"الخيال العلمي هو مصالحة بين الأدب والعلم، يقوم أحدهما على الخيال، والآخر على التجربة والاستقراء".


الخيال العلمي هو خيال ممزوج بالحقائق العلمية والرؤية التنبئية. تخمين واقعي عن الأحداث المستقبلية المحتملة، تم تأسيسه على معرفة كافية بالعالم الخارجي والماضي والمستقبل، وفهم الطريقة العلمية.


يقول ألبرت أينشتاين "الخيال أهم من المعرفة، بالخيال نستطيع رؤية المستقبل". ويقول د أحمد زويل: "الجميل في أمريكا أن الخيال لا يُقتل وليست له حدود وكل المؤسسات تشجعه، والعالم الحقيقي المحب لعلمه لابد أن يحلم، وإذا لم يتخيّل العالم ويحلم سيفعل ما فعله السابقون ولن يضيف شيئا". ويقول كاتب المستقبليات الأمريكي ألفن توفلر Alvin Toffler إن" قراءة الخيال العلمي أمر لازم للمستقبل.

ثيمات أدب الخيال العلمي

تمثل ثيمة اللعب على الأبعاد المكانية والزمانية ومحاولة الخروج منها واختراقها واحدة من أبرز هذه الثيمات التي يدور حولها أدب الخيال العلمي. من أمثال الثيمات: السفر عبر الزمن سواء للماضي أو للمستقبل، أو محاولة معرفة نهاية العالَم، وكذلك الغوص في أعماق الأرض أو البحار أو ضياع هذا البعد المكاني. ولا ننسى أن أدب الخيال العلمي حِفلَ بأفكار الإنسان المثالية كالفردوس المفقود والمدينة الفاضلة Utopia لتوماس مور وغيرها. هذه الثيمات لا تكاد تنفصل عن العلم إلا قليلاً - ما ذهب منها للفانتازيا - مما يتوجب على كاتب الخيال العلمي أن يلم بأساسيات العلوم لكي يسطّر قصته، حتى لا تكون ضرباً في الفنتازيا البعيد عن العلم

دور العلوم في أدب الخيال العلمي

وتلعب تكنولوجيا الإنسان الآلي Robot دوراً بارزا في قصص الخيال العلمي ، بل لقد تخصص أحد الكتّاب في هذا النوع من القصص وهو الكاتب الأمريكي الشهير اسحاق عظيموف Isaac Asimov . ولعلم البيولوجيا يد طولى في قصص الخيال العلمي خصوصاً مع التطورات التي لحقته من الاستنساخ إلى الخلايا الجذعية Stem Cells مروراً بالهندسة الوراثية ومشروع الجينوم البشري Human Genome Project ، وحاليا نحن في مشروع البروتيوم البشري Project Human Proteome . كما أن الغرباء الذين يأتون من الفضاء على متن أطباق طائرة تلعب دوراً بارزا أيضا في قصص الخيال العلمي

كما يلعب علم الفيزياء دوراً مركزياً في إمداد كتّاب الخيال العلمي بأفكار القصص، فتأتي النظرية النسبية Theory of Relativity لأينشتاين في مقدمة هذه الإمدادات من خلال معضلة التوائم والسفر عبر الزمن سواء ً الرجوع للماضي أو الذهاب للمستقبل ، وكذلك اختراق الفضاء عبر الثقوب الدودية وغيرها . ورواية "آلة الزمن" لهربرت جورج ويلز لا علاقة لها بالنظرية النسبية لأينشتاين، حيث نُشرت الرواية عام 1895م أي قبل إعلان أينشتاين لنظريته بعشر سنوات كاملة (أعلن اينشتاين عن نظريته النسبية الخاصة عام 1905م). وتأتي نظرية الكم Quantum Theory - النظرية التي تشكل مع النسبية أهم نظريات الفيزياء الحديثة - لتقدّم أفكاراً ثرية من عينة الانتقال الآني Teleportation والتواريخ البديلة Allohistory والأكوان المتعددة Multiverses والعوالم المتناهية في الصغر.

أمثلة لبعض كتاب الخيال العلمي

هيربرت جورج ويلز (1866-1946): أديب بريطاني وأشهر أدباء الخيال العلمي صاحب روايات (الرجل الخفي وآلة الزمن وحرب العوالم)، كان رجل علم من الطراز الأول، فقد نال ويلز درجة علمية كبيرة في (علم الحيوان) من جامعة (لندن) عام 1890م، ثم عمل فيما بعد مدرساً لنفس العلم وفي نفس الجامعة. درس علم الأحياء لدى عالم الأحياء المعروف ت. هـ. هاكسلي واشترك في حلقات علمية وكتب في مجلة الجامعة العلمية. نشرت روايته الأولى عام 1895 وحملت عنوان آلة الزمن وروايته الثانية عام 1896 بعنوان "جزيرة الدكتور مورو" عن عالم مجنون يحول الحيوانات إلى كائنات بشرية. عام 1897 نشر الرجل الخفي عن عالم ينجح بإخفاء نفسه ونشر حرب العوالم عام 1898 عن غزو كائنات مريخيه للأرض. روايته أول رجال على سطح القمر تعتبر تنبؤاً في أساليب ريادة الفضاء.

د. مايكل كرايتون (1942-2008): كاتب امريكي درس في جامعة هارفارد وتخرج سنة 1964 ثم نال درجة الزمالة في معهد سولك في كاليفورنيا، أمريكا وعمل في معهد العلوم الطبية (اساتشوستسي). وأثناء عمله طبيبًا كان يكتب روايات وألف العديد من الكتب بما فيها "حديقة جوراسية" الذي جرى تجسيده في أفلام الخيال العلمي، و "سلالة أندروميدا". قام بإخراج وإنتاج بعض الأفلام التي كتب هو قصتها وقد بيع من كتبه أكثر من 150 مليون نسخة حول العالم فهو واحد من أشهر كتاب الخيال العلمي تكون أعماله عادة ممتلئة بالإثارة والتشويق لكن له أيضاً عدد من الروايات الدرامية.


طالب عمران (1948~):

روائي سوري وشخصية عربية رائدة في مجال أدب الخيال العلمي. حصل على درجة الدكتوراه في الهندسة والفلك - جامعة عليكرة – الهند.. دكتوراه في كليّة الهندسة المدنيّة – جامعة دمشق. عمل محاضراً بكلية الهندسة جامعة دمشق. اشتهر عمران بغزارة إنتاجاته الأدبية في ذلك الشأن، مثل (العابرون خلف الشمس، وليس في القمر فقراء، ومحطة الفضاء، شحنة الدماغ والسبات الجليدي). عضو اتحاد الكتاب العرب منذ عام 1980. عضو اتحاد الصحفيين العرب منذ عام 1978. عضو الجمعيّة السوريّة لتاريخ العلوم منذ عام 1989. مدير ورئيس تحرير مجلّة المعلّم العربي من عام 2005 حتّى 2009. أسّس وأدار الفضائيّة التربويّة السوريّة منذ عام 2007 ومجلّة الخيال العلمي ويرأس تحريرها منذ عام 2008 حتّى الآن. كما أسّس وترأس تحرير مجلّة الأدب العلمي التي تصدر عن جامعة دمشق. ورئيس رابطة "كتّاب الخيال العلمي العرب" التي أسست في يونيو 2007.


د. أحمد خالد توفيق 1962 – 2018:

صاحب مقولة “هناك عبارةٌ يقولها (ر. ل. شتاين): أريد أن أكتب على قبري "جعل الأطفال يقرأون” … أمَّا أنا فأريد أن يُكتب على قبري “جعل الشباب يقرأون”. طبيب، وكاتب، ومؤلف، ومترجم مصري. يُعد أول كاتب عربي في مجال أدب الرعب. بدأت رحلته الأدبية مع كتابة سلسلة ما وراء الطبيعة، ورغم أن أدب الرعب لم يكن سائدًا في ذلك الوقت، فإن السلسلة حققت نجاحًا كبيرًا، واستقبالًا جيدًا من الجمهور. ما شجعه على استكمالها، وأصدر بعدها سلسلة فانتازيا عام 1995، وسلسلة سفاري عام 1966. في عام 2006، سلسلة دبليو دبليو دبليو. فاز بجائزة الرواية العربية في معرض الشارقة الدولي للكتاب 2016. ارتبطت أعماله دائمًا بالطب، حتى أنَّ أشهر أبطال قصصه الدكتور رفعت إسماعيل هو بطل سلسلة ما وراء الطبيعة، وأُسطورة مصاص الدماء، سلسلة فانتازيا، سلسلة سافاري، سلسلة روايات عالمية للجيب، سلسلة رجفة الخوف، وأخيرًا سلسلة WWW التي انتهت عام 2006، حتى أنَّه يُعدُّ أول كاتب عربي يشتهر في مجال أدب الشباب والفانتازيا والخيال العلمي، ولقبه الكثير من الشباب الذين ترعرعوا على كتاباته بـ”العراب”.

أدب الخيال العلمي واستشراف تكنولوجيا المستقبل

الخيال العلمي وتأثيره حياتنا اليومية في السينما والأدب على منجزات الإنسان العلمية المختلفة قد يشكك البعض في تأثير هذا النوع من الأفلام والأدب في العلم الحديث، لكن كثير من إنجازات العلم والتي باتت جزءا عاديا من حياتنا اليومية إنما كانت من وحي أفلام الخيال العلمي وأدبه. والعلاقة بين روايات الخيال العلمي والواقع تطرح سؤالا مهما "هل أدب الخيال العلمي هو مجرد قصص وروايات أم تنبؤ واستشراف لتكنولوجيا المستقبل". سؤال كبير يراود كثير من أدباء وعلماء العصر بعد أن تحولت الكثير من أعمال أدب الخيال العلمي إلى تكنولوجيا تشبه تماما مثيلتها التي توصل إليها العلم ونستخدمها الآن في حياتنا اليومية. بل أن بعض الأحداث الكبري مثل جائحة كورونا التي اجتاحت العالم في نهاية عام ٢٠١٩ واستمرت طيلة العامين قد تم وصفها في العديد من الأعمال الأدبية.

وإذا سألنا هذا السؤال الكبير لعامة القراء من قبل مئة وخمسون عاما ستكون الإجابة هي استحالة تحول هذا الخيال العلمي إلى واقع يعيشه الناس. ورغم وصف هذا النوع من الأدب بالعلمي، أي قد يكون ليه أساس علمي أو فرضية علمية، فإن هذا الوصف ليس معناه بالطبع أن تتحول أحداثه إلي علم حقيقي. ولكن عندما نحلل أعمال أدب الخيال العلمي منذ بداياته في القرن التاسع عشر حتى الآن سنجد أربع ملحوظات أساسية، ولكنها مهمة جدًا. الملحوظة الأولي هو تحول معظم أعمال أدب الخيال العلمي إلى واقع ملموس سواء في صورة تكنولوجيا متقدمة نستخدمها في حياتنا اليومية. الملحوظة الثانية هي قصر الفترة بين ظهور العمل الأدبي المعتمد علي الخيال العلمي وتحويلة إلى واقع نعيشه من مئة عام إلى بضع سنوات قليلة أو إلى مجرد عدة شهور. الملحوظة الثالثة هي تشابه الفرضية العلمية المطروحة في العمل الأدبي مع الأساس العلمي للتكنولوجيا التي تحققت على أرض الواقع. الملحوظة الرابعة هي أن تكنولوجيا الوا قع التي تشبه مثيلتها في أدب الخيال العلمي تتطور بطريقة سريعة لتصبح أكثر تطورا وتقدمًا مع الوقت.


امثلة لروايات من أدب الخيال العلمي التي تحققت

سفن الفضاء

لوقيانوس السوري (أو لوسيان) - وهو رجل أصله من سورية وعاش في مدينة روما في القرن الثاني للميلاد وكان خطيبا متجولا ومحاميا وكتب بالإغريقية كتابا أطلق عليه اسم قصة حقيقية - يعتبر أول من كتب محاولة قصصية لطرح فكرة السفر إلى القمر في التاريخ. ومن قصة "سومينيون" للألماني "يوهان كبلر" (في القرن 17 م) إلى "من الأرض إلى القمر" للفرنسي "جول فيرن" (القرن 19 م) وغيرها من قصص الإنكليزي " جي إتش ويلز" (القرنان 19-20) نجد أن فكرة السفر إلى الفضاء كانت مطروحة بشكل كبير في الخيال العلمي قبل أن ينطلق أول كائن إلى الفضاء مع الكلبة لايكا التي أطلقها الروس عام 1954، وأول رائد فضاء في مدار حول الأرض، وهو يوري جاجارين عام 1961.

أجهزة الهاتف المحمول

"مات ستيفن" مصمم المؤثرات والخدع الخاصة والذي له أيضا أكثر من مئة كتاب ومقال في مختلف فروع العلوم، يبرز حقيقة أن أجهزة الهاتف المحمول التي نستعملها كل يوم إنما كانت من وحي الخيال العلمي، وهي تشبه جهاز الاتصال الذي استخدم في سلسلة "ستار تريك" التلفزيونية الخيالية. وهذا صحيح، فمخترع الهاتف المحمول د. "مارتن كوبر" يعزو اختراعه إلى جهاز "تي إس للاتصالات" في "ستار تريك". ولا شك أن أجهزة كثيرة أخرى مثل جهاز تحديد المواقع عبر الأقمار الاصطناعية وتحديد الحركة عبر شرائح موجات الراديو وغيرها إنما ظهرت أولا في الخيال العلمي.

الأقمار الاصطناعية

منظومة الأقمار الاصطناعية التي نعتمد عليها الآن في اتصالاتنا وبث قنواتنا التلفزيونية، بل والتجسس على بعضنا، إنما اقترحها أول مرة كاتب الخيال العلمي البريطاني الراحل (2008) "آرثر سي كلارك" عام 1945 قبل إطلاق أول قمر اصطناعي (سبوتنيك الروسي) عام 1957.

طاقية الإخفا

"مات ستيفن" يبرز أفكارا أخرى كانت من وحي الخيال العلمي مثل التيليبورتيشن (انتقال الجسم المادي من مكان إلى آخر كانتقال الإشعاع) وطاقية الإخفاء. وفكرة انتقال الأجسام ظهرت في أفلام كثيرة مثل "الذبابة" The Fly و"ستار تريك" Star trik" والمبيد (Terminator) وغيرها باتت حقيقة علمية الآن، وإن كان العلماء يؤكدون أنهم نجحوا في ذلك لكن على مستوى نقل ذرة من مكان إلى آخر، ويأملون في زيادة حجم الأشياء التي يمكن نقلها بهذه الطريقة لتصل إلى حجم الإنسان.. أو الدبابة مثلا. فكرة الاختفاء بارتداء رداء خاص (ظهرت مثلا في فيلم "هاري بوتر" ومعروفة في تراثنا العربي منذ القدم بطاقية الإخفاء) أيضا نجح العلم في تحقيقها مؤخرا بجعل ساتر خاص حول جسم ما بحيث لا يرتد عنه شعاع الضوء فلا يظهر لعين الناظر، وإن كان ذلك يطبق على أجسام صغيرة حتى الآن.

الإنترنت

: ترجع قصة From The "London Times" الي مؤلف القصص الأمريكي مارك توين قد وصف الإنترنت كما نعرفها اليوم في قصته London Timesالمنشورة عام 1904! وصف توين جهازا هاتفيا أسماه "تيليكتروسكوب" يوصل الكون كله معا، بحيث إن ما يفعله شخص ما في مكان ما، يصبح مرئيا لباقي العالم، وبحيث يمكن لباقي الأفراد أن يناقشوه أيضا بينما هم على مسافات بعيدة. أليس هذا بالضبط ما تفعله الإنترنت، وتحديدا فيس بوك؟ الأكثر من هذا أن هذه القصة كتبها عام 1898!

القنبلة الذرية

: ان المؤلف لهذه القصة وما تم وصف هذه القنبلة التي كانت من نسج الخيال العلمي نراها حقا تماما كما قال في كتاب الخيال العلمي الشهير للروائي هـ. ج. ويلز بعنوانThe World Set Free نجد الكثير من الوصف للقنابل الذرية، وقد كتب هذا الكتاب قبل إجراء أول تجارب صنع القنبلة الذرية بحوالي 30 عاما! الأكثر أن ويلز تنبأ بأن آثار هذه القنابل سوف تؤدي إلى مشاكل صحية، الأمر الذي لم ينتبه له صانعو القنبلة الذرية وتم اكتشافه بعد استخدامها!

الدبابات

إضافة إلى القنبلة الذرية، تنبأ هـ. ج. ويلز أيضا في رواياته بالدبابات كآلات حرب، أو كما أسماهم "المدرعات الأرضية Land Ironclads في قصته القصيرة المنشورة عام 1904 يصف ويلز هذه المدرعات التي تتسع لـ42 جنديا وسبعة ضباط، وتحتوي على أسلحة يتم التحكم فيها من الداخل. بعد ثلاثة عشر عاما، وتحديدا في 1916 ظهرت الدبابات فعلا أثناء الحرب العالمية الأولى.

الهبوط على القمر

وفقا لقصة جول فيرن في 1862"من الأرض إلى القمر" From the Earth to the Moon نجد أن أول رحلة إلى القمر انطلقت من فلوريدا، وكان الطاقم يتكون من ثلاثة أشخاص، وقد كانوا يستقلون كبسولة مصنوعة من الألومينيوم، وعادوا إلى الأرض عن طريق الهبوط في المحيط الهادي، كل هذه التفاصيل تكررت بحذافيرها بعد مئة عام! رواية من الخيال العلمي، قام بتأليفها الكاتب الفرنسي جول فيرن في عام 1865، وتدور أحداثها في القرن التاسع عشر حول مجموعة من أعضاء نادي المدفع قامت برحلة إلى القمر في طلقة مدفع قد صمم خصيصاً لهذا الغرض. وكان قد ألفها قبل 100 عام تقريباً من إطلاق أول صاروخ إلى القمر.


الرادار

بالرغم من أنه لا يمكن اعتبار رواية الكاتب هوجو جيرنسباك التي تحمل عنوان Ralph 124C 41+ رواية جيدة على المستوى الأدبي، إلا أنه لا يمكن إنكار أنها احتوت على كم كبير من المخترعات التكنولوجية التي صرنا نستخدمها اليوم! منها التليفزيون ذو الريموت كنترول، ومسجلات شرائط الكاسيت، والطاقة الشمسية، وأيضا الرادار الذي قدّم المؤلف وصفا تفصيليا له، بل حتى إن المؤلف قدم رسما دقيقا للجهاز وكيفية عمله!

زراعة الأعضاء

فرانكشتاين قصة خيالية، تطرح رؤية عصرية تؤكد بأن ليس كل الاختراعات العلمية مفيدة للبشرية، وإنما يوجد العديد من الاختراعات والابتكارات التي تهدد البشر في حياتهم، ومنها ابتكار الإنسان لآلات تساعده في حياته اليومية، وفرانكشتاين قصة تأتي في هذا الإطار وهي تروي قصة طالب استطاع بفضل تجاربه أن يكتشف سر الحياة، وهذا ما دفعه إلى ابتكار مخلوق ضخم الجثة، قاسي الملامح، هو أقرب إلى الوحش منه إلى إنسان، وجهته محاكمة زعماء العالم وقتلهم. ولكن الرياح في بعض الأحيان تجري فيما لا تشتهي السفن، فالوحش الآدمي لم ينتقم فقط من الزعماء، بل توجه أيضاً إلى الانتقام ممن جاء به إلى الدنيا وممن يحبهم. والرواية تحكي عن عالم سويسري شاب يدعي د. فرانكنشتاين الذي يخلق كائنا حيا جامعه من أجزاء من جثث الأموات وطبعا هذا الشيء لم يحدث في الحقيقة لكن فكرة زرع الأعضاء نفسها لم تكن موجودة في هذا الوقت وبالفعل أول عملية زرع أعضاء تمت بعد الرواية بأكثر من 130 سنة تحديدا في 1954.


جائحة كورونا

رواية "الموقف" أو "نهاية العالم" التي كتبها ستيفن كينج عام 1978 والتي تقول إن نهاية العالم تبدأ من الانفلونزا التي تم تعديل فيروسها في المختبرات العسكرية ليصبح سلاحا بيولوجيا فتاكا ... وبعد ذلك يتم إطلاقها الذي يادي اللي جائحة تأتي علي حياة سكان اغلب العالم. في نفس الموضوع يأتي عملا أكثر جدلا وهو رواية "عيون الظلام" للروائي دين كونتز والتي تم نشرها عام 1981. والسبب وراء الجدل هو تشابه احداثها مع ما حدث في العالم من تفشي لفيروس كورونا من 2019-2022 خصوصا وأنها في طبعتها الثانية لعام 2088 تم تغيير قصة العالم الصيني الذي يهرب إلى الولايات المتحدة وهو حامل لسلاح بيولوجي خطير اسمه "ووهان 400" رغم أن طبعتها الأولي عام 1981 كان اسم السلاح البيولوجي "غوركي 400" وليس "ووهان 400.


وفي رواية أحلام القيامة استطاع الكاتب محمد جمال الوصول بخياله إلى مستقبل أمسى واقعًا، ليسرد في روايته أحلام القيامة تنبؤًا قاطعًا حول كارثة فيروس كورونا وما يمر به العالم خلال هذه الفترة. وانتهت كتابة الرواية في عام 2018 وتنبأت بأحداث أصبح العالم يعيشها في الوقت الحالي من رعب كبير، وصلت إلى حد التطابق الكبير بين أحداث الرواية وبين أحداث كورونا. وبدايةً باكتشاف 35 جثّة مدفونة في ملعب جولف بمدينة الجونة وأن مصر في الرواية عاشت فترة مرعبة يمرض فيها الناس بمرض غريب متحور عن الإنفلونزا- وإن بطل الرواية رجل الأعمال الشاب "نبيل المصري" يدخل في رحلة مثيرة بين مصر وإيطاليا والهند من أجل مواجهة المرض، ومن أجل شفاء صديقه الحميم الذي سقط تحت رحمة الوباء، وصولًا بالتفشّي الوبائي بأحداث الرواية. كما تطرقت الرواية إلى ارتداء الكمامات، وانتشار علامات المرض، والرعب العالمي، وتفشي الوباء في إيطاليا ودخول العدوى إلى مصر عن طريق نقل العدوى بين المسافرين في المطار.

الميكروتشيب

رواية الجحيم تأليف دان براون .. رواية الكاتب الأمريكي دان براون صدرت سنة 2013. يفتح روبرت لانغدون، بروفيسور علم الرموز في جامعة هارفرد، عينيه في منتصف الليل متألماً من جرح في الرأس، ليكتشف أنه راقد في المستشفى لا يستطيع أن يتذكر ما حدث معه خلال الساعات الست والثلاثين الأخيرة أو م صدر ذلك الشيء الرهيب الذي اكتشفه الأطباء بين أمتعته. إثر هذا تدب الفوضى في ويضطر للهروب عبر أزقة مدينة فلورنسا برفقة شابة لطيفة تدعى سيينا بروكس، التي تمكنت من إنقاذ حياته بفعل تصرفاتها الذكية، ليتبين له أن بحوزته مجموعة من الرموز الخطرة التي ابتدعها عالم فذ. تتسارع الأحداث عبر مواقع أثرية شهيرة، مثل قصر فيكيو، ويكتشف لانغدون وبروكس شبكة من السراديب القديمة، فضلاً عن نموذج علمي جديد ومخيف من شأنه أن يُستخدم إما لتحسين نوعية الحياة على الأرض... أو تدميرها. على هذه الخلفية، يصارع لانغدون خصماً رهيباً بينما يتشبث بلغز يأخذه إلى عالم الفنون الكلاسيكية والممرات السرية والعلوم المستقبلية، محاولاً اكتشاف الأجوبة ومعرفة مَن هو الجدير بثقته... قبل الانهيار الكبير. وتعكس هذه الرواية فكرة الميكروتشيب التي يتم زرعها في الجسم لكي تعدل من فيسيولوجيا الجسم لتجعل الشخص يتحكم في الأشياء حوله كما يريد بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

الجرائد الرقمية

ان تطور الطباعة شيء يعتبر خرافيا في حينة او عند ابتكاره لكن هناك من كان ينظر بخيالة الواسع ربما لو أنه تحدث في وقته لوضعوه في مصح عقلي. وسيصفونه بالمجنون. هنا تخيل الكاتب عام 1968 حين قدم كاتب الخيال العلمي المرموق آرثر سي كلارك وصفا للجرائد الرقمية في روايته 2001: أوديسا الفضاء. في مجرد فقرة واحدة، قدم كلارك وصفا تفصيليا للجرائد الرقمية تماما كما نعرفها اليوم! فيلم خيال علمي من إنتاج أمريكي - بريطاني عام 1968؛ أنتجه وأخرجه ستانلي كوبريك. كتب السيناريو "كوبريك" وآرثر سي كلارك، وقد استوحيت قصة الفيلم جزئيًا من قصة كلارك القصيرة "الحارس". كتب كلارك القصة بالتزامن مع الرواية 2001: أوديسة الفضاء التي صدرت بعد فترة وجيزة من صدور الفيلم.

الكروت الائتمانية

وفي رواية Looking Backwards عام 1888، يصف إدوارد بيلامي كروت الائتمان كما نستعملها اليوم! تحكي الرواية عن شخص ينام عام 1888 ليستيقظ عام 2000 ليجد نفسه في مجتمع اشتراكي، حيث تمنح الحكومة الأمري كية كل مواطن كارت ائتمان يمارس به شراء السلع، وتضع الحكومة لكل شخص في كارت الائتمان الخاص به نصيبه من الناتج القومي للبلاد! النظر إلى الوراء: 2000-1887 هي رواية خيالية كتبها إدوارد بيلامي ، صحفي وكاتب. تم نشره لأول مرة في عام 1888. وكان ثالث أكبر الكتب مبيعًا في ذلك الوقت. لقد أثرت على العديد من المثقفين، وظهرت بالعناوين في العديد من الكتابات الاشتراكية في ذلك الوقت. "إنه أحد الكتب القليلة التي تم نشرها على الإطلاق والتي أوجدت فور ظهورها حركة سياسية جماهيرية"

الغوص بمعدات

فى عشرون ألف فرسخ تحت الماء يصف لنا جول فيرن عملية الغوص بمعدات، عن طريق ارتداء بدلة غوص خاصة متصلة بأنبوب هوائي يمتد لسفينة طافية بالأعلى، بشكل يمكّن الغواص من التنفس على مسافات كبيرة تحت الماء، ويبدو نظام جول فيرن للغطس شديد الشبه بما يحدث في عالم اليوم حيث قال يرتدي من يريد الغطس لبسا يحمي جسمه من الماء و يتم توصيل انبوب بين اللباس والسفينة العائمة لتزويد الغطاس بالهواء من السفينة ويتم سحب الغطاس بعد انتهاء مهمته. كانت السفن التجارية تختفي في عرض المحيطات، أو تتحطم وتغرق، لا يعرف أحد سبب ذلك. تبين أن وحشاً بحرياً لا مثيل له وراء هذه الجرائم وتنطلق إحدى السفن الحربية لمطاردته عبر فرقاطة تدعى أبراهام لنكولن تكتشف أنه ليس وحشا بحريا إنما غواصة جبارة اسمها النوتيلوس.


العاب الواقع الافتراضي " ميتافيرس

تم اختراع أول لعبة فيديو عادية عام 1958، لكن “آرثر سي كلارك كان يتحدث عن ألعاب الواقع الافتراضي قبل هذا التاريخ بعامين! في روايته The City and the Stars يصف كلارك مدينة تدار بالكامل عن طريق الكمبيوتر، يعيش سكانها لألف عام، بعدها يتم امتصاص أرواحهم لبنك الذكريات الخاص بالمدينة، ثم يتم إعادة إحيائهم عن طريق بث هذه الذكريات في أجساد أخرى. أما مصدر المتعة في المدينة فهو ألعاب الواقع الافتراضي، حيث يكون اللاعب مشاركا فعالا في اللعبة الوهمية، والتي لا يمكن تفريقها فعليا عن الواقع الحقيقي.


وآخر ما توصلت إليه تكنولوجيا التواصل الاجتماعي هو تطبيق “ميتافيرس" أو ما وراء الكون والذي أعلن عنه مارك مالك الفيسبوك في ٢٠٢١. وفي هذا التطبيق الذي يشبه اللعبة يستطيع المستخدم أن يعيش افتراضيا، ولكن بطريقة محسوسة في المكان والزمان والهيئة والعمر الذي يريده. وقد كتبت مقالا عن ذلك علي موقع "مُلهم" بعنوان "من تليفون العمدة إلي الميتافيرس" والذي شرحت فيه هذه التكنولوجيا ومميزاتها ومخاطرها علي الانسانية.

ونستطيع بسهولة أن نربط هذه التكنولوجيا مع فكرة العمل الأدبي بعنوان Jumanji: Welcome to the jungle والذي تحول إلي فيلم تدور قصته عن مغامرة تحدث أثناء مشاهدة لعبة Jumanji ، حيث يكتشف أربعة أطفال في المدرسة الثانوية وحدة تحكم قديمة في ألعاب الفيديو وينجذبون إلى بيئة الغابة في اللعبة ، وفجأة ينتقلوا من اللعبة الي واقع ليصبحوا حرفياً أفاتار لأربعة أشخاص بالغين وهم الذين اختاروهم بأن يكونوا علي هيئتهم في اللعبة. وما اكتشفوه هو أنهم لا يلعبون Jumanji فقط - بل يجب عليهم التغلب على المخاطر من اجل البقاء على قيد الحياة. وللتغلب على اللعبة والعودة إلى العالم الحقيقي، يجب عليهم الذهاب في أخطر مغامرة في حياتهم، والتي بعد نجاحهم فيها تغيرت، طريقة تفكيرهم في أنفسهم. وبالطبع ليس هذا هو المثال الوحيد على الميتافيرس ولكن هناك أمثلة أخري كثيرة.

من يشاهد الفيلم ويربطه بما توصل اليه مارك في تكنولوجيا الميتافيرس سوف يتساءل هل هذا الفيلم المبني على أدب الخيال العلمي هو تنبؤ غير مقصود أو مقصود بالميتافيرس، ام هو ممول بالفعل من مارك لكي يمهد عقول المجتمع الي الميتافيرس. أيًا كان السيناريو فالأمر يجعلنا نتعامل مع روايات أدب الخيال العلمي بحرص شديد وفكر عميق خاصة تلك الروايات التي تتحول إلى أعمال فنية ابطالها فنانون كبار.

ولأهمية العلاقة الوطيدة بين أدب الخيال العلمي وتكنولوجيا المستقبل القريب والبعيد، أقدم اقتراحين مهمين لتعظيم الاستفادة من هذه العلاقة المهمة.

الاقتراح الأول:

فتح أبواب المعامل والمراكز البحثية إلى السادة أدباء الخيال العلمي لكي يكونوا علي علم بما يجري في المعامل من مفاهيم علمية حديثة وما توصلت اليه التكنولوجيا الحديثة. وسوف يساعدهم ذلك على توسيع أفق الخيال العلمي لديهم بناء على ما توصلت إليه التكنولوجيا الحديثة مما يجعل الخيال العلمي في أعمالهم الأدبية بعيدة عن الواقع بكثير. وبهذا يستفيد الكاتب ويستفيد المجتمع بمساحة أوسع من الخيال خاصة بعد التحدي الكبير الذي يواجه أدباء الخيال العلمي حاليا كلما تقدمت التكنولوجيا حتى أني أكاد أطرح سؤلا متعلقًا وهو: هل أصبح خيال العلماء أوسع من خيال الأدباء"

الاقتراح الثاني:

قيام العلماء بقراءة أعمال أدب الخيال العلمي وتحليلها علميًا ودراستها ليس لتقييمها علميًا لأنه أدب وخيال، ولكن لاستلهام فروض علمية جديدة ممكن اختبارها في المعمل. وسوف يفيد ذلك العلم والعلماء واستشراف تكنولوجيا جديدة في وقت قصير. وقد يلهم ذلك بعض العلماء الذين يمتلكون الموهبة الأدبية في كتابة أعمال أدبية في الخيال العلمي مما يُثري هذا الحقل المهم والذي يحتاج مزيد من الكتاب العرب علي وجه العموم وذوي الخلفية العلمية على وجه الخصوص.

وفي النهاية نجد أن الخيال العلمي يشجع المجتمع على معرفة المزيد عن الأفكار الأصلية التي كانت في معظمها من وحي الخيال قبل أن تتجسد في تقنيات وأجهزة علمية في شتى ميادين الحياة والمعرفة والتطبيقات من عسكرية، وترفيهية، وصناعية، وغيرها. فعلينا أن ندعم هذا النوع الراقي من الأدب وندعم القائمين عليه بمزيد من الجوائز والتكريم. وعلينا أيضا ان نفتح المجال للأطفال والشباب للتأليف في ادب الخيال العلمي من خلال المسبقات ودعم الاعمال الأدبية.

ا.د. محمد لبيب سالم

أستاذ علم المناعة كلية العلوم جامعة طنطا

مقرر مجلس الثقافة والمعرفة

أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

https://www.youtube.com/watch?v=vnHLE_Jb1tg

إقرأ المزيد من تدوينات د. محمد لبيب سالم أستاذ جامعي واديب

تدوينات ذات صلة