"نصيحتي للشباب بألا يحزنوا على ما قد يفوتكم من مكاسب تعلمون أنكم تستحقونها"
على عكس ما كنت أشعر وأؤمن بالحظ وأنا صغير، تغير الحال عندما كبرت وتخرجت وأصبحت معيدًا بالجامعة واعتقدت أن كل ما أحصل عليه هو نتيجة العمل الجاد والمخلص وليس الحظ، واقتنعت أن لا هناك شيئًا إسمه الحظ، ولكن هو توفيق الله لك بقدر تعبك.
وظل هذا الاعتقاد راسخ في عقلي طوال مشوار الحياة خاصة بعد كل خطوة أحقق فيها بعضًا من التقدم الأكاديمي سواء في اليابان أو أمريكا أو مصر، والذي كان يعني بالفعل الكثير من الجهد الكبير والإخلاص في العمل وإتقانه ومحاولة مستمرة للإبداع. ثم بدأت أرى حولي العديد من الحالات التي حصلت على الكثير من المكاسب الاكاديمية والمالية دون أن يكون لها دخل فيها أو حصلت عليها تحت طلب الإلحاح في الحصول عليها أو بطرق أخري معروفة.
ونفس تلك المكاسب لم أستطع الحصول عليها رغم الجهد الجهيد والإخلاص الشديد. وهنا وقفت مع نفسي وتساءلت، ماذا أسمي هذا! وماذا يعني! وكان التفسير الأقرب إلى عقلي، ليريحه على الأقل، هو الحظ كما كنت أؤمن به وأنا طفل صغير ثم تنكرت منه وأنا شاب يافع.
والآن بعد أن تخطيت كل تلك المراحل بحلوها ومرها وإنجازاتها وإخفاقاتها، وبعد تأمل وتدبر في الأحداث الخوالي سواء لي أو لغيري، عدت مرة أخري لنفسي لأفسر الحظ على أنه القدر الجميل الذي يريد منا أن نعمل بجد واجتهاد واخلاص وابداع بغض النظر عن النتيجة. فما كنت أراه وأنا شاب صغير وجدته الآن زائل وبلا معني، وما كان صغيرا في نظري وقتها وجدته كبيرًا جدًا الآن. وما لم يتحقق في الماضي كان هو الطريق الأمثل لما تحقق الآن.
نعم سيدي، سنجد دائما حولنا من يتميزوا عن غيرهم بدون توفر أسباب التميز فيهم ومنهم، ومن يحصلون على مكاسب كبيرة بدون مجهود يذكر، ومن لا يحصلون على شيء يذكر رغم تميزهم وإنجازاتهم الفردية. وسنجد أن ما يريده القدر (الحظ) ليس النتيجة التي نتوقعها، ولكنها الأحداث ما قبل النتيجة التي تُتمر الكون وتطوره بغض النظر عن مكاسب النهاية.
نعم سيدي، إنه ليس القدر الجميل العاثر الذي يعاندنا، ولا الحظ السعيد الذي يجامل الآخرون، ولكنه القدر الجميل الذي يريد منا العمل الجاد والإخلاص بلا شروط. فخير الناس من عمل واجتهد في عمله وأخلص وإن لم يحصل على شيء، وأنكر الناس من يحصل على كل شيء بلا شيء. فإن فاز بشيء أثناء طريق العمل والإخلاص فذلك جميل، وإن لم يفز فقد استمتع بشعور الرضاء عن النفس وبلذة الكفاح أثناء الطريق.
هبت على عقلي تلك الأفكار اليوم وأنا أقلّب في أوراقي القديمة فوجدت الكثير من المكاسب الكبري التي كانت على وشك الحدوث مثل رئيس جامعة، أو نائب رئيس جامعة، أو نائب رئيس أكاديمية، أو عميد كلية، وغيرها من المكاسب الأخرى التي راحت ولم تتحقق في آخر لحظة سواء بفعل فاعل أو لأسباب عديدة لا داعي لذكرها. ولكني الآن أحمد الله أنها لم تحدث لأني ببساطة شديدة أحببت كل ما حدث. لي في غياب تلك المناسب والمكاسب، فقد كسبت الكثير في نواحي أخري وفوقها كسبت نفسي.
فنصيحتي للشباب بألا تحزنوا على ما قد يفوتكم من مكاسب تعلمون أنكم تستحقونها، شريطة أن تقوموا بكل ما عليكم بجد وإخلاص وإجتهاد وإتقان وإبداع. فمكاسب الحياة ليست فقط مناسب ومال وجاه وسلطان، فلهم من كل تلك المكاسب أن تكسب نفسك التي ستجدها في كل عمل وكل مكان وكل زمان تعمل فيه بجد وإخلاص تبتغي فيه رضاء الله. فسوف تتفاجؤون أثناء الطريق أن هناك أناس هم مناصب تمشي على الأرض رغم أنها لا تحمل أي مناصب.
ونصيحتي تلك ليست دعوة للتنازل عن تواصل الكفاح، ولا عن الاستسلام للواقع، ولا انتظار القدر الجميل دون جهد جهيد وصبر طويل، ولكنها دعوة لاستخدام كل الطاقة الإيجابية بداخلنا والاستمتاع في توظيفها بجدارة وجدية لتحقيق أهدافنا المشروعة مع انتظار القدر الجميل والشعور باحترام الذات وتقديرها من الآخرين. ففي كل الحالات، فما نقوم به عمل مخلص ومتقن لصالحنا فهو أيضا وبلا أدني شك فيه مصلحة الآخرين.
خالص تحياتي
د. محمد لبيب
التعليقات