لكن هذه التفسيرات الطبيعة لا يجب أن تمنع السبب الأساسي وهو السبب الإنساني
لقيَ إنفجار بيروت انتشاراً واسعاً على شبكة التواصل الاجتماعي ونشرات الأخبار، وشد اهتمام الناس اليه بشكل مفرط. لكن، ذلك التضامن دغدغ العقول بسؤال، ما الفرق بين انفجار لبنان، وانفجارات سوريا والعراق وفلسطين واليمن وليبيا و.و.و. المتكررة؟ وهل الدماء في بيروت أثمن من الدماء في غير موضع؟
منطقياً لا يوجد فرق بين المنطقة ولا الإنفجار ولا عدد الضحايا، بالعكس، فإن الكفة تميل ضد قضية بيروت، سواء بعدد الضحايا، وكمية الدمار، والسنين الطويلة أيضاً. ولو أن الانفجارات في بيروت - لا سمح الله - ازدادت فإن القضية ستفقد زخمها أمام قضية ناشئة غيرها.
والأمر يعود إلى سبب وجودي في النفس البشرية، ونستطيع تفسير ذلك التضامن من خلال فكرتين:
الندرة:
يعتبر مبدأ الندرة من المبادئ المتداولة بشكل كبير في "علم النفس الاجتماعي" وفي مجال الإقتصاد. ولِتبسيط الفكرة سأضطر لركن الجانب الإنساني جانباً لبعض الوقت، وتحويل القضية إلى "سلعة"
مبدأ الندرة يقوم على أساسين، وفكرته: أن الإنسان يضفي قيمة أعلى للشيء النادر، وقيمة أقل على الشيء المتوفر.
فالموت والانفجارات والضحايا في سوريا والعراق وفلسطين وغيرهم من الدول، أكثر بكثير من مرادفاتها في بيروت، ولذلك فقدت زخم الاهتمام بها بهذا الشكل.
وانفجار بيروت لقي ذلك الاهتمام لندرته، سواء في المنطقة أو الضخامة والشدة أو المادة. فأخر انفجار وثق أنه يحتوي على مادة "نترات الامونيوم" كان في انفجارات الولايات المتحدة سنتي 1995 و 2013 في كل من منطقتي "اوكلاهوم" وولاية "تكساس"
وبالتطرق لأساسيات مبدأ الندرة وتحديداً لأساسية "العقل الجمعي" وفكرته أن السلعة التي تنفد أو تنخفض فهي سلعة ثمينة لأن الجميع يستخدمها.
ومن هذا المبدأ فان مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي حين يرون التفاعل في قضية معينة وكثرة الحديث عنها فانهم يجدونها قضية "دسمة" وثمينة ويبدأون في التضامن معها هم أيضاً. كقضية "إسراء غريب" والطفل السوري الغريق "آلان كردي" مع أن هناك قضايا مثيلة يومية تحصل لا تلقى ذلك الزخم من التضامن.
وفي إحدى المبادئ الستة، التي ذكرها دكتور علم النفس "روبرت سيالديني" في كتابه "التأثير: العلم والممارسة" ويقوم هذا، على حقيقة أن الأشخاص يرغبون في المزيد مما يمكنهم الحصول على قدر قليل منه.
فالناس لا تملك الرغبة في نشر القضايا المستهلكة وطويلة الأمد، رغم تضامنها الكلي بالقضية. وهي مستعدة للتضامن مع أي قضية ناشئة ولو كانت غير مهمة بالنسبة لهم.
كيمياء الأعصاب:
الفكرة التي طرحها الأستاذ "مصطفى محمود" في كتابه "في الحب والحياة" فقال: (إن أعصابنا مصنوعة بطريقة خاصة.. تحس بلحظة الانتقال ولا تحس بالاستمرار)
ويقول أيضاً: (إن الدوام قاتل الشعور، لأن أعصابنا عاجزة بطبيعتها عن الاحساس بالمنبهات التي لا تدوم)
ودوام الشيء، خاصة كالقضايا التي نتحدث عنها، سينتج أمراضاً فكرية ويدفع الى الملل نوعاً ما. فقد تنبثق العنصرية والاستغلال والحقد والكره.
لكن هذه التفسيرات الطبيعة لا يجب أن تمنع السبب الأساسي وهو السبب الإنساني. والتضامن الانساني لا يجب أن يميز بين الجنسيات والأسباب والمدة والشكل. فكل المتأثرين من القضايا هم سواء ويجب الوقوف بجانبهم.
وكما تأثرنا جميعنا في قضية بيروت علينا أن تنذكر أن هذا واقع يومي في أماكن أخرى لا يجب أن ننساهم من دعمنا والوقوف معهم وتقديم يد المساعدة لهم.
وفي النهاية أرجو من الله أن يرحم قتلى بيروت وأن يشفي مصابهم ويجبرهم في مصيبتهم، وأن يرحم شهداء سوريا والعراق وفلسطين واليمن وليبيا ومصر وكل دولة تعرضت لحوادث فجيعة تركت ندوباً لن تشفيّها الاستمرارية ولا السنين.
المصادر:
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات