حديث في الشعر العربي القديم، الجاهلي، وعن مآثرهم وشمائلهم وشعرهم. .
الجاهلية، العصر الجاهلي، ما هي الجاهلية؟ نجد أن القرآن الكريم أول من أطلق هذه اللفظة تحت مسمى الجاهلية الأولى حيث يقول سبحانه في سورة الأحزاب :
" وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى" .
والجاهلية الأولى أو العصر الجاهلي تعني تلك الفترة التي سبقَت الإسلام ، ومنه أَخَذَ الشِّعر المسمى نفسه.
"والجاهلية لا تعني الجهل الذي هو عكس العلم، بل يقصد بها السفه والغضب، وجهل الإسلام، وأيضًا ذكر شوقي ضيف معنى الكلمة في كتابه العصر الجاهلي حيث قال: وينبغي أن نعرف أن كلمة الجاهلية التي أُطلقت على هذا العصر ليست مشتقة من الجهل الذي هو ضد العلم ونقيضه، إنما هي مشتقة من الجهل بمعنى السفه والغضب".
الشعر كان ديوان العرب ومركز أخبارهم ومنبع فخرهم، فالشاعر كان معظّما في قبيلته، وتُقدَّم له الهدايا والعطايا، فهو لسانها المدافع والمنافح عنها أمام القبائل، وأبيات شعره يكون وقعها أشد من السيف على شرف المرء ومروءته.
لكن أن تكون شاعرًا ليس بالأمر الهيّن، فتلك ملكة تحتاج إلى نبوغ أشبه بقوّةٍ سحرية أو حتّى شيطانية، فلطالما اعتقد العرب في القديم أن الجن هي من تلقي على ألسنتهم الشعر وتختار الشخص المميز لذلك.
وكانت كل قبيلة تهنئ جارتها التي ينبغ فيها شاعر، لأنه يمثِّل لسان التاريخ بأسره، بل يُعتبر نبي قبيلته، حيث قال أحد المستشرقين: كان الشاعر نبي قبيلته وزعيمها في السلم وبطلها في الحرب، تطلب الرأي عنده في البحث عن مراع جديدة ، وبكلمته وحدها تضرب الخيام وتحلّ.
نشأ الشعر الجاهلي متأثرا بطبيعة الشاعر الذي يحكي ما يعيشه في بيئته ومحيطه، فهو ابن بيئته(الوصف) فشكّل ذلك مادة خصبة لأشعاره، كذلك كان يترك العنان لخياله في وصف رحلاته وراحلته أو الوقوف على أطلال ذكرى له.
كما قال لبيد:
عَفَتِ الدِيارُ مَحَلُّها فَمُقامُها
بِمَنىً تَأَبَّدَ غَولُها فَرِجامُها
وامرؤ القيس:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ
بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
(المدح)كان الشاعر رمز قبيلته ولسانها وبالتالي سخّر هذا اللسان في مدح زعماء قبيلته وساداتها وفرسانها ، وتعدى ذلك لكل من كان يحمل صفات النبل والكرم والإباء.
ومن المدّاحين زهير الذي مدح في معلقته الشهيرة التي يقول في مطلعها:
أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَـةٌ لَمْ تَكَلَّـمِ
بِحَـوْمَانَةِ الـدُّرَّاجِ فَالمُتَثَلَّـمِ
وَدَارٌ لَهَـا بِالرَّقْمَتَيْـنِ كَأَنَّهَـا
مَرَاجِعُ وَشْمٍ فِي نَوَاشِرِ مِعْصَـمِ
على إثر انتهاء الحرب بين قبيلتي عبس وذبيان، المصلِحين بين القبيلتين وتعظيم فعلهم، في قوله:
يَمِينـاً لَنِعْمَ السَّـيِّدَانِ وُجِدْتُمَـا
عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ سَحِيْلٍ وَمُبْـرَمِ
تَدَارَكْتُـمَا عَبْسًا وَذُبْيَانَ بَعْدَمَـا
تَفَـانَوْا وَدَقُّوا بَيْنَهُمْ عِطْرَ مَنْشَـمِ
هذا لما فيه من حقن للدماء، ودعى فيها إلى السلام، وأكثر زهير في مُعلّقتِه مِن الموعظة للكفّ عن الأحقاد،
( الرثاء) فكانوا يعددون مثالب الميت ومكارمه ويدعون لأخذ الثأر للمقتول. واشهرهم المهلهل بن ربيعة وأخيه المغدور كليب وائل في قوله:
دَعَوتُكَ يا كُلَيبُ فَلَم تُجِبني
وَكَيفَ يُجيبُني البَلَدُ القِفارُ
أَجِبني يا كُلَيبُ خَلاكَ ذَمُّ
ضَنيناتُ النُفوسِ لَها مَزارُ
أَبَت عَينايَ بَعدَكَ أَن تَكُفّا
كَأَنَّ غَضا القَتادِ لَها شِفارُ
الفخر : كان الشاعر معتدا بنفسه وقبيلته حيث يرجع إلى أصوله الكريمة فيفخر بأجداده ويعتز بدمائه وشرفه، وبمكارم الأخلاق وبيض الفعال، واشهرهم عمرو بن كلثوم في قوله:
مَلَأنا البَرَّ حَتّى ضاقَ عَنّا
وَنَحنُ البَحرُ نَملأُهُ سَفينا
إَذا بَلَغَ الفِطامَ لَنا وَليدٌ
تَخِرُّ لَهُ الجَبابِرُ ساجِدينا
وهذا غيض من فيض ما ذكر في كتب الأدب العربي والتاريخ والتراجم.
_________________
*المراجع:
- القرآن الكريم
- الأغاني لأبي الفرج الاصفهاني
- طبقات فحول الشعراء لابن سلام
- العصر الجاهلي- شوقي ضيف
- تاريخ الآداب العربية - مصطفى صادق الرافعي
- تاريخ الأدب العربي - حنا الفاخوري
- حديث الأربعاء- طه حسين
- ديوان امرؤ القيس
- ديوان زهير بن أبي سلمى
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات