حري بي القول إنني قبل أن أخط كلمة في هذا المقال رجعت إلى عدد من الدراسات والبحوث التي تناولت ظاهرة التغير المناخي،
التغير المناخي يكلف الاقتصادي العالمي تريليونات الدولارات
8 لاف كارثة مناخية أضرت بالاقتصاد من 1990 إلى 2014
الزراعة وصناعاتها خسرت 9 تريليون دولار في ربع قرن
خسائر النفط والغاز عالميا 13 تريليون دولار بحلول 2040
تهديد الجنس البشري عام 2100 بحرارة تذيب المواد الصلبة
النموذج القطري الأفضل لحل المشاكل الناجمة عن التغير المناخي
قطر تبرعت بـمائة مليون دولار لمكافحة آثار الظاهرة في 2019
بقلم الدكتورة/ بثينة حسن الأنصاري
حري بي القول إنني قبل أن أخط كلمة في هذا المقال رجعت إلى عدد من الدراسات والبحوث التي تناولت ظاهرة التغير المناخي، وطالعت العديد من المراجع والمقالات التي كتبهامتخصصون في هذا المجال، ذلك لأن ظاهرة التغير المناخي إذا ما استفحلت لا قدر الله ستفوق في أضرارها أضرار جائحة كورونا، لأنها لن تبقي ولن تذر، ولن يقتصر تأثيرها على الإنسان فقط مثل كورونا، بل سيمتد إلى الحيوان والنبات والجماد، وتضرب بشدة العوامل أو القواعد التي يرتكز عليهاالنمو الاقتصادي العالمي، وحري بي القول أيضا أن النموذج القطري والدعم السخي لدولتنا هو الأفضل لمواجهة أضرار ظاهرة التغير المناخي على نحو ما سنبين خلال الحديث .
ومبدئيا التغير المناخي هو أي تغير طويل المدى لا يقل عن 30 عاما يطرأ على حالة الجو على مستوى العالم، يؤثر سلبا على طبيعة الحياة، يشمل معدلات درجات الحرارة وسرعة الرياح وتساقط الأمطار والفيضانات والجفاف، بسبب عوامل طبيعية كالبراكين، وقوى خارجية كالتغير في شدة الأشعة الشمسية أو سقوط النيازك الكبيرة، ونشاطات الإنسان، وهو ضار في كل أحواله، إذا زاد الاحتباس الحراري أو تدنت الحرارة إلى مستويات يعجز الإنسان عن التكيف معها أضرت بالإنسان نفسه وبالأخضر واليابس وبكل ما هو على ظهر الأرض أو في باطنها من موارد طبيعية، وأما إذا ما اجتاحت الفيضانات والسيول والأمطار مناطق شاسعة من العالم فسيهجرها أهلها ليكونوا عبئا مضافا إلى بقية المناطق، وحتى تكون الصورة واضحة فإن المناخ غير الطقس لأن كثيرين يخلطون بينهما، فالطقس هو حالة الجو في مكان محدد على مدى قريب جدا، أما المناخ فهو حالة الطقس على مستوى العالم في مدى بعيد يصل إلى مائة عام أو أكثر، ومن العجائب أن التنبؤ بحالة المناخ أسهل من التنبؤ بحالة الطقس وليس هذا جوهر موضوعنا .
موضوع التغير المناخي إذن ليس بالأمر الهين، ففي إحدى الدراسات توصل الباحثون إلى أنه إذا استمر التغير بنفس الوتيرة التي عليها الآن فلن يكون هناك وجود للإنسان عام 2100، وقال أحدهم: " إن العالم يدمِّر نفسه وسيدمَّر "، ولن أتشعب في الحديث إلى أصعدة مختلفة، ولكن أتناول فقطتأثير هذه الظاهرة على الاقتصاد بشكل عام .
ثلاث دراسات أمامي للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC كل دراسة أعدها فريق من المتخصصين، والثلاثتتفق نتائجها على أن خسائر الاقتصاد العالمي من جراء التغير المناخي قد بلغت 15 تريليون دولار خلال ربع قرن بدءا من عام1990 حتى نهاية عام 2014، بسبب 8 آلاف كارثة نتجت عن سوء الأحوال الجوية، وكانت الفيضانات والأعاصير والثلوجهي الأكثر شيوعا في مناطق معينة والحرارة والجفاف في مناطق أخرى، أما أكثر القطاعات تأثرا فكان قطاع الزراعة بمقدار 9 تريليون نتيجة تلف محاصيل ملايين الهكتارات، مما ترتب عليه توقف عدد كبير من المصانع التي تقوم على المنتوجات الزراعية، وبالتالي امتد التأثير إلى حركة الاستيراد والتصدير، وبالذات في مجال محصول القمح عصب المواد الغذائية، أما بقية القطاعات فهي على التوالي النفط والغاز الذي قل الاعتماد عليهما بنسب متفاوتة، ثم الثروة الحيوانية، فالصناعات التعدينية، فالنقل البحري والجوي، هذا بالطبع بخلاف الخسائر في الأرواح .
أما عن التأثير السلبي للتغير المناخي على الاقتصاد في المستقبل القريب فقد صدرت دراسة لمركز البحوث " كربون تراكر " المتخصص في تأثير التغير المناخي على صناعة النفط والغاز، واستعرضتها محطة BBC بتاريخ الثاني عشر من فبراير الماضي 2021 خلصت إلى أن الدول النفطية سوف تتكبد خسارة في وارداتها من النفط والغاز تصل إلى تريليونات الدولارات، بحلول عام 2040 جراء التحول العالمي المطرد إلى الطاقات المتجددة، مؤكدة أن بعض الدول النفطية قد تخسر 40 في المئة من ميزانياتها مع توجه العالم للتقليل من استخدام الوقود الأحفوري، ويقدر البحث الخسارة الإجمالية لجميع الدول المنتجة للنفط بما يقرب من 13 تريليون دولار، ولكن من جراء جهود التحكم في ارتفاع درجات الحرارة على الأرض التي تسعى إلى إزالة الكربون في إنتاج الطاقة .
أما خسائر الدول التي يقوم اقتصادها على المنتوجات الزراعية فمن المتوقع ان تصل إلى 10 تريليون، من جراء تلف المحاصيل، وتوقف التصدير والصناعات القائمة على الزراعة، وقد تم تعميم الدراسة على العديد من الدول المنتجة حتى تأخذ حذرها وتغير من أسلوب تعاملها مع الفائض لديها من مواد غذائية، ففي دراسة لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة ذُكر:" أن الأطعمة التي يتم هدرها على مستوى العالم مقدارها مليار وثلاثمائة مليون طن سنويا، تُلقى في صناديق القمامة، وهو ما يعادل ثلثي إنتاج العالم من الطعام، مما يتسبب في خسارة مادية للاقتصاد العالمي قيمتها سبعمائة وخمسون ملياراً من الدولارات كل عام، يحدث هذا في ظل وجود ثمانمائة وسبعين مليون جائع على مستوى العالم، فضلا عن هدر أكثر من 120 طنا من الطماطم سنويا في دولة أوروبية تنظممهرجانا سنويا يعرف بمهرجان التراشق بالطماطم .
أما تأثير التغير المناخي على مدى المستقبل البعيد نوعا ما فقد انحسم أمره في مؤتمر " الأطراف 25" وهو مؤتمر تغير المناخ التابع للأمم المتحدة، الذي انعقد في مدريد سنة 2019، فالبحوث التي قدمت خلاله أكدت أن البيانات التاريخية تسمح للعلماء بالتنبؤ باحتمالات أن ترتفع درجات حرارة الجو العالمية الوسطى بنحو أربع درجات مئوية مع حلول عام 2100، علما بأن درجة حرارة العالم الآن قد ارتفعت بمقدار 1.1 درجة مئوية عما كان عليه الوضع في بداية الثورة الصناعية الأولى عام 1760، مما سيؤدي إلى تأثيرات مناخية واسعة النطاق ومدمرة، بسبب زيادة كبيرة على معدل تواتر الكوارث الناجمة عن موجات الحر الشديد الذي يكفي لصهر المواد الصلبة، والأعاصير المدارية، وحرائق الغابات، والسيول والأمطار وفيضانات مياه المحيطات والبحار المالحة على مياه الأنهار العذبة، وفي هذه الحالة لا يوجد مجال للحديث عن تأثير التغير المناخي على الاقتصاد، لأنه والحالة هذه لن يكون هناك اقتصاد .
وما الحل ؟ :
سؤال مشروع أمام هذا السيناريو المخيف، والجواب عنه أن الحل موجود وممكن إذا ما خلصت النوايا وتوحدت جهود الدول، وتحول جزء كبير من الاستثمارات إلى إقامة بنية تحتية قوية تمكنها من مواجهة ارتفاع مناسيب البحار وزيادة سرعة الرياح، وإنشاء السدود لتخزين مياه الأمطار للاستعانة بها في مواسم الجفاف، والإقلاع عن الاعتداء على مناطق الغابات والتحول إل الطاقة النظيفة المتجددة في عمل المصانع، وتقليل الاعتماد على المحروقات، وأن تدخر البلدان في أوقات اليسر حتى تفسح مجالا لزيادة الإنفاق الحكومي الداعم للاقتصاد في أوقات العسر، حال وقوع الكوارث المرتبطة بالمناخ.
هذا عن كل بلد على حدة، أما الجهد الجماعي فلابد من تفعيل توصيات مؤتمرات القمم المناخية التي عقدت في السابق ومواصلة هذه المؤتمرات وتقديم الدعم السخي لمواجهة الظاهرة، وبعيدا عن الانحياز لدولتنا قطر فقد ضربت أروع الأمثلة فيسبيل مواجهة الظاهرة، إذ تبرعت بمبلغ 100 مليون دولار للدول الجزرية الصغيرة والدول الأقل نموا لمساعدتها في مكافحة الآثار الضارة للتغير المناخي عام 2019، والجديد أن دورة كأس العالم لكرة القدم عام 2022 لتكون أول بطولة محايدة للكربون عبر استخدام الطاقة الشمسية في الملاعب، كما تدعو رؤية قطر الوطنية 2030 إلى دعم الجهود الدولية للتخفيف من آثار تغير المناخ، ولعب دور إقليمي استباقي في التخفيف من آثاره السلبية، ولاسيما على دول الخليج، فضلا عن استضافة العديد من المؤتمرات وتوقيع العديد من الاتفاقيات والانضمام لعضوية المنظمات المعنية بتقليل الاعتماد على الموارد الهيدروكربونية غير المتجددة، والسعي في طريق التنويع نحو الطاقة المتجددة، وخاصة في مجـال توليد الكهربــاء كاستغلال الطاقة الشمسية، وهذا ليس بغريب على بلد نذر نفسه لأن يكون قوة للخير والسلام .
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات