"وكأن لكلمات القرآن مستقبلات قرآنية على خلايانا لنشعر به فتسري معانيه في عروقنا لتهدأ قلوبنا وتطمئن"


القرآن الكريم معجزة في كل آية بل كل حرف فيه. إعجاز في اللغة والمعني وإعجاز في الكنوز العلمية التي يشير إليها أحيانا بأسلوب عام كما في الذرة وخلق الكون، وأحيانا أخري بالتفصيل كما في مراحل الجنين. ويؤمن المسلمون إيمانا قاطعا بالقرآن الكريم ايمانا نقليا وعقليا، ايمانا مستقر في القلب ويصدقه العقل.

وعلي عكس المسلمون هناك الكثير من البشر الذين يشككون في القرآن ولا يعترفون به. ولو أن القرآن لم يُنَزل من عند الله بواسطة سيدنا جبريل علي الرسول محمد ما كان للنبي أن يضع نفسه في خطر تحقيق الكثير من النبوءات العلمية والتاريخية والعسكرية التي ذكرها القرآن بعشرات أو مئات أو حتى آلاف السنين. ولكن الواضح والجلي والحمد لله أن كل ما ذكره القرآن من غيبيات في الزمن الماضي أصبحت حقائق في الزمن الحاضر مما يدل ويؤكد بالدليل العلمي أن القرآن حق والله حق ورسوله حق.

ولذلك فإن التقدم التكنولوجي الهائل الذي نعيشه الآن ولم يشهده من رحلوا عن الدنيا من خمسون أو مئة عام، لهو خير دليل علي صدق القرآن الكريم. فما بالنا من الذين عاشوا في عصر نزول القرآن وسمعوا ما سمعوا من آيات تشير إلى ظواهر علمية لا يعرفوا عنها شيئا من قريب أو بعيد. فإذا كان المسلمون الأوائل قد آمنوا بالله والرسول والقرآن، لأن الرسول كان يمشي بينهم بالقرآن والمعجزات، فإن إيماننا القوي يتأتى من التصديق بالرسول وما أوتي، وفي نفس الوقت بسبب التكنولوجيا التي أكدت لنا كل ما ذكره القرآن وفهمناه حتى الآن.

فقد أشار القرآن في العديد من الآيات إلي دقة الخلق في الجماد والنبات والحيوان والإنسان. وهذه الدقة في الصنعة لم تكن معروفة وقت نزول القرآن، بل كان مجرد ذكرها يمثل خيال علمي أو كان يُنظر اليها بأنها اسقاطات على أمور عامة في الحياة. فقد ذكر القرآن على سبيل المثال آيات كونية مثل حركة الجبال ودوران الأرض وخلق السماوات والأرض. وكذلك أشار إلى بيولوجيا النبات، ودورة حياة وموت النبات، واختلاف الزروع والثمار في اللون والطعم والرائحة رغم أنها تُسقي بماء واحد. وفي ذلك اشارة واضحة لعلم الوراثة والجينات والبيولوجيا الجزيئية.


وأشار القرآن أيضا إلى بيولوجيا خلق الحيوان وبيولوجيا خلق الإنسان وخاصة الجنين سواء أصله أو مكان أو مراحل تكوينه. وكذلك أشار إلى الجلد الذي يتبدل لكي تنمو أعصاب الاحساس. والأمثلة العلمية التي أشار اليها القرآن الكريم عديدة ومتنوعة. وقد أشار أيضا القرآن إلى العديد من الأحداث التاريخية الهامة والمحورية مثل هزيمة الفرس والروم على أيدي المسلمين، وهو الأمر الذي حدث بعد ذلك بسنوات وكذلك أحوال بنو إسرائيل والكثير من المواقف التاريخية الأخرى.

كل هذه الأمثلة تجعل القرآن في تحدي كبير من حدوث هذه الغيبيات وتحولها إلى حقائق، هذا بالطبع إذا كان القرآن ليس منزلا من عند الله. أما لأنه مُنزل من عند الله سبحانه وتعالي فقد ذكر الإشارات العلمية الغير مسبوقة في وقتها لكي تكون اختبارا لإيمان المسلمين آنذاك، ولكي تكون يقينا لنا نحن في هذا العصر الذي تحققت فيه كل هذه الإشارات العلمية والتاريخية التي كان يؤمن بها الناس قبل ذلك ايمانا نقليا.

والتكنولوجيا المعاصرة لم ترسخ إيماننا بالقرآن ولكنهـا جعلت ايمانا بالأحداث المستقبلية التي ذكرت فيه ايمانا عقليا مبني على الدلائل العلمية، مما يمثل سببا في جذب العقول الغير مؤمنة بالقرآن. ولم يكن للرسول الكريم محمد الذي نزل عليه القرآن ليتحمل هذا الحمل القرآني الكبير بما فيه من اشارات وآيات سابقة لعصرها إلا إذا كان يعلم علم اليقين أنه نبي مرسل وأن القرآن منزل من عند الله سبحانه وتعالي.


فكيف يضع نفسه في هذا التحدي اللغوي والعلمي والتاريخي والجغرافي مع الكفار بكل طبقاتهم إلا إذا كان متيقنا من كل كلمة أنها سوف تحدث. أما لو كان بشرا عاديا مدعي النبوة وليس رسولا (معاذ الله) فقد كان الأولي به والأيسر عليه ألا يأتي بهذه الآيات المسبوقة لزمانه حتي لا تتعرض رسالته إلي الهجوم وتنقضي مع الزمن كلما حدث تقدم علمي يناقض ما ذكره في كتابه.

أما لأن القرآن منزل من عند الله, فكلما مر الزمن وتقدمت التكنولوجيا وكشفت عن الكثير من أسرار الكون وبيولوجيا الكائنات الحية من نبات وحيوان وانسان, تصبح التكنولوجيا برهانا علي اليقين بأن القرآن من عند الله ودليلا للذين لا يؤمنون بالله أن يفكروا في الإيمان بهذا الخالق العظيم الذي أشار بدقة لأمور علمية وتحقق ما أشار إليه بعد آلاف السنين. وبالطبع ما زال هناك العديد من الاشارات التي لم يستطع العلم أن يكشف عنها حتى الآن.

القرآن مصدر غير عادي من لغة وعلم وأدب وأخلاق للناس أجمعين. وفوق كل ذلك هو مصدر روحاني للراحة النفسية التي يشعر بها كل من يستمع اليه سواء فهمه أم لا وكأن لكلمات القرآن مستقبلات قرآنية على خلايانا لنشعر به فتسري معانيه في عروقنا لتهدأ قلوبنا وتطمئن ونشعر بالسلام النفسي وراحت البال لأننا في معية الله.

جعل الله القرآن شفيعا لنا يوم القيامة.

مع خالص تحياتي

ا.د. محمد لبيب سالم

كاتب وروائي وعضو اتحاد كتاب مصر

[email protected]


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

شرح محترم لمنظور استاذ صاحب انجازات علمية راقية بارك الله فيكم وجزاكم خيرا ايهاب كمال محمد استاذ - علوم عين شمس

إقرأ المزيد من تدوينات د. محمد لبيب سالم أستاذ جامعي واديب

تدوينات ذات صلة