"لكي نكون منصفين علينا أن نقرأ أعمال من سبقونا في العصور السالفة بفكر ومعلومات زمانهم وليس بعلوم زماننا"

عندما نشر تشارلز داروين (1809-1882) كتابه "أصل الأنواع" سنة 1859 ألهب هذا الكتاب فكر العديد من العلماء لاختبار فرضيته ومعرفة السبب العلمي وراء تشابه أبناء الحيوانات مع الأبناء، بل ومع الجدود. ومن الذين اختبروا ذلك عمليا ابن عمه فرانسيس جالتون (1822-1911) الذي قام بنقل الدم من أرانب سوداء إلى أرانب بيضاء ظنا منه أن الدم هو المسؤول عن نقل الصفات الظاهرية. وعندما ظل يلاحظ لون الأرانب البيضاء لفترة طويله لم ير أي تغير في لونها أو أبنائها بعد زواجها.

وبعد فشل هذه التجربة لجأ إلى تجربة أخري وهي قطع ذيل الفئران لعدة أجيال لعلها تستطيع أن تتكيف وينموا ذيلها مع الوقت كما كان يظن داروين ولامارك. ولكن أيضا لم تنموا ذيول الأرانب. وقف فرانسيس متحيرا ضاربا كفا علي كف وهو يحاول أن يجد إجابة على السؤال الصعب آنذاك "ما هو السر البيولوجي في الكائن الحي الذي يجعل الأجيال من نفس النوع تشبه بعدها البعض؟".

علينا ألا نستهزئ من فرانسيس ابن عم داروين من تفكيره في نقل الدم أو قطع ذيل الفئران أو أي تجربه أخري قام بها لأن لا هو ولا داورن ولا العالم القريب منه لامارك لأن مصطلح الخلية ولا شكلها ولا تركيبها كان معروفا وقتها. تخيل نفسك تعيش في هذا الزمن في الفترة من 1800-1860, ماذا كنت بفاعل وأنت تتأمل خلق الله من نباتات وحيوانات حولك. هل كنت ستخرج بنظريات بعد دراسات مضنية، ماذا تفعل وليس لديك أي من معلومات وتكنولوجيا اليوم.

وعلينا ألا ننسي رحلة داروين الشهيرة التي أبحر فيها مع سفينة بيجل البريطانية إلى سواحل أمريكا الجنوبية ثم بعد ذلك إلى استراليا مرورا بأفريقيا عبر طريق رأس الرجاء الصالح ثم العودة إلى بريطانيا من نفس الطريق. الرحلة التي استمرت 5 سنوات وأستطاع داروين أن يعود إلى إنجلترا ومعه آلاف الحيوانات والنباتات الغريبة من هذه المناطق ليعكف على دراستها ويقارنها.

بالطبع كان عملا كبيرا ومجهودا هائلا أعطي الفرصة للعديد من علماء البيولوجيا في عصره في الاضطلاع على كائنات حية جديدة عاشت في بيئات مختلفة.

علينا أن نقرأ أعمال السابقون بلغة وفكر ومعلومات زمانهم وليس زماننا.

ومازال للحديث بقية طويلة ومفصلة ...


مع خالص تحياتي

د. محمد لبيب سالم

أستاذ علم المناعة كلية العلوم جامعة طنطا

www.mohamedlabibsalem.com


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

https://www.youtube.com/watch?v=vnHLE_Jb1tg

إقرأ المزيد من تدوينات د. محمد لبيب سالم أستاذ جامعي واديب

تدوينات ذات صلة