علموا أولادكم الإبداع والابتكار كما تعلموهم الرياضة من الرماية وركوب الخيل والكرة والكاراتيه

لماذا لم يخلق الله الإنسان بأجنحة

"الإنسان وحتمية الإبداع والابتكار"

د. محمد لبيب سالم

كان من الممكن أن يخلق الله الإنسان بأجنحة يستطيع الطيران بها كالطير، ولكنه لم يفعل. وكان من الممكن أن يخلق الله الإنسان قادرا على العيش في الماء كالأسماك والضفادع والحيتان وحتى الجنين في السائل الأمنيوسي في رحم أمه، ولكنه لم يفعل. فقد كان من الممكن أن يجعل للإنسان خياشيم داخلية أو خارجية كالأسماك، أو يجعله قادرا على أن يتنفس عن طريق الجلد والبلعوم والرئتين كما في الضفادع (البرمائيات)، والتي تفعل ذلك كما يحلوا لها حسب وجودها في الماء أو علي البر. أو كان يجعله قادراً على التنفث كالحيتان والتي هي ايضا من الثدييات كالإنسان والتي تتنفس عن طريق فتحة للتنفث (وليس التنفس) والتي توزع الأكسجين في مناطق جسمها حسب الحاجة. وكان من الممكن أن يخلق الله الإنسان خنثي أي فيه أعضاء الذكورة والأنوثة كما خلق العديد من الحيوانات، ولكنه لم يفعل.

هذه الصفات الثلاث الغير موجودة في خلق الإنسان والموجودة في الكائنات الأخرى الأقل منه ورائها حنكة بالغة أرادها الله. وأني لأدعوك إلي للتفكر والتدبر في الحكمة وراء هذا الخلق المتفرد للإنسان.

أما عن اعتقادي الشخصي وراء هذا الخلق والحكمة هو حث الله الإنسان علي التفكير وفعه إلي الإبداع في إيجاد الحلول لكل ما يتمناه وغير موجود فيه جسديا كباقي المخلوقات. فعندما ينظر الإنسان إلى الأسماك والحيتان سوف يفكر كثيرا كيف استطاعت هذه الكائنات أن تعيش في الماء. وهذا ما حدث بالفعل حتى استطاع الإنسان في عصرنا أن يعيش في الماء باكتشاف وتصنيع التكنولوجيا التي أودعها الله في هذه الكائنات بما فيها الخنافس المائية. وما يخفيه المستقبل في تكنولوجيا الغوص والعيش تحت الماء أعظم.

وعلي نفس المنوال، فعدم قدرة الإنسان علي الطيران سوف تجعله ينظر بتفكر وعمق للطائر وهو يطير ببساطة شديدة ويتعجب كيف لهذا الطائر أن يفعلها وأنا لا استطيع حتي ولو صنعت جناحين لنفسي. وبالفعل ظل الإنسان يفكر ويتدبر علي مر العصور حتي استطاع أن يصل إلي نفس التكنولوجيا التي يستخدمها الطائر ليطير، ليصبح قادرا علي عبور القارات بمنتهي البساطة. وما يخفيه المستقبل في تكنولوجيا الطيران أعظم.

أما عدم خلق الإنسان خنثي وفصل الجنسين واختلاف تشريحهما وشكلهما وحتي الكثير من جيناتهم لهو أرقي ما ميز الله بـه الإنسان. فالذكر والأنثى في الإنسان يكمل كل منهما الآخر تمام، ا ليس فقط في الشكل والمظهر والمخبر ولكن أيضا في السلوك والمزاج والهوايات. فالعقل في الإنسان (والذي هو فوق المخ الموجود بطبيعة الحال في الحيوانات) جعل من هذه الصفات المتفردة في الرجل والمرأة (لا يطلق هذان اللفظين أبداً على ذكر وأنتئ الحيوان) أيقونة وألية للانجذاب المحبب برغبة تتحول إلى استمتاع وبهجة عند حدوث القران.

نعم، خلق الله للإنسان في هيئته من ذكر وأنثي ومتفردا عن الأسماك والطيور لحكمة رائعة، ليوظف عقله الذي وهبه إياه مجانا ومبرمجاً ببعض الأساسيات التي يستطيع أن يعتمد عليها الإنسان في التفكير ثم تطويرها حتى يبتكر ويبدع ويصنع ما يشاء كيفما يشاء. فإذا كان الطائر قادر على الطيران فهو غير قادر علي ان يخترع أو يبدع كما فعل الإنسان. فمن عمر الأرض هو الإنسان وليس الكائنات الأخرى بما فيها الجن نفسها، المعروفة بالفهم الضعيف الذي يصل لدرجة الغباء.

ولذلك، علي ولي الأمر ألا يجعل كل شيء متاحاً وسهلا وميسرا لأبنائه أو عامليه، حتي يستطيعوا الإبداع والابتكار وصناعة التكنولوجيا التي تفرضها الاحتياجات. فلنأخذ من خلق الله فينا عبرة ومثل، وإلا فما فائدة العقل الذي سوف يحاسبنا عليه الله عما قدم من علم وعمل في الدنيا. نعم، علينا بإعمال العقل حتى نبدع ونبتكر. علينا أن نتفكر ونتدبر ما نراه وما نقرأه ونكتب وننتج ونصنع أفضل مما رأينا وسمعنا وقرأنا كلما استطعنا إلي ذلك سبيلا.

كل الكائنات الأخرى خُلقت مبرمجة علي العمل في حدود الإمكانات التي خلقت بها. أما الإنسان فقد خُلق مبرمجا علي استخدام العقل ليعمل خارج قدرات الامكانات التي خُلق بها. هذا هو الإنسان الذي أراده الله بغض النظر عن لونه ودينه وموطنه ولغته وجنسه.

فلنحث أنفسنا وأولادنا وطلابنا ومن تحت أيدينا من العاملين علي إعمال العقل المبرمج علي الإبداع والابتكار وألا نكتفي فقط بالمشاهدة وتمرير ما نشاهده بلا أي ابداع أو ابتكار.

علموا أولادكم الإبداع والابتكار كما تعلموهم الرياضة من الرماية وركوب الخيل والكرة والكاراتيه.

خالص تحياتي

د. محمد لبيب سالم




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. محمد لبيب سالم أستاذ جامعي واديب

تدوينات ذات صلة