"قصة "حَيّ ابن يقظان" لاين طفيل تعكس مدي العمق الفلسفي والصنعة الأدبية والفكر الراقي للعقل العربي في القرن الثاني عشر في الأندلس"

ملخص القصة
قصة "حَيّ ابن يقظان" من أجمل وأعمق التراث الأدبي العربي التي تعكس مدي العمق الفلسفي والصنعة الأدبية والفكر الراقي للعقل العربي في القرن الثاني عشر في الأندلس ممثلًا في الطبيب والفيلسوف العربي المسلم ابن طفيل (أَبُو بَكْرْ مُحَمَّدْ بْنْ عَبْدِ اَلْمَلِكْ بْنْ مُحَمَّدْ بْنْ مُحَمَّدْ بْنْ طُفَيْلِ اَلْقَيْسِي اَلْأَنْدَلُسِيَّ 1110م – 1185م)، الذي كان تلميذًا لابن رشد. وقصة "حَيّ ابن يقظان" قصة رمزية فلسفية تتناول تطور الفكر الإنساني والعلاقة بين العقل والدين تعتمد على علاقة الإنسان بغيره ولو ممثلة في حيوان الظبي، ومع ذاته عندما يجدها، ومع بني جنسه من البشر عندما يجدهم. وتبين هذه القصة أن تدريس الفلسفة سهل عن طريق السرد الأدبي.
السبب وراء كتابة القصة:
وقد كان السبب في تأليف ابن طفيل لهذه القصة أن العصر الذي كان يعيش فيه مليء بالخلافات العقائدية ومحتقن بالصراعات الفكرية بين علماء الدين والفلاسفة. فقد كان الكندي (أبو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بنُ إِسْحاقَ الكندي - 801م - 873م) وبعده الطبيب والفيلسوف الفارابي (أبو نصر محمد الفارابي - 874م – 950م) ثم الطبيب والفيلسوف ابن سينا (980 -1037م) في الشرق العربي (بمنطقة بغداد والكوفة ودمشق والبصرة) من أعظم الفلاسفة الذين تعرفوا على الله من خلال استخدام العقل (التفكر والتدبر في خلق الله), وليس فقط من خلال النقل من النص الديني، وهو الأمر الذي جعل الإمام "محمد الغزالي" (أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدٌ الغَزّالِيُّ الطُوسِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ – 1058م – 1111م) الذي ولد بعد رحيل ابن سينا بحوالي عشرين عاما في الشرق أن يقوم بمهاجمة الفلاسفة والفلسفة بشدة في كتابه "تهافت الفلاسفة" حتى وصل الأمر إلى تحريم الفلسفة الأمر الذي اثر علي مكانة الفلسفة والفلاسفة قرون طويلة رغم أن كلمة الفلسفة أصلها يوناني وتعني في الأساس "حب الحكمة".
وكان أول من استخدم هذا المصطلح هو العالم اليوناني "فيثاغورث" عندما سأله أحد تلاميذه عن أكثر الأشياء التي يحبها فقال "فيلو سوفي", و "فيلو" تعني حب و "سوفي" تعني الحكمة. والمدهش أن القرآن الكريم مليء بالآيات الكريمات التي تتحدث عن الحكمة كما في قوله تعالي في سورة البقرة " يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) " والحكمة هي ببساطة إصابة الحق بالعلم والعقل بمعنى العلم والفهم، جاء وَفْق هذا المعنى قوله عز وجل في الآية 12 من سورة لقمان "ولقد آتينا لقمان الحكمة". ويتضح من هذه الآيات الكريمات بمفهومي الشخصي، والله أعلم، أن "الحكمة " نفسها لا يمنحها الله إلا للعقول التي شاء الله لها بذلك، أما "حب" الحكمة نفسه فقد يشعر به ويمارسه معظم الناس. والملاحظ هنا أن صفة "صوفي" لمحبي الصوفية يتشابه مع صفة "سوفي" اليونانية، ولكني لا أدري هل هذه الملاحظة الشخصية مجرد تشابه أم بالفعل هناك اشتقاق للصوفية من والفيلوسفي!!. ولكن على أية حال، فالصوفية والفيلوسفي يشتركان في حب الفلسفة وإن كانت الأولي تتعلق بالفلسفة الروحية والثانية بالفلسفة العقلية. وبعيدا عنك ذلك وبدون الخوض في أهمية الفلسفة لتطور العقل البشري، سأكتفي في هذا المقام بالقول بـأن الفلسفة ماهي إلا حالة من إعمال العقل وتحفيزه للتأمل والتفكر والتدبر ثم طرح أسئلة بغض النظر عن تلقي الإجابة عليها، فالأسئلة هي التي تحرك العقل وتحميه من الجهل، حتى أن الأبحاث الحديثة أثبتت أن تحفيز العقل يحميه من أمراض الخرف الذهني.
وبعد رحيل الغزالي بحوالي خمسين عاما، جاء ابن رشد (أبو الوليد محمَّد بن أحمد بن محمَّد بن أحمد بن أحمد بن رُشْد الأندلسي المعروف بابن رُشْد الحَفِيد - 1162م – 1198م) في الأندلس ليعيد دور الفلسفة ودور العقل في فهم النص الديني والتعرف على الله والكون بإعمال العقل، فألف كتابه المشهور بعنوان "تهافت تهافت الفلاسفة" والذي رد فيه بفلسفته العميقة على كتاب الإمام الغزالي "تهافت الفلاسفة". فانقلبت الدنيا على رأس ابن رشد رغم قربه الشديد آنذاك من سلطان الأندلس الخليفة الموحد يعقوب (أبو يوسف يعقوب بن يوسف المنصور بالله ثالث خلفاء الموحدين ببلاد المغرب, 1160م- 1199م)، فقد كان طبيبه ومستشاره وقاضي البلاد بعد أن قدمه إليه ابن طفيل.
ولم يجد ابن طفيل طريقًا لحل هذا النزاع الفكري الذي مزق الأمة وأدى في النهاية إلى اتهام ابن رشد بالزندقة ومحاكمته وحرق كتبه، تماما كما حدث من قبل مع الكندي وابن سينا عندما تم محاكمتهم على أفكارهم. ولأن ابن طفيل كان من ناحية مُعجبًا بفكر كلا من الكندي وابن سينا وكان يعتبرهم أساتذته رغم أن هناك فارق زمني ومكاني بينهم, لوجوده وتربيته في الأندلس وهما كان في الشرق العربي، ولأنه كان صديقا لابن رشد ويعلم قدرته الفكرية والعقلية الفذة كطبيب ومفكر وفيلسوف مما جعله يقدمه بنفسه للخليفة يعقوب، فقد قرر ابن طفيل أن يعيد تأليف قصة "حي بن يقظان" التي كان قد ألّف النسخة الأولى منها ابن سينا، ليخرجها في ثوب جديد كنوع من الإسقاط الأدبي الرفيع لوصف وتشريح الحالة الفكرية الراهنة آنذاك وما يدور من صراعات فلسفية وفكرية دينية، ليقدم من خلالها حلًا لهذا النزاع ولكن بأسلوب أدبي لا يحاسب عليه ولا يُتهم بسببها بالزندقة كما كان متبعًا أنداك في إصدار هذا الحكم على كل من يخالف الأفكار والمذاهب الدينية السائدة.
وبالفعل نجح ابن طفيل بذكائه وبأسلوبه الأدبي رفيع المستوي والسهل في الوصول الي قلوب وعقول العامة في رسم صورة، بل بانوراما واضحة المعالم للحالة الفكرية آنذاك والخروج بدروس مهمة، والتي كان أهمها من وجهة نظري الشخصية أن عقل الإنسان جُلب على فطرة معرفة الله ولو بدون علماء، أو كتب، أو فلسفة، أو فقه، أو أي تعاليم بشرية ببساطة لأن الروح التي تسري في عروقنا هي نفحة من الله. فأنا شخصيا أعتقد بأن الله سبحانه وتعالي يوحي لكل منا على قدر ذاته، كما أوحي للنمل والنحل. وأعتقد أيضا، والله أعلم، أن الإنسان عندما يعيش بمفرده يتصرف بالفطرة الدينية كما عاشها ومارسها "حي ابن يقظان، ولكن ما أن يعيش في مجتمع حتى يصبح في حاجة ماسة من وقت لأخر إلى رسل وأنبياء لضمان هدايته. وذلك لأن العيش في مجتمع يدفع بعض الناس إما للبعد عن الإيمان بالله أو تخوض في تفاصيل دينية تصنعها وتقف عندها مدافعة عنها مما يعطل العقل، ويؤدي إلى التصادم مع الذين يستخدمون عقولهم. وهنا تشتعل المعارك الفكرية بين النقل والعقل فتنشغل الأمة بهذا الصراع وتنسي طريق تقدمها، فتقع فريسة للتخلف ببطء والذي لا تظهر عواقبه شديدة السلبية إلا مع مرور الزمن. وفي هذا الصدد، نلاحظ أن الاسم تم اختياره بعناية فاسم " حَيّ" يعكس استمرار الحياة ولو في ظل مظاهر الموت الفكري، ولقب "ابن يقظان" يعكس يقظة العقل والفكر في حالة مستمرة.
ملخص أحداث القصة:
وملخص هذه القصة مأخوذ من الرواية التي ألفها "ابن طفيل" نفسه والتي اعتمد فيها على فكرة الرواية بنفس العنوان والتي كان قد ألفها ابن سينا، ولكنه ألفها وأخرجها في ثوب جديد وبطريقة أسهل وأبسط وبأسلوب مشوق مما جعل هذه الرواية تنتشر بين المسلمين في الشرق والغرب آنذاك ثم بعد ذلك ليقوم العديد من المستشرقين بترجمتها وطباعتها وتوزيعها خاصة بعد اختراع الطباعة في عصر النهضة على يد جوتنبرج.
وتدور قصة "حَيّ ابن يقظان" حول طفل اسمه حي بن يقظان، نشأ في جزيرة منعزلة ليس فيها بشر. وفي بعض الروايات، قيل إنه وُضع في صندوق وجرفه البحر إلى الجزيرة، وفي روايات أخرى، قيل إنه خُلق من الطين من غير أب ولا أم. وفي هذه الجزيرة، وجد حَيّ نفسه مختلفًا، ولا يدري لماذا هذا الاختلاف في الشكل والبنيان، ولسانه الذي يتحرك بسهولة لينطق، ولكنه لا يعرف ماذا يقول سوى أن يقلد أصوات الحيوانات والأشجار. شعر بوحدة قاسية، فكل شيء حوله من نبات وحيوان له مثيل إلا هو، فليس له مثيل.
ولحسن حظه، وجدته ظبية طنت أنه وليدها الذي فقدته، فاحتضنته واهتمت به كوليدها فأرضعته وربته، وعاش معها في الغابة كابنها. ولكن. ولسوء حظه ماتت الظبية وهو لا يعرف معنى الموت ولا كيف يكون الموت ومتى ولماذا. بحث عنها حتى وجد جثتها في مكان ما في الغابة، فتعجب لماذا هي نائمة كل هذا الوقت ولا تصحو. ظل يراقبها ويتفحصها، ولكنه لا يعرف أنها ماتت وأن جسدها سوف يتحلل عما قريب. تعجب من وجود جسدها كما هو بدون أي تغيير، ولكن بلا حراك، وتسائل ما الذي يوجد في الجسد ليجعله حيًا.
ولكي يجيب على أسئلته الفطرية، قام بفتح جسد أمه الظبية ليبحث فيه عن هذا الشيء الذي هو سبب الحياة لعله يجده فتنهض أمه لتحتويه، فقد شعر حقًا بالوحدة وبالفقدان. وبعد فحص جثة الظبية في كل مكان في الصدر والبطن، لم يجد شيء يدله على الحياة، سوى فراغ في القلب ظن أنه هو هذا الشيء، ولكنه اكتشف في النهاية أنه مجرد فراغ بلا فائدة. وهنا كانت أول شرارة لعقله ليدرك الفرق بين الحياة والموت، وهو شيء ما يفارق الجسد وعندما يفارقه يصبح الجسد بلا فائدة. ورغم أنه لم يستطع الوصول إلى ماهية هذا الشيء، إلا أنه كان مقتنع ومؤمن بوجوده وبأن هذا الشيء صعد لقوة أكبر تتحكم في كل من حوله وليس أمه الظبية فقط.
ومع مرور الوقت، بدأ "حي" يتأمل ويلاحظ كل ما حوله في الغابة، وليتعلم من الطبيعة كيف يعيش. وبدأ يستخدم عقله الفطريّ ليفهم العالم، وبدأ يسأل: “من خلق هذا الكون، وصور كل نوع من نبات وحيوان بصورة تميزه عن النوع الآخر، ولماذا هو الوحيد المختلف عن كل هذه الأنواع؟”، وبهذا التفكير الفطريّ والتأمل العميق توصل إلى القناعة بوجود خالق واحد لهذا العالم، فلا بد من قوة كبيرة وحكيمة وراء هذا الخلق المتعدد. ولكنه ظل متحيرا، لماذا أنا فقط المختلف.
ولم يعرف أن له خلق يشبهونه، إلا بعد مرحلة لاحقة من حياته، عندما التقى برجل اسمه "أبسال" جاء من جزيرة أخرى هروبًا من الصراعات الفكرية والدينية والعِرقية التي اشتعلت بين رجال الفكر والدين في جزيرته. وبعد فترة شرح "أبسال" لحيّ أنه إنسان ومختلف عن باقي الكائنات حوله، فعلمه الكلام وعرفه الدين والشريعة، فوجد حَيّ أن ما وصل إليه بفطرته وبعقله هو نفسه ما يقوله الدين عن لسان "أبسال". وبعد فترة من التعليم والتعلم ونقل الخبرات بينهما بناء على الفطرة والتعلم طلب أبسأل من حَيّ أن يعود معه لجزيرته من ناحية لكي يعيش وسط الناس هناك بدلا من وحدته ومن ناحية أخري ليُعلمهم أن الفطرة هي أساس الدين وأن روح وحلاوة الدين في بساطته، وأن دور العقل، وليس النقل فقط، هو الأساس في الإيمان بالله دون الخوض في التفاصيل واختلاق نواميس جديدة تلهي العقل عن الفطرة.
ووافق "حَيّ" وذهب مع "أبسأل" ليخوض هذه التجربة الإنسانية الجديدة تماما عليه والتي أصبح متشوقا جدا لها، ولكن عندما ذهب حَيّ مع "أبسال" إلى جزيرته وعاش وسط الناس فوجئ بتعدد وتعقد المفاهيم الدينية وبعدها عن الفطرة وعن العقل، فبدأ يدعو الناس للحقيقة، ولكنه وجد يتبعون النص بصورة عمياء دون إعمال العقل، ووجدهم مذاهب متفرقون ولا يفهمون الأمور بالعمق الإيماني والفطرة السليمة، ولا يريدون التغيير ويصرون على ما صنعوه من بدع وكأنه دين جديد. وهنا قرر "حَيّ" أن يرجع إلى جزيرته ليعيش في تأمل وعبادة ولو وحيدًا، فقد اقتنع أن عزلته خير له من الانخراط في البدع والتفاصيل التي تحرمه من حلاوة الإيمان بالله.
العِبر والدروس من الرواية:
1. أن العقل هدية عظيمة، فيمكن للإنسان أن يعرف الحق ويميز الصواب بعقله هو، حتى دون معلم أو دون كتب، فالعقل جلب على الفطرة، فحَيّ عرف الله بنفسه عندما بدأ يواجه الحياة ويستوعبها بمفرده بعد وفاة الظبية التي كان يظنها أمه.
2. الدين والعقل لا يتعارضان، فالدين الحقيقي يوافق ما يصل إليه الإنسان بالتفكير السليم والتجربة العملية والتي ظهرت في أماكن كثيرة من احداث الرواية مثل تشريح جسد الظبية وارتداء جلود الحيوانات حتى لا يهاجمونه ككائن غريب عنهم.
3. ليس كل الناس مستعدين للحقائق العميقة. ولذلك، يجب أن نختار الطريقة المناسبة لشرح الأمور لكل شخص حسب قدرته على الفهم.
4. الدين بسيط ولا يحتاج إلى تعصب أو صناعة لفظية أو من طقوس، فكلما زادت الطقوس والفروع انشغل الناس بها عن رسالة الدين للإنسانية.
5. العزلة قد تكون مفيدة، فأحيانًا، الابتعاد عن الناس والتأمل يساعد على الوصول للحكمة بعيدًا عن الصنعة البشرية التي قد تؤدي إلى تنافس غير شريف للمعتقدات ولو على حساب الدين.
من ألفوا القصة قبل ابن طفيل:
ولا بد من التنويه أن قصة "حي بن يقظان" تم تأليفها وإعادة كتابتها في تراثنا العربي أربع مرات على يد كل من ابن سينا، وشهاب الدين السهروردي (أبو الفتوح يحيى بن حبش بن أميرك السُّهْرَوَرْدي - 1155م – 1191م)، وابن طفيل أَبُو بَكْرْ مُحَمَّدْ بْنْ عَبْدِ اَلْمَلِكْ بْنْ مُحَمَّدْ بْنْ مُحَمَّدْ بْنْ طُفَيْلِ اَلْقَيْسِي اَلْأَنْدَلُسِيَّ (1110م – 1185م)، وابن النفيس (أبو الحسن علاء الدين علي بن أبي الحزم الخالدي المخزومي وقيل التركماني القرشي الدمشقي – 1210 م- 1288م).
وكان أول مؤلف لها هو الفيلسوف "ابن سينا"، والذي كتبها أثناء سجنه بعدما اتهم بالزندقة، ثم أعاد بناءها الشيخ شهاب الدين السهروردي، وبعدها أعاد كتابتها الفيلسوف الأندلسي ابن طفيل، ثم كانت آخر رواية للقصة من قبل "ابن النفيس" الذي تنبه إلى بعض المضامين الأصلية الخاصة برواية "ابن سينا"، والتي لم تكن توافق مذهبه، فأعاد صياغتها ليغير عنوانها من "حي بن يقظان" إلى "عن صالح بن كامل أو فاضل ابن ناطق".
التأثير العالمي للقصة:
وقد كان لهذه الرواية أثر كبير لدي الفيلسوف الإنجليزي جون لوك (1632 – 1704م)، الذي كتب كتاباً يصف فيه العقل كصفحة بيضاء خالية من كل القواعد والمعوقات الموروثة. وقد تمت ترجمة هذه الرواية إلى اللاتينية إدوارد بوكوك عام 1617، ونشرها تحت عنوان “الفيلسوف الذي علم نفسه بنفسه”. وتأثر بالترجمة أجيال متعاقبة من الفلاسفة حتى وقتنا هذا. وقد نشرت دورية (المراسلات الفلسفية للجمعية الملكية) مراجعة ممتازة تمتدح فيها كتاب (حي بن يقظان) المترجم، مما جعل هذه الرواية أساس للعديد من روائع الفكر والأدب العالمي مثل كتاب "عقيدة القس من جبل السافوا" للفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو. كما أن أحداث رواية "روبنسون كروز" للكاتب "دانييل ديفو" تتشابه كثيرا مع أحداث رواية "حي ابن يقظان" وكذلك قصر ماوكلي فتي الأدغال وشخصية طرزان المشهورة التي تتحدث عن سلوك الانسان وأفعاله عندما يجبر على العيش في بيئة منعزلة وحده.
عن المؤلف:
ابن طفيل: هو فيلسوف، ومفكر، وقاضٍ، وفلكي، وطبيب، وشاعر عربي أندلسي، اشتهر بكتابه «حي بن يقظان»، الذي حاول فيه التوفيق الفلسَفِي بين المعرفة العقلية والمعرفة الدينية، وقد تُرْجِمَ هذا الكتاب إلى العديد من اللغات حول العالم. وُلِدَ «أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طفيل القيسي الأندلسي» بين سنتي ٤٩٥ﻫ و٥٠٥ﻫ بمدينة «وادي آش»، وتسمى اليوم Guadix، وتبعد مسافة ٥٣ كيلومترًا من قرطبة. درس الفلسفة والطب علي يد أعظم فلاسفة الأندلس وأطبائها، وتولى منصب الوزارة، وكان طبيبًا خاصًّا للسلطان أبي يعقوب يوسف، كما كان معاصرًا لابن رشد وصديقًا له. كان لابن طفيل إسهاماتٌ كثيرةٌ في الفلك والطب والشعر؛ ففي علم الفلك، ذَكَرَ عنه تلميذهُ البطروجي أنه عثر على نظام فلكي وتفسير لحركة الأفلاك على نحو مخالف لما قالهُ بطليموس، استغنى فيه عن الدوائر الداخلة والدوائر الخارجة. أما في الطب والشعر فقد ذكر لسان الدين بن الخطيب أن لابن طفيل أرجوزة في الطب، حيث كانت له أرجوزة في الأمراض وعلاجها، كما كانت له قصائد في الغزَل الصوفي، وتُوُفِّيَ ابن طفيل في مراكش عن عام ٥٨١ﻫ، وحضر السلطان جنازته.
الزندقة
الزندقة مصطلح استخدم في الثقافة الإسلامية، أُطلق على من يظهر الإسلام، ويبطن الكفر. برز مصطلح الزندقة بقوة في العصر العباسي، لا سيما في عهد المهدي والرشيد، كان أبرز من وُصموا بالزندقة، وعبد الله بن المقفع وابن الرواندي وأبو عيسى الوراق.
د. محمد لبيب سالم
التعليقات