هل سيكون عيباً أن أُفكر بأنانية ، أم هل سأُوصم وأُرفض من المجتمع المتواجد حولي ؟ هل أكون من أُحب أن أكون أم أسمح للمجتمع بتشكيلي ؟

كل هذه الأسئلة كانت تجول بخاطري

منذ أن أُصبت بلعنة الحب أول مرة

ربما ليس عندما أصبتُ بها بل رُبما بعدما

تعمقتُ بتلك اللعنة .

الشاب الوسيم الواثق والهادئ طالب

في كلية الطب

التقي معه مرتين خلال الاسبوعين في إحدى

محاضرات المشتركة التي فرضتها الجامعة

علينا

جامعتي التي ولأول مرة أخذت قرار يعجبني

بفرض هذه المواد علينا فلولاها لم أكن

حتى لأحلم أن ألتقي به

فليس هناك أي شيءٍ مشترك ما بين

طالب يدرس في كلية الطب وطالبة تدرس

اللغات


كنت طالبة في السنة الأولى وكان هو في

السنة الثالثة

أي أن ما يزال هناك ثلاث سنوات

من الالتقاءبه وكانت هذه الفكرة

تروقني وبشدة


لم يكن أمر تواجدي معه في نفس

المادة الاختيارية صدفة ، بل حقيقةً من الممكن

القول بأن تلك الصدفة أنا من قمت بإفتعالها

لم يكن الأمر سهلاً بل استغرق مني عدة

محاولات لمعرفة جدوله الدراسي حتى

أحاول تنسيق المواد فيما بيننا .


فكنتُ أراقبه دوماً ففي أثناء المحاضرات

كنت أتأمله بينما لا أعطي أهمية لأي شيءٍ

آخر وفي الأوقات الأُخرى كنت اتتبعه

أينما يذهب

كنت متعطشة لمعرفة أية معلومة حوله ،

كان غامضاً ، مثقفاً ، واثقاً و هادئاً

كان يمتلك ابتسامة عندما تراها

تشعر بأنها

تحمل ثقة العالم أجمع .


بينما بالجهة الأخرى كنت ذكية أحسب كل خطوة

أقوم بها حتى لا يشعر بي

بالواقع هو لن يشعر بي

هو لا يراني

ولا حتى يلمحني

بينما كان هو بأعلى القمة ، كنت أنا

التي تنظر

إليه من الأسفل بعيون تومضُ حُباً

وبينما كان هو بالمقدمة

كنت أنا في النهاية أصفق له


لم يكتفي بكونه طالب الطب الذي

يحصل على أعلى العلامات ،

بل كان بارعاً بالحاسوب بطريقة تمكنه

من منافسة الطلبة المتخصصين

بهذا المجال

كان مشاركاً في إذاعة الجامعة وكنت

أتابع الفقرة الخاصة به والتي أفكر

بها لساعات بعد سماعها فبالرغم

من جمال أسلوب الالقاء الخاص به

كنت متعجبة من عمق الأفكار التي

يطرحها

في كل يوم كان يطرح موضوعاً مختلفاً

عن اليوم الآخر و لم يكن يناقشه بسطحية

بل بعمق وكأنه متخصص بهذا المجال

لا يمكن لأحد أن يتخيل مدى عمق أفكاره

وتفكيره او حتى مدى اتساع عقله كان

رائعاً ومثالياً بكل ما تحمله الكلمة

من معنى لا أعتقد ان اللغة العربيةاو

لغات العالم أجمع قادرة على وصفه

كنت أراه ملاكاً نقياً طالباً عبقري إنسان

مثالي كنت أراه كل شيء

وكنت أظن نفسي لا شيء

لم أكن أعتقد حتى أنني أستحق

فرصة للتحدث معه

كنتُ أشعرُ بأنه يستحق أُنثى أفضل مني

تقاربه بمستوى الشخصية التي يمتلكها

هي لن تكون قادرة على أن تكون

مثالية مثله ،

فالمثالية خلقت من أجله

لكنها من الممكن أن تكون قريبة

من مستواه

أقرب مني إليه

هي لن تصل لمقدار حبي له

لكنني أعلم إنه ليس لي ولن يصبح لي

أنا لا أناسبه بالرغم من قساوة الفكرة الا أنني

متصالحة معها

شدّة حبي له جعلتني عمياء

وجعلتني متنازلة عن نفسي

جعلتني أظلم نفسي وأضعها في الأسفل

حتى قبل أن يحكم علي شخص آخر .


لكن هذا كله كان عندما أصبتُ بلعنة الحب

و لكن الأمر برمته اختلف بعد التعمق

بذات اللعنة ...


كل هذا كان قبل أن تطلب منا المحاضرة

واجباً في التعبير

والذي بصدفة ما أحرزت به أعلى علامة

بين المتواجدين معي في ذات القاعة ومن بينهم هو !


كنت كالعادة أمارس طقوس تأملي له

بينما كانت المعلمة توزع أوراق التعبير

الخاصة بنا

قاطع تأملي له وقوفها أمامي ،

عندما رفعت رأسي لأنظر إليها

وجدت الابتسامة تشق وجهها ،

وبدأت بسيل من كلمات المديح

التي لم أعرف

سببها الاعندما تسلمت

ورقة التعبير الخاص بي و وجدت

أن العلامة

التي أحرزتها كانت كاملة لا أذكر سوى

إنها قالت لي أنه لم يحصل أحد غيري

على هذهالعلامة وأنها لم تقرأ

منذ عشر سنوات تقريباً نصاً بهذه الروعة

كنت أُحدق بالورقة مصدومة

وعندما

رفعت رأسي وجدته يحدق بي .... لأول مرة

منذ أن عرفته نظر إلي

لم يكتف بهذا فقط بل ابتسم لي

ابتسامة لم تستطع ذاتي الغبية في ذلك

الوقت معرفة مغزاها


كنت كمن يعيش حُلماً فكانت كمية

الأحداث التي وقعت أكبر حتى

من جميع السيناريوهات في كانت

تدور في رأسي قبل النوم

لم أكن كريمة مع نفسي وأتخيل انه من

الممكن حتى أن يبتسم لي

ولم أتخيل حتى أن يتكلم معي لكن

بدى لي أن ذلك اليوم هو يوم

للمعجزات

بعد انتهاء تلك المحاضرة حاولت

جمع اشيائي بسرعة فكل ما حدث معي

الآن يحتاج إلى هدوء عميق

للتفكير به

أردتُ حقاً الذهاب لمكان

ما لأستطيع

جمع أنفاسي

ولكن بينما كنت استعد للذهاب

اقترب من المكان الذي أجلس به

اقترب بهدوء وثقة مستفزين وبذات

الابتسامة الباردة

التي تشعرك بأنه قضى لياليعديدة

يتدرب على رسمها


لم يعطِ لي أي مقدمات أو مجاملات

بل على الفور قال لي وبما معناه إنه

لن يستطيع الصبر ليوم او يومين حتى

يطلب مني النص الذي كتبته ليطلع عليه

، لن يستطع النوم حتى يعلم درجة مثالية

النص الذي تفوق على نصه

و مد يده لي لأسلمه الورقة حتى

دون اعطائي فرصة للكلام أو الرفض

بل وكأنه واثقًا إني سأعطيه إياها

بدون نقاش

وهذا ما حدث بالفعل .


وكانت تلك أول مرة ألتمس الغرور المتواجد

بشخصيته

لكن لم أعطِ أي أهمية للموضوع لانه ومن

شدة سعادتي لم أكن أشعر بأني

على هذا العالم حتى .


عدتُ للمنزل كالفراشة الغبية

المستمتعة و هي تحلق حول الضوء

الذي سيحرقها .

كنت أحلق بسعادة شديدة

غير مستوعبة لأي شيء قد حدث .


كانت وجهتي الأولى عندما عدت

للمنزل أدراج مكتبي التي تحتوي

على جميع النصوص التي كتبتها

منذ أن كنت طفلة إلى أن وقعت

بحبه فمنذ ذلك الحين توقفت عن الكتابة

و توقفت عن

أي نشاط آخر وجعلته محور اهتمامي

في كل الحياة حتى نسيتُ نفسي .

أمضيت عدداً لا بأس به من

الساعات و أنا أعيد بقراءة نصوصي

الآف المرات

عندها استنتجت شيئاً ما استنجتُ

انني وبطريقة ما أنا رائعة

لستُ سيئة بالطريقة التي كنت

أحكم بها على نفسي مؤخراً .


لقد تذكرت إنه لطالما كنتُ

رائعة كنتُ من أذكى الطلاب

في مدرستي كنتُ من أكثر الشخصيات

نشاطاً حتى أمتلك

عدداً لا بأس به من المواهب والتي أستطيع

تطويرها

ما الذي جعلني اُسيء من تقديري لنفسي ؟

هل هو تواجدي معه أم هي أفكاري حوله


أحسست بموجة من الثقة تجتاحني

قاطعها وصول رسالة إلى هاتفي

لقد كانت من رقم مجهول

ولكنني سرعان ما عرفتُ انها منه

فقد كان اسمه في أسفلها

بعد أن كتب لي

أنه يريد مقابلتي في اليوم التالي مع

تفاصيل اللقاء الاخرى

عادت ثقتي إلى الصفر مجدداً

ولم أستطع النوم تلك الليلة .


التقيتُ به فعلاً وكانت تلك

المرة الأولى التي أجري بها محادثة معه ،

لم تكن محادثة قصيرة بل كانت طويلة إلى حدٍ ما .

أخبرني كم أن النص الذي كتبته

رائعاً وأنه وببداية الأمر ظن أن المعلمة

تبالغ في تقدير ما كتبت إلا إنه استغرق

الليل بطوله يقرأ النص عدة مرات

حتى يستشعر مدى روعته

وبصعوبة اعترف إنني أفضل

مني بالكتابة

ولاحقاً اكتشفت أنني أفضل منه

بعدة أشياء


تحدثنا بعدة أمور أخرى وفي نهاية

اللقاء طلب مني أن أقابله غداً في نفس

المكان والوقت وطلب مني أمراً غريباً

لقد أراد أن أحضر له أي نصاً آخر

من نصوصي التي كتبتها عندما

كنتُ صغيرة وافقتُ على ذلك

بصعوبة بالغة

فلم أكن واثقة بمهارتي بالكتابة

إلى الحد الذي قد يجعلني أعرضها للقراءة

في بداية لقائي به كنتُ متوترة جداً

لا أقوى حتى على الكلام و بعد مضي

فترة من الزمن بدأت أُناقشه

بذات المستوى الذي يناقشني به ... رُبما

لأنني استشعرت

بأنه ليس بتلك الروعة الذي تخيلته

بها لقد استطعت التماس ذلك من أول

لقاء معه وهذا كان غريباً


التقيت به عدة مرات منذ ذلك اليوم ،

كنا نتقابل كل يوم تقريباً أعطيه

نصاً من نصوصي يقرأه عدة مرات

ثم يبدي إعجاباً كبيراً به نتناقش به

عدة دقائقثم ننجرف بالتحدث بأمورٍ أخرى .


أخبرني ذات يوم وبكل صراحة إنه

سيواصل اللقاء

بي حتى يأخذ مهارتي في الكتابة حتى

يصبح أفضل مني بعدها لن يعلم إن كان

بإستطاعته اللقاء بي .


ربما كنتُ لأحزن بعد ما أخبرني بهذا ،

لكن الأمر لم يهمني كثيراً ، بل

أصبحتُ أحياناً

أستثقل من مقابلتي له

لقد علمتُ وبعد لقائي

به مراراً وتكراراً

إنه ليس بالمثالية التي كنت أتوقعها

وإنه و بالرغم

من العلم المذهل الذي يمتلكه الا انه

لا يستطيع أن يفهم نفسه


لكنني فهمته هو يسعى خلف

أن يكون الأول

في كل شيء ليس من أجله ولكن من أجل

نظرة المجتمع له


هو مهتمٌ لنظرة المجتمع له لدرجة انه مستعدٌ

للموت أو حتى الهلاك ليبرز نفسه


اكتشفت انه ليس واثقاً من نفسه بل

انه يعاني من ضعفٍ شديد بالثقة هو

يمتلك كل هذه الثقة من العلم الذي

يسعى لاكتسابه .


فالمعرفة والعلم بالنسبة له غطاء

على ذاته الشخصية والتي تعاني

من السطحية

التي كان يسعى إلى أن يخبئها

بكل ما يملك من قوة


لقد كان واضحاً لأي شخصٍ ينظر إليه

من بعيد بأنه شخص متعلم ومثقف

ولكن عندما نظرت إليه من مدى أقرب

علمتُ بأنه مجرد رف من مكتبة يحتوي

على عدة كتب من أنواع مختلفة كالأدب

والعلوم وغيرها على سطحه

الا انه لا يشعر بها


لقد حدثني عن مهنته المستقبلية

كطبيب

لكن عينيه لم تكن تلمعان لم يحدثني

بشغف عن مهنة إنسانية كطبيب


لقد رأيته عدة مرات يعمل على البرامج

الحاسوبية وملامح الملل

تملأ وجهه لم

يكن يفعلها بدافع الحب بل بدافع

المظهر العام له


لقد كان يحدثني عن عدة اقتباسات

عميقة

دون ان أستشعر بعمق فكرته عنها

كان يلقيها على مسامعي كالمذياع

دون ذرة احساس

كان يحدثني عن كتب عدة قرأها

بجمود بينما

كنت أذوب خلال قرأتها


بالرغم من خيبة الأمل التي أحسست

بها خلال فترة معرفتي به الا إنني

كسبت نفسي مرة أخرى

أصبحتُ أرفض أن أقارن نفسي

بأحد لأنني غالباً

سأقوم بمقارنة غير عادلة تجاه نفسي

نفسي التي أصبحت عظيمة

بنظري


بعد عدة لقاءات أحسّ انه أصبح قادراً

على الكتابة بنفس المستوى

لقد ظنّ انه قادراً على الكتابة

بنفس

المستوى الخاص بي ولكن الحقيقة التي

لا يعلم بها أحد والتي لم يتقبلها هو

أنه كان فقط يستنسخ أسلوبي

وتسلسلي بالكلمات .


هو فقط ينسخ أي شيء

يريده و يعجبه

ويلصقه بنفسه

حتى أمضى مجموعة من نسخ بدون

ذات حقيقية


لم نعد نتحدث مع بعضنا مرة أخرى

لقد كان صادقاً معي وبعد أن اخد ذات الموهبة

التي يريدها لم يعد حتى يتعرف علي .


ولكن حتى انا لم أرغب بالتحدث معه

وعن قناعة تامة لقد كان شخصاً متعباً

والاقتراب منه يرهقك لأنه وببساطة

إنسان مزيف .


ولكنني شاكرة له وبشدة فمن

بعده اكتشفت

كم أن نفسي رائعة وكم يجب علي

أكون واثقة

وكم أن الإنسان العفوي أفضل

من أي

شخصية من الممكن أن يقتبسها

والاهم من ذلك

أن المثالية لا تُكتسب بل تُوهب

بالفطرة

وأن البحث عنها ما هو الا مضيعة للوقت

والعمر والأهم من ذلك

مضيعة للشخصية




Monasaleem

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

قصة جميلة...... ملهمة.....

التسلسل في الكتابة رهيب.

مبدعة كثيرا تدوينة مذهلة♥️

إقرأ المزيد من تدوينات Monasaleem

تدوينات ذات صلة