الفارس لا تذهب فروسيته ولو هلك فرسه. فالفارس أمير وتاجه الأخلاق والرجولة والشهامة والقوة والحنان.

حين يتعامل الفارس مع فرسه يجد منها القوة واللين ، والإندفاع بجرأة والتراجع بحكمة ، والإخلاص لفارسها والثبات تحته وبجانبه وإن هلك. الفارس يظل يتعلم من فرسه حتي يصبح فارس الفرسان. ولذلك فهناك سلاح الفرسان في الجيش. وبالرغم من عدم اشتراك الخيل في الحروب الحديثة ، إلا أن لها دور البطولة في معارك أخري كما أنها رمز للفروسية يتعلم علي ظهرها كل فارس في الحق مغوار.


والفرو سية أخلاق وتربية وعلم فيه نبل وعلوٌ عن الصغائر وإلتصاق بالحق وإعتزاز بالنفس وإحترام وتقدير للآخر ولو كان عدوا. الفروسية في السلم سلام وإطمئنان ،وفي الحرب نبل في الهزيمة والإنتصار. ولهذا سادت أخلاق الفروسية في كل العصور التي كان فيها الفارس علي الفرس بطلا في الحرب والسلام. عندما كان الكل فارسا نبيلا يُقوي ويُعضد من معه ولا يَعُض من عليه من وراء ستار ، بل يواجهه وجها لوجه ، ويحاربه إن إحتدم الأمر ، أيضا وجها لوجه. فالفارس لا يطعن من الخلف ،ولا يمثل بعدوه إن هزمه ، ولا يسخر منه إن ناله. ويظل الفارس يواجه ويحارب علي أرضه أو أرض غيره أو حتي أرض عدوه في نبل وقوة وعزيمة من أجل حق وليس لغرض الإنتصار.


وعندما غابت الفروسية إنهزمت الأخلاق والقيم النبيلة وساد الغدر والغيبة والنميمة والشكوي والشكاوي من وراء ستار أو جدار. سادت مصلحة الأنا واندثرت مصلحة الحق وحاجة العوام. أصبحت خيول الحق والنبل بلا فرسان.والفروسية اعلي درجة من درجات الرجولة والوطنية. فالفارس لا تعنيه نتائج المعركة ولكن يضحي بحياته من اجل المعركة ليحمي الوطن.


وفي معركة السادس من أكتوبرالمجيد في 1973 كان كل الجنود والقادة فرسان من الدرجة الأولي ، ولذلك كان الانتصار بنبل ، ومعاملة الأسري بنبل والعودة إلي السلم بنبل . فالفارس يحارب من أجل المبادئ وليس من أجل المصالح . ولهذا نجحت الفتوحات الاسلامية في الشرق والغرب لأن الفرسان آنذاك كانوا فرسانا من الدرجة الأولي وبإمتياز .


والفروسية أبدا لا تموت , بل هي مكون من مكونات النفس السوية. هي فقط قد تنزوي وتتقوقع ثم تغار في لحظة علي نفسها فتنقض وتصول وتجول وتعوض مافات. فكل نفس فيها فارسها النبيل ، فارس أبي شجاع ، فارس يحتاج أن نخرجه من حبسه ونهيأ له فرسه الساكنة في حظيرة وأغوار النفس.


وكم هناك حوالينا في الوطن من فرسان ضحوا بأنفسهم من أجل الآخر. فرسان لم يفروا من خطر الميدان بل صابروا وثبتوا ، فمنهم من نال الشهادة عن حق ومنهم من أعطاه القدر فرصة أخري ليعطي للآخرين درسا عمليا في أصول الفروسية.


حقا , الفارس لا تذهب فروسيته ولو هلك فرسه.


تحياتي

ا.د. محمد لبيب سالم

أستاذ علم المناعة كلية العلوم - جامعة طنطا

وعضو اتحاد كتاب مصر

[email protected]


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. محمد لبيب سالم أستاذ جامعي واديب

تدوينات ذات صلة