حاول أن تعطي الحوار حقه من التعب والوقت، واياك أن تهمله، فهو أحد أهم عناصر الرواية، وأحد أهم أسباب نجاحها.
تمتاز الرواية وعالمها بتعدد أساليبها، ومقدرتها الاستيعابية في انتاج أساليب جديدة. فتتضمن الشعر، والقصص، والتحليلات النفسية، والفلسفة... ولا يوجد قواعد ثابتة للرواية واستخدام قواعدها، ولا تدخل أي قاعدة في الرواية تحت منظور (صح أو خطأ) إنما تحت منظور (السبب والنتيجة) وهذا ما يترك الباب مشرعاً أمام الكاتب في تجربة وخلق أفكار جديدة تحسن من كتابته الروائية. تتعدد عناصر الرواية: بين الحبكة والشخصيات والزمان والمكان والعقدة والحوار. سأخصص الحديث في هذا المقال عن الحوار وأهميته، وأساليبه، ونظرة الكتّاب للحوار. فلماذا نحتاج الحوار في كتاباتنا؟
يُعرّف الحوار بأنه طريقة من طرق التواصل، وتبادل الحديث بين طرفين، أو عدة أطراف. ويشكل الحوار في الرواية قاعدة أساسية ومدماكاً رئيسياً في الصّرح الروائي. فقد يكون أساساً صلباً يحمل الرواية حتى النهاية والنجاح، وقد يكون أهم أسباب فشلها. وفي الحوار يتدفق السرد، ويمنح جمالية لمشاهد الرواية.
الحوار بشكل عام يربك الكاتب، والكاتب الجيد هو الذي يستطيع صنع حوار جيد يدفع الأحداث ويكثف الحبكة.
يقدم الحوار عدة أشياء مهمة، تزيد من بديعية الرواية:
1) يعرّف القارئ بشخصيات الرواية، ويكشف عن أسرارها وطبائعها، وطرق تفكيرها.
2) يؤجج الصراع ويكثف الحبكة.
3) يعتبر وسيلة ناجحة لذكر المعلومات، والتواريخ، بعيداً عن تلقينها المباشر للكاتب.
4) بمنح استراحة لعين القارئ، ويزيل ملل الكتابة السردية.
وقد وضعت الروائية الإيرلندية (إليزابيث بوين 1899- 1973 م) سبعة قواعد لكتابة حوار ناجح:
1) يجب ان يكون الحوار موجزا.
2) يجب أن يشكل اضافة لمعرف القارئ الحالية.
3) يجب ألا يحتوي على المفردات الروتينية في الحوارات العادية.
4) يجب أن يتضمن حسا عفوياً. ويخلو مع ذلك من التكرار الوارد في الحياة العادية.
5) أن يحافظ على حركة القصة.
6) أن يكون كاشفا لشخصية المتكلم بشكل مباشر او غير مباشر.
7) أن يظهر نوع العلاقان بين الشخصيات.
متى يكون الحوار ضرورياً، ومتى يكون فائضا ويجب التخلص منه؟
يكون ضرورياً حين تريد الكشف عن شخصية جديدة، أو كشف ناحية من نواحي الشخصية الثقافية والاجتماعية، العرقية والدينية، النفسية والعاطفية. حين تريد أن تلقن القارئ معلومة أو فكرة ما، تاريخية ودينية وفلسفية معقدة. وحين تكثر النصوص السردية، وتشعر أنها قابلة لإملال القارئ؛ حينها أخلق حواراً.
واختزل من الحوارات الترحابية الروتينية بجملة سردية قصير، كأن تكتب " تبادل محمد وزيد التحية " وحين لا يدفع الحوار بالحدث نحو الأمام، أو يكشف الشخصية، أو لا يزيد من معرفة الكاتب يصبح الحوار فائضاً عن الحاجة ويجب التخلص منه.
ليس ضرورياً أن يشكل الحوار نسبة قليلة من الرواية مقارنة بالسرد. فهناك روايات كثيرة ناجحة شكل الحوار نسبة كبيرة منها. (هما العصفورين) لغازي القصيبي. (الرجع البعيد) لفؤاد التكرلي. (عالم صوفي) جوستاين غاردر.
حاول أن تعطي الحوار حقه من التعب والوقت، واياك أن تهمله، فهو أحد أهم عناصر الرواية، وأحد أهم أسباب نجاحها.
المصادر:
كتاب " بين صوتين: فنيات كتابة الحوار الروائي " بثينة العيسى
(ملحق "الثورة" الثقافي، دمشق، 23-12-2008). هيثم حسين: الحوار في الرواية.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات