موسم قطف الزيتون في بلاد الشام، والحديث عن الشجرة المباركة.
حبَّة زيتون
نحن الآن في موسم قطاف الزيتون، هذا الموسم الذي يفرض على الصغير قبل الكبير الخروج من البيت للقطاف، وفي أغلب الأحيان ينشغل الأطفال - مجبرين - بجمع الحبات المترامية على الأرض، والتي تكون خارج نطاق (المفارش)، وبعضهم يتمرّد على الأهل والموسم والأرض فتجدهم يتنقلون بين الشجر ويلعبون، لا يأبهون لأحد؛ والكبار يقطفون ويتسلقون، ويكسِّرون وينشرون، أما النساء فبعضهن ينشغلن بالحديث الذي لا يسمن ولا يغني من جوع! والبعض الآخر تجدهن منشغلات في غربلة الزيتون من الورق.
قرأت مقالا قبل أيام عن موسم قطاف الزيتون في فلسطين، وكيف الأقارب والجيران يفزعون ويمدون يد العون لبعضهم دون أي تكلف لإتمام الموسم بالحب والخير. وقد تكون رابطة التعاون هذه معدومة عندنا هنا في الأردن! وليس كل ما يكتب يصدّق أيضًا!!
هناك شخوص كثيرة في هذا الموسم لا بد من طرحها، منها الشيخ الذي يتتبع آثار القاطفين على الأشجار، فيا ويلك إن وجد خلفك حبة زيتون واحدة لم تصل إليها يدك، ويكأنك لم تفعل شيء، ويمطرك بوابلٍ من الشتائم الرقيقة! ويقول لك بعدما عجز منها، ولم يستطع الوصول إليها، في آخر أنفاسه: "الله لا يعطيك العافية فوق تعبك".
هناك ثلاثة أنواع لشجرة الزيتون عند القطاف: هناك شجرة إن أقبلت إليها وشرعت بقطفها سرّتك أيَّما سرور! زيتها سيّال، وقطفها يريح البال، بخدِّها الظاهر والباطن، وقد تراها جبلا من الذهب لكثرة ثمارها، تستهويك وتغريك وتقول لك تعال إليّ، لا تدري أيّ غصن تقطف، ففي قطفها لذّة أي لذة! والثانية التي قد تراها وارفة تسرّ النّاظرين، ولكن متى ما شرعت بها أغمّتك وأتعبتك من قلّة ثمارها وبعدهن عن القاطفين، فهي كشَجر الخِلاف، يزهر للعين، ولا يُثمر في اليدين.
أما الثالثة وهي الأخيرة، التي يتعوذ منها الجميع ويتحاذونها حتّى نهاية الموسم، وهي التي تخفي في داخلها أغصان مُدببة يابسة كالرِّماح، وتحمل حبًّا صغيرا، لا تكاد العين تراه، فهي كالهمّ الذي يخترم الجسيم، "زيتها طيّب، ولقاطها يشيّب" تُرهق الأجساد وتذبحها، وتشقق الأيادي وتسلخها، فهي كحَسَك السَّعدان، الذي يضرب به المثل في خشونته، وهي كذلك.
وقد بارك الله سبحانه وتعالى في هذه الشجرة في قوله تعالى: "يُوقَدُ مِن شَجَرَةٖ مُّبَٰرَكَةٖ زَيۡتُونَةٖ لَّا شَرۡقِيَّةٖ وَلَا غَرۡبِيَّةٖ"، وأقسم بها في قوله عز وجل: "وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ". وهي أول شجرة نبتت في الدنيا، وأول شجرة نبتت بعد الطوفان، ونبتت في منازل الأنبياء والأرض المقدسة، ودعا لها سبعون نبيًّا بالبركة؛ كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "اللهم بارك في الزيت والزيتون".
وأفضل زيت هو زيت الشام، الذي يُضرب به المثل في الجودة والنظافة، وإنما قيل له الزيت الرِّكابيّ؛ لأنه كان يُحمل على الإبل من الشام، وهي أكثر بلاد الله زيتونًا، وفيه ما فيه من البركة والمنفعة.
كيف لا، وهي من أكناف بيت المقدس الذي بارك به وما حوله، أرض الأنبياء والمرسلين والصالحين، وزيتها الذي قال عنه الله تعالى: "يَكَادُ زَيۡتُهَا يُضِيٓءُ وَلَوۡ لَمۡ تَمۡسَسۡهُ نَارٞۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٖۚ".
وهانحن نلملم المفارش، ونجمع الأمتعة، ونحمِّل جني اليوم.. فقد داهمنا الغروب.. ونصبح على يوم جديد ونص متكرر..
وهذا غيض من فيض، ونسأل الله العون والبركة.
#محمدنورجرادات #صاحب_الكتاب_والقلم #زيت #زيتون #أدب #الأديب
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات