تشير كاتبة المقال إلى أن داخل الحياة أربعة مراحل، وتوضحها، وتتعمق في تفاصيلها ومسبباتها.

لينة الثقفي

المرحلة الأولى: المحاكاة

نولد في هذه الحياة بلا حول ولا قوة، لا نقوى على المشي أو الكلام، ولا نستطيع إطعام أنفسنا. في البداية، نتعلم المهارات البدنية ، ثم نتطور عن طريق مشاهدة ومحاكاة الأخرين ممن حولنا. إذ يتلخص هدف هذه المرحلة في تعليمنا كيف نتفاعل داخل المجتمع حتى نكون مستقلين، وراشدين، ومكتفين ذاتياً، فالفكرة تكمن في أن الراشدين من حولنا يساعدوننا للوصول من خلال دعم قدرتنا على اتخاذ قراراتنا الحياتية.

المرحلة الثانية: اكتشاف الذات

تركز هذه المرحلة على تجربة الأشياء الجديدة، فالبعض منها ينجح والبعض الآخر يفشل؛ إذ أن الهدف هو التمسك بالأمور التي تسير جيداً وتفلح معنا، ثم نمضي قدماً. وتستمر المرحلة الثانية حتى نبدأ في مواجهة قيودنا الخاصة.

ويجدر بالذكر أن المرحلة الثانية تبدأ في منتصف المراهقة إلى أواخرها وتستمر حتى منتصف العشرينات أو حتى منتصف الثلاثينيات. والأشخاص الذين يبقون في المرحلة الثانية بعد ذلك يشار إليهم عموماً باسم "متلازمة بيتر بان" – المراهقة الأبدية، يكتشفون أنفسهم دائماً ولكنهم لا يعثرون على شيء.

المرحلة الثالثة: الالتزام

تدور المرحلة الثالثة حول تكثيف المجهودات، والمحاولات، والإمكانات، فالأمر كله يتعلق بصنع أثر في هذه الحياة.

ماذا سنخلّف وراءنا حينما نفنى؟ بماذا سيتذكرنا الناس؟ سواء كان مشروع فذ، أو منتج جديد مبهر، أو عائلة مُحبة، فإن المرحلة الثالثة تتمحور حول ترك العالم مختلفاً قليلاً عما وجدناه عليه. وتستمر المرحلة الثالثة من فترة الثلاثينيات حتى يبلغ الشخص سن التقاعد.

المرحلة الرابعة: الإرث

نصل إلى المرحلة الرابعة بعد أن نمضى ما يقرب من نصف قرن في استثمار ذواتنا؛ فيما نعتقد أنه مفيد ومهم، حيث لا يصبح الهدف من المرحلة الرابعة بعد ذلك خلق إرث أو ثروة بقدر ما هو مجرد التأكد من أن الإرث يستمر إلى ما بعد موتنا.

إن المرحلة الرابعة مهمة من الناحية النفسية لأنها تجعل الواقع المتنامي لوفاة المرء أكثر احتمالًا. ونحن كبشر لدينا حاجة عميقة للشعور كما لو أن حياتنا تعني شيئًا ما. هذا المعنى الذي نبحث عنه باستمرار، هو دفاعنا النفسي الوحيد ضد عدم قابلية فهم هذه الحياة وحتمية موتنا. وفقدان هذا المعنى أو مشاهدته يضيع هو شعورنا كما لو أن العالم قد تركنا خلفه، وكأننا نحدق في وجه النسيان ونتركه يأخذنا وراءه عن طيب خاطر.

ما المغزى؟

يمنحنا التطور والانتقال من كل مرحلة في الحياة سيطرة أكبر على سعادتنا ورفاهيتنا.

في المرحلة الأولى، نعتمد كلياً على تصرفات الآخرين وننتظر موافقتهم لنكون سعداء. وتعد هذه استراتيجية مخيفة لأنه لا يمكن التنبؤ بالآخرين ولا يمكن الاعتماد عليهم.

في المرحلة الثانية، نعتمد على أنفسنا لكن في نفس الوقت لا نزال نعتمد على النجاح الخارجي لنشعر بأننا راضيين، مثل جني الأموال، والحصول على الأوسمة أو المناصب، وما إلى ذلك. وهذه الأمور يستطيع المرء التحكم بها أكثر من الآخرين ولكن لا يمكن التنبؤ بها في الغالب على المدى الطويل.

تعتمد المرحلة الثالثة على عدد قليل من العلاقات والمساعي التي أثبتت أنها مرنة وجديرة بالاهتمام خلال المرحلة الثانية. بينما تتطلب المرحلة الرابعة أن نتمسك فقط بما أنجزناه بالفعل لأطول فترة ممكنة. وفي كل مرحلة، تصبح السعادة أكثر استناداً على القيم الداخلية التي يمكن التحكم بها، وبدرجة أقل على العوامل الخارجية للعالم المتغير باستمرار.

وأخيرا، إن التحولات بين مراحل الحياة تنجم عادة من صدمة، أو حدث سلبي شديد في حياتنا، كتجربة قريبة من الموت، أو طلاق، أوصداقة فاشلة، أو وفاة أحد أفراد الأسرة. بحيث تجعلنا الصدمة نتراجع، ونعيد تقييم أعمق دوافعنا وقراراتنا. حيثما تسمح لنا بالتفكير فيما إذا كانت استراتيجياتنا للسعي وراء السعادة تسير سيراً جيداً أم لا، حيث بعدها نبدأ بإعادة ترتيب أولوياتنا.


نَصّ

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات نَصّ

تدوينات ذات صلة