"سبحان الله العلي العظيم الذي خلق كل شيء فأحسن خلقه في ميعاده ومكانه وزمانه"


في أكثر من آية في القرآن الكريم بين الله سبحانه وتعالي أصل خلق البشر وهو التراب بمراحله المختلفة حتى صار بشرًا سويا. وبهذا نري أن أصل البشر هو التراب وهي مرحلة لا تعتمد على الجينات ولا الوراثة، بل تعتمد علي عناصر ترابية صورها الله بقدرته علي هيئة بشر به جينات تستطيع توريث صفاته للأجيال التالية للحفاظ علي هذا النوع من الخلق الجديد وهو البشر.

وحتى هذه اللحظة من الخلق كانت كلمة البشر تعني سيدنا آدم ممثلًا جنس الذكر فلم تُخلق الأنثى وهي السيدة حواء في نفس توقيت خلق آدم. ثم تم خلق نوع الأنثى ممثلة في السيدة حواء وذلك من آدم نفسه. واعتقد والله أعلم أن هذا الخلق لم يكن معتمدا على الجينات ولا الوراثة لأنها خُلقت من سيدنا آدم مباشرة بطريقة يعلمها الله.


وبخلق سيدنا آدم ممثلا نوع الذكر، والسيدة حواء ممثلة نوع الأنثى، يكون جناحي جنس البشر قد تم خلقهما بمشيئة الله سبحانه وتعالي ليبدأ الخلق الجديد من الأجيال المتعاقبة وهو الخلق المعتمد على الجينات والوراثة لينتشر البشر بعد تناسلهم بعد هبوط آدم وحواء على ارض الدنيا. ولذلك أعتقد والله أعلم أن تناسل سيدنا آدم والسيدة حواء بدأ بعد هبوطهم إلى الأرض ليخرج منهم أول جيل بشري على ظهر الأرض.


وقد ذكر الله في سورة الروم (الآية ٢٠-٢١). هذه المراحل الثلاث من خلق البشر بنوعيه الذكر (سيدنا آدم) والأنثى (السيدة حواء) وما تلا ذلك من تناسل وخروج أجيال تنتشر في الأرض كما قال الله سبحانه وتعالي:

ففي الآية (٢٠) يقول الله عز وجل "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ. وتشير هذه الآية والله أعلم إلى الخلق الأول للبشر من التراب أي المرحلة اللاجينية واللا وراثية.

ثم يقول الله سبحانه وتعالي في الآية (٢١) "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ". وتشير هذه الآية إلى المرحلة الثانية في خلق البشر وهي المرحلة الجينية المعتمدة على التناسل ثم وراثة الصفات. وقبل الوراثة والجينات جعل الله أساس هذا التزاوج السكينة بين الذكر والأنثى ورغبة كلا منهما في الآخر في تحقيق هذه السكينة.

ثم بين الله في الآية (٢٢) اختلاف الصفات من شخص إلى آخر وجماعة إلى أخري على مستوي نفس النوع من الذكور أو الاناث مثل اختلاف اللون والألسنة حيث يقول الله سبحانه وتعالي "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ".

وقد أشار الله في آيات أخري في القرآن الكريم تفصيل المرحلة الأولي الترابية وهي مزج التراب مع الماء لتكوين طين لازب ثم تحويله إلى حمأ مسنون ثم إلى صلصال، ثم فخار، ثم تسويته على هيئة بشر ثم اعطاءه الحياة فيها بنفخ روح الله لتحويل هذا الفخار إلي خلايا حية علي هيئة أنسجة وأعضاء وأجهزة التي نعرفها بصورتها في خلقنا حتي الآن. ومن أمثلة هذه الآيات الآية ٢٨ من سورة الحجر حيث قال الله سبحانه وتعالي فيها "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ".


وفي آيات أخري بين الله سبحانه وتعالي تفاصيل المرحلة الثالثة وهي التكوين الجنيني للإنسان بعد تناسل الذكر والأنثى من وقت التقاء النطفة مع البيوضة وتزاوج امشاجهما سويًا حتى اكتمال الحنين وولادته. فقد ذكر الله في الآية ٢ من سورة الإنسان "إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا" والمعجز أن الله لحق كلمة النطفة بالأمشاج والتي تعني الكروموسومات والتي تم اكتشافها فقط منذ مئة عام تقريبا تحت ميكروسكوب علماء الغرب ومنهم العالم مورجان.

ثم أشار الله حياة البشر من النشأة إلي الممات ثم البعث في الآيات من ١٢-١٦ في سورة المؤمنون "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦). والمعجز أن ترتيب الخلق هنا في الآية من نطفة إلى علقة، ثم مضغة، ثم عظام ثم لحم ثم التسوية النهائية للجنين قبل الولادة هو ترتيب علمي دقيق والذي اكتشفه العلم القرن الماضي عند دراسة تطور تكوين ونمو الجنين.

وطبقًا لرد الملائكة أثناء الحديث الذي دار بينهم وبين الله سبحانه وتعالي في الآية ٣٠ من سورة البقرة عندما أخبرهم الله أنه خالق بشر ليكون خليفة في الأرض، نري اشارة واضحة أنه كان في الأرض خلق آخر قبل خلق سيدنا آدم وأن هذا الخلق كان شبيها بخلق البشر، ولكنهم كانوا فاسدين ويسفكون الدماء. فقد قال الله في هذه الآية "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" ولذلك اعتقد والله أعلم أنه كان هناك خلق آخر كالجن أو أشباه بشر على الأرض قبل خلق سيدنا آدم.

ويتضح أن هذا الخلق كان له نصيب من العقل وإلا ما اتهمتهم الملائكة بالفساد وسفك الدماء، فالحيوانات لا تُتَهم بقتلها بعضها البعض لأنها مبرمجة على ذلك بحكم جيناتها التي أودعها الله في جينومها قبل خلق الإنسان بكثير التي بحكمة بالغة تجعل من الحيوان إما أليفًا أو متوحشًا أو بين هذا وذاك، سواء يعيش في البر أو البحر أو الجو، وسواء كان صغيرًا بحجم البرغوث، أو القمل، أو الذباب أو العنكبوت أو كبيرًا في حجم الفيل أو الأسد أو النعامة. كما أن الحيوان لا يُتهم بالفساد لأن ليس لديه عقل. ولذلك فالاحتمال الكبير أن هؤلاء الفسدة وسافكي الدماء بقول الملائكة أنهم كانوا من الجن أو خلق آخر يشبهون البشر خاصة أن الله سبحانه وتعالي ذكر في الآية ٨ من سورة النحل أنه يخلق ما لا نعلم "ويخلق ما لا تعلمون".


فسبحان الله العلي العظيم الذي خلق كل شيء فأحسن خلقه في ميعاده ومكانه وزمانه في حكمة بالغة علمناها أو جهلناها. وكفي الإنسان شرفًا وفخرًا أن الله خلق الكون بما فيه من جماد ونبات وحيوان والجن وما لا نعلمه قبل خلق الإنسان كتكريم له الذي وهبه عقلا متميزًا يستطيع به تعمير الأرض بالخير والتكنولوجيا التي تنفع ولا تضر.


وسبحان الله والحمد لله رب العالمين.

مع خالص تحياتي

د. محمد لبيب سالم

أستاذ علم المناعة كلية العلوم جامعة طنطا




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

https://www.youtube.com/watch?v=vnHLE_Jb1tg

إقرأ المزيد من تدوينات د. محمد لبيب سالم أستاذ جامعي واديب

تدوينات ذات صلة