هل كان عليكم أن تكذبوا علينا...؟؟ أم كان عليكم أن تضمنوا عدم مغارتنا عصوركم الجاهلية التي تفخرون بعبائتها...؟!

إستيقظتُ هذا الصباح وانا اشعرُ بسعادةٍ عارمة...اليوم هو اليوم المنتظر...

اليوم الذي سأحتفلُ به بتخرجي من الجامعة, بعد أربعِ سنواتٍ من العمل الشاق...اخيراً لن أكون طالبةً تقضي نهاية الأُسبوع في دراسة الكُتبِ القديمة, وحفظ العديد من التعريفات لمُصطلحاتٍ لم تعد تُستعمل الآن ولا أفهمها على أية حال, ولكن علي حفظها رغم ذلك...!


لا مزيد من المٌحاضرات والصفوفِ المٌملة التي تأخذُ وقتي كُل يوم في الاستماع لِتُرهاتٍ نَظرية لا تمدُ لمُتطلباتِ العملِ بشيء, والنصف الآخرُ منهل للإستماع لِآراءٍ شخصية وسيرٍ ذاتية للمُدرس.

لا مزيدَ من الإستيقاظِ باكراً والتوجه الى الجامعة, وسماع العديد من التحرشاتِ اللفظية لشبابٍ جاهل قادم الى الجامعة لكي يُفرز ما تمَ كبتهُ داخله طوال السنوات التي كان يقضيها في الدراسة في مدارس للأولاد فقط, وها هو الآن لا يستطيع كبحَ غرائزه التي أُثيرت لمجرد رؤية فتاةٍ تحمل كُتبها وتتجه الى الصف...!

لا مزيدَ من الجلوس لساعاتٍ طويلة في الحافلات العمومية التي يجلسُ فيها نصف الشعب تَقريباً, في تجاهلٍ واضح من السائق بأرواح الرُكاب الذين يراهم كقطعِ نُقودٍ تركب عربته.

لا مزيد من شراء الكُتب التي تحمل معلوماتٍ غربية, و منقولة بالطبع لموضوعاتٍ مُتشتتة مُرتبطة بموضوع دراستي من جانب أو آخر, وعلى أن أحشوها في ذاكرتي كي أجتاز إمتحاناً صُممَ للروبوت الآلي, للتأكُدِ من حفظه للأموار التي يتمُ نسخها على ذاكرته..!


حيث أنك لستَ بحاجةٍ لأن تُبدي رأيك فيه, أو أن تصوغَ ما فهمت أو ما وصلت إليه من تحليلاتٍ, كُلُ ما عليك فعلُه أن تُثبت أنك حفظته.

لا مزيدَ من الوقوف في الطوابير لدفع قسطك الجامعي الذي يبلغُ الكثير والكثير الكثير اذا كُنت من دولة أُخرى, مُقابل خدمةٍ تعليمية رديئة ومرافق سيئة, وكُتبٍ ومعلومات عثا عليها الزمن ولا تُعاصرُ الحاضر ولا تتصور المستقبل, وطاقم تدريسي يُعاني من مختلف الأمراض النفسية المُستعصية, منهم الأغبياء اللذين حلموا بفرصة التحدث على الملأ, والآن لديهم ساعة أو أكثر من الوقت ليتحدثوا عن تُرهاتهم الفكرية وفلسفتهم الرجعية لبضعةٍ من الطُلاب يحتاجون تلك البطاقة (الشهادة الجامعية) التي تسمح لهم بالعبور لشط الوظائف المأمول ...


لا مزيد من الضُغوطات الإجتماعية لإختيار الإختصاص المطلوب , أو لإختيار الاختصاص الذي يحملُ الفخرَ لذويه اكثر, لا مزيد من تَحطيمِ أجنحةِ الموهوبين ودفن طموح الرائدين ليتم وضعها في مُعلباتٍ إجتماعية.

الجامعة انتهت...


أنا الآن فتاةٌ تحملُ بطاقةً, تُشيرٌ إليها بالمٌتعلمة, انني مثقفة, مهلاً...انا ايضاً ذكية, فلقد تخرجتُ بمعدل عاليٍ أيضاً...!!

سوف أحصدُ الوظيفةَ التي أحلمُ بها, سوف أصبحُ غنية, وأبتاعَ تلك العربة التي حلُمت بها....


ها أنا الآن أستعدُ صباحاً بعد يومي الثالث من تخرُيجي من جحيمِ التحجيمِ الجامعي, أفتحُ حاسوبي لأتفقدُ بريدي الإلكتروني, بعد أن قُمتُ بإرسال سيرتي الذاتية للعديد من الوظائف التي تتناسبُ مع شهادتي الجامعية, وحرصت أن أضع بالبُنط العريض أنني تخرجتُ بمعدلٍ مُمتاز من جامعتي.

نعم أنا الفتاة المجتهدة والذكية, هذا ما تشيرُ لهُ علاماتي الدراسية التي حصدتها بحفظ الكثير والكثير من المعلومات, نعم المعلومات وليست المهارات...!


لا شيء... لا يوجد رد...لا بأس...غداً سوف يتصلون بي لتحديدِ مُقابلةٍ معي, فلقد أنفقتُ الكثيرَ من مال والدي, والكثير من وقتي وجهدي خلال أربعِ سنواتٍ لأحصُلَ على شهادةِ العبور لوظيفة الأحلام...


بعد مرور عدة أشهر...


لا يوجدُ ردٌ أيضاً, لا وظيفة لي...!

اه كم أحقدُ على مُعلمي حين أخبرني أن علي أن أدرس بجد لأحصل على وظيفة الاحلام, ومُعلمتي تلك التي اخبرتني أن أبذُلَ جُهداً مُضاعفاً للحصولِ على علاماتٍ عالية.

ماذا سوف أفعل...؟!

ها أنا الآن أتفقدُ بريدي مرة أخرى, لا يوجد رد....

على مكتبي الصغير العديد من الأوراق البيضاء...تُطالبني بأن أُفرغ غضبي عليها...أخذتُ قلمي الذي إعتدت أن أُطلقَ عليه قلمُ الحظ, الذي ساعدني على إجتياز أهم اختباراتي الجامعية....


رسالة الى النظام التعليمي العربي تحديداً:

الذي يملىءُ عقولنا بالسخافات الفكرية, المسؤول عن إنتاج جيلٍ لا يحمل الوعي والذكاء الاجتماعي, والثقافة والمهارات والقدرات الإبداعية, وحتى ثقافة العمل, النظام الذي أَبدع في تحويل عُقولنا المُبدعة الى سلةِ قُمامة تحوي العديد من المعلومات غير القيمة...هنا وهناك...

النظام التعليمي الذي يُخولُ بناء جامعاتٍ تخلو من التكنولوجيا والتطور, التي تضمُ العديد من الخطط والمواد الدراسية التي تواكب العصور الجاهلية, الكُتب التي تحملُ معلوماتٍ سُرقت أو أستُنسخت من مراجعٍ غربية لا تتلاءم وتتكيف مع واقع ومتطلبات سوق عمل الدولة الحاضنة للنظام التعليمي ...

النظام التعليمي الذي يسمح لشخص معدوم الثقافة, وأسلوب التعامل مع الطلبة, ورغبة التعالي في محاولة للتستر على فقدان الثقة , وأحقادٍ داخلية مجهولة الجذور بأن يكون مسؤولاً عن تأهيل طالبٍ لمركزٍ وظيفي مُعين, مسؤولٍ عن تكون الإطار المعرفي لوظيفة ما تؤثر في المجتمع..!

كيف لكم أن تخدعونا, وتستخدمونا كسلعة تتقاضون أجر تدمير مُعتقداتها وأفكارها الخاصة, تحت إطارٍ جمعيٍ مُوحد, تحت غطاء التعليم المقدم وانتم لا تقدمون لنا المعرفة, ولا التعليم, ولا القدرة على العمل...وفيما بعد تُخرجونا الى البطالة التي تأكل الروح شيئاً فشيئاً...!

لماذا لا تقولون الحقيقة, وتنصحونا بأن نحفظ أمولنا, ولا نستثمرها في مشروعكم الفاشل الذي تسمونه التعليم الجامعي...!


تباً لكم....!


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات مدينة الياسمين

تدوينات ذات صلة