي تبحث عن صورة أو خبر يحكى لي فيه أن معتقلين سجن صيدنايا أحرار..
كنا على علم مسبق أن سقوط صيدنايا ليس له الا معنى واحد، معنى سيبدد ظلمة كوننا السوري ويزيح غمامة العجز عن شعبه، سقوط باب واحد من أبواب صيدنايا لا يعني الا سقوط الاسد..
كنت خائفة من كل دقيقة تقرب الجيش من السجن خطوة وأدعو بوجداني ومشاعري كلها بان ينصرهم الله وان يثبت اقدامهم،
كان كل الشعب السوري يترقب،
و مدرك لحجم الصعوبات التي ستواجههم مع كثرة تداول الاخبار التي لا نعلم مدى صحتها وتخوفنا من وجود الغام متفجرة تحيط بالسجن يزيد من الرهبة كثيرًا ..
كان همنا الوحيد أن ينجو كل من فيه..
وان ترى أرواحهم النور الذي حال تعسف النظام بينه وبينها..
أيعقل؟ أيعقل أن تستلم قضبان هذا المكان المظلم لمفتاح الحرّية؟ أو أن يتخلس نور بزوغ الفجر منه نظرة؟ أيعقل أن تهدأ فيه أصوات المعذبين ؟ أو أن تتوقف فيه الأسواط عن جلد أجسادهم التي أنهكها عذاب الدهر..
في قعر هذه الظلمة واختلاط مشاعر الخوف والرجاء وعمق هذه الأفكار…
أتى نصر الله مع الله أكبر..
أتى يوم عيدنا وها هي مساجد الشام تصدع بالتكبيرات ..
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر
نعم يا صديقي لاح لنا المعتقل الذي انتظرناه كثيرًا وظننا أنه مات في أقبية الجور!.
ولاحت لنا ظلمة شوارع الشام انها ستغادرنا للأبد، الأبد الذي يخافه ولائدنا كما يخافه شيوخنا..
واستقبلتنا أمنا بالغار وانتشرت معه رائحة الأحرار في كل حي من كل حدب وصوب ..
لم يزرني قط فجر كفجر ذلك اليوم
ولم تسمع أذني قط خبرًا كهذا الخبر
ولم تبتهج روحي ببهجة كتلك..
و اذا سالتني عني فساخبرك بالتالي:
انا وليدة ٨ ديسمبر من العام ٢٠٢٤
انا وليدة اللحظة التي تتحرت فيها أمي الشام
انا وليدة العمر الجديد،
هذا مولدي و مولدك انت وكلُ حرّ آمن بحق حرّيته، وكان على ثقة تامة بنصر ثورته..
اليوم السابع عشر من ديسمبر اكتب مقالي هذا في تمام الساعة الثانية عشرة..
انا اليوم مغتربة امشي في شوارع المانيا متجهة لجامعتي اذا رأيتني ستقرأ الحرية على جبيني وسترى العزة تزين مني وجنتي..
وستعلم أنني لا أحلم رغم أننا انتظرنا هذه اللحظة كثيرًا الا اننا نشعر وكاننا نعيش الحلم وكأنه ضرب من خيال..
لكننا يا صديقي أحرار وهذا ليس ضرب من خيال..
فالحمد لله الذي أحيا فينا الحلم حتى حييناه حقًا.💚
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات