الحضارة هي ارتقاء بالاخلاق قبل الاجساد المحسوسة، فاذا فقد الانسان هويته الأنسانية، غدا كالبهيمة .

شاهد جماهير العالم افتتاح أولمبياد باريس ٢٠٢٤، وقد اختزن في عقول معظمهم افتتاح مبهر يعبر عن ثقافة الدولة المضيفة، وإرساء القيم الإنسانية والتحليق بالمشاهدين والمتابعين عبر شاشات التلفاز أو عبر الانترنت إلى عوالم الحرية الحقيقية التي نادت بها فرنسا وسبقت مجتمعات العالم بأسره يوماً ما وكسرت طوق عبودية جهل وتخلف العصور الوسطى، والارتقاء بذوقهم وتقديم محتوى تستفيد منه المجتمعات الإنسانية، ويطرح القضايا الهامة التي تشغل الرأي العام العالمي، لكن الصدمة التي اعترت الوجوه في حفل الافتتاح، وبدا الاستهجان والغضب والذهول من فقرات الحفل والرسائل التي أراد منظموه إرسالها للعالم بدت جلية ومنتقدة بشدة.

الاستهزاء بالدين لم يكن في يوم مادة تستهوي ذوي الألباب، إلا أولئك الذين لا يعنيهم الدين في شيء ولا يرون فيه منظماً جوهرياً لحياتهم، فقرة العشاء الأخير وما شابها من عري وشذوذ وانحلال كالترويج للمثلية والبيدوفيليا والبهيمية، بتصوير الدين المسيحي بصورة سيئة واختزاله في إيماءات وإيحاءات تسقط ورقة التوت الأخيرة لأي ذرة من احترام للأديان أو بقية من حمرة خجل! وما تعلمناه واحتفظت به ذاكرتنا من معرفة دينية أولية، وما هو مغروس في دواخلنا أن المسيحية التي جاء بها نبي الله عيسى عليه السلام بريئة من تصورات قبيحة وأفكار مشوهة تنم عن أزمة أخلاقية وعقائدية وقيمية يعيشها الغرب، ومن أراد تسويق رؤية شاذة خارج منطوق الفطرة السليمة، وتجاوز للطبيعة الإنسانية الصافية، التي جبلها الله على السمو والترفع عن كل انحطاط وهرولة خلف النزوات والإنحرافات الخطيرة، والتي قد تجر الإنسان إلى مراتب مخالفة لطبيعته، وتفجر في داخله نوازع وشهوات تشق عصا الأعراف الآدمية.

أولمبياد باريس أطلقت العنان لكل فكر منفلت من عقاله، يشطح شطحات تلغي انضباط السلوك والتهذيب العقلي، وتركز على إشباع أهواء الجسد حتى الثمالة والتعلق بالماديات، وتهمش الروحانيات وانحباسها في قمقم الإنكار للفطرة الإنسانية الصحيحة، وتهيء الأسباب للإنسلاخ من بوتقة المنطق والفهم والإدراك الوجداني لأبسط لوغاريتمات التفكر في الإعجاز الإلهي في النفس والكون.

والإنسان صاحب التفكير النقي يرفض أي انحراف عن جادة الصواب، مستعيناً بالدين الذي يقوم أفكار عقله، ويجعله قادر على التمييز بين الصواب والخطأ، فالجنوح المقصود للسخرية من الدين يشرع الباب على شرور لا قبل للإنسان الذي أضاع هوية فطرته الحقة بها، ويقذفه في جحيم اللاوعي، فما شاهده ملايين البشر من الحط من قدر المسيحية إن هو إلا سقطة في سابع أرض، وكمسلمين أمرنا عز وجل أن نؤمن بجميع الأنبياء والمرسلين ولا نفرق بينهم، لأنها من أهم أركان الإيمان، وكما نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم نحن أيضا أمة عيسى عليه السلام، لا يهون علينا إصرار المجتمعات الغربية وغيرها التقليل من قيمة وقدر هذا النبي الكريم، وفي تصورنا لم يهان نبي على مر العصور مثل الإهانة التي يتعرض لها نبينا عيسى عليه السلام، فنحن نحبه ونؤثره على النفس والمال والولد ونرد عنه الافتراءات، التي ما انفك الحاقدون والسفهاء إلصاقها به، حاشاه فقد كرمه جل في علاه وجاءت سور كثيرة تظهر علو مكانته وشأنه، ولا يختلف المسلمون على حبه وتقديره والذود عنه.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات خولة الكردي

تدوينات ذات صلة