اهمية القرية المصرية القديمة في سجل التراث الإنساني
"التراث الانساني هو روح الشعوب"
يمثل التراث الإنساني موقد النور الذي يضيء الحاضر والمستقبل للبشرية في كل العصور. وكلما كان التراث الإنساني يعكس مظاهر الحضارة في عصر ما ومكان ما، كلما كان تأثيره الإيجابي فعالا وملهما للأجيال المعاصرة. ولكن ليس بالضرورة أن يُظهر التراث الإنساني التقدم الحضاري فقط، بل لا بد وأن يُظهر أيضا بيئة الإنسان نفسها بغض النظر عن المستوي الحضاري لها. فمع أن الإنسان المعاصر عادة ما يتأثر بكلا الجانبين الحضاري والبيئي، إلا أن تأثره يكون أكبر بالتراث الإنساني البيئي لأنه يلمس القلب والوجدان.
وقد نجحت العديد من الحضارات الكبري عبر التاريخ، مثل الحضارة الفرعونية، الصينية، الفارسية، الرومانية، في ترك آثارا مبهرة تمثل قمة الحضارة في تلك الأزمنة الغابرة. وبالطبع تمثل هذه الآثار التاريخية، المُمَثَل معظمها في البنايات والفنون المختلفة والتي استطاعت أن تصمد أمام التاريخ، تراثا إنسانيا هاما وملهما ومعلما للأجيال المعاصرة. ومثل هذا النوع من التراث الإنساني مزارات مهمة علي مرئي ومسمع من المهتمين. وهناك الكثير منها ما يصنف من عجائب الدنيا السبع ليس فقط بزمانها ولكن أيضا في زماننا المعاصر.
وتكمن أهمية التراث الإنساني أنه يمثل النافذة المفتوحة التي تستطيع الأجيال المعاصرة التعرف علي تاريخ الأجداد، وبصماتهم الحياتية، ونواتج حضارتهم، مما يساعد ليس فقط علي المقارنة بل أيضا علي التعلم الملهم. ولأن ذلك يتعلق بوجود الأثر نفسه، فللأسف هناك العديد من أوجه التراث الإنساني عامة والبيئي خاصة فقدت الأجيال المعاصرة التعرف عليه والتعلم منه بسبب اندثار هذه البيئة أو إختفائها تماما.
وللتغلب علي هذا النقص، قررت العديد من الدول حماية المباني تاريخية والتي تمثل البيئة الإنسانية في حقبة معينة، وذلك بمنع هدمها أو تغيير تصميمها من أجل الحفاظ علي هويتها. وقد أدي ذلك الي البقاء علي العديد من الطرز البيئية في الكثير من البلدان. ولكن وللأسف لم يطبق ذلك في كثير من البلدان وخاصة مصر مما أهدر فرصة كبيرة للحفاظ علي البنايات التي تمثل البيئة المصرية في فترات بعينها. واقتصر الأمر علي الحفاظ علي الآثار التاريخية والتنقيب عنها وإهمال ما عدا ذلك.
ومن أهم الفترات التي اندثرت في مصر هي فترة القرية المصرية التقليدية التي كانت سائدة في أقاليم مصر من شمالها إلي جنوبها، والتي تختلف تماما عن القرية المصرية الحالية التي تشبه المدينة وبعيدة تماما عن القرية التقليدية. وبهذا قد خسر الإنسان المعاصر من الأجيال الصغيرة فرصة التعرف علي ما هية وطبيعة وتكوين القرية المصرية النموذجية. وأصبح المصدر الرئيسي للتعرف عليها هي الأفلام القديمة.
ولأن القرية المصرية التقليدية تمثل تراثا إنسانيا مهما، من حيث التاريخ والجغرافيا والسلوك والتواصل الإنساني لا يعوض، ليس فقط للإنسان المصري والعربي بل أيضا العالمي، فإنه من المهم جدا بل من الواجب الإنساني إيجاد طريقة لإظهار هذا التراث الإنساني المهم للأجيال المعاصرة حتي تتعرف علي تاريخها الذي لم يسجل إلا في صورة لوحات فنية وأفلام وأدبيات في القصص والروايات.
والحل الأمثل لإحياء هذا التراث الإنساني الفريد هو تصميم نموذج حي للقرية المصرية القديمة، تماما كالذي تم تنفيذه في القرية الفرعونية التي تم انشائها من خلال مشروع خاص كنموذج حي للحياة الفرعونية. ومع أن نموذج القرية الفرعونية يمثل محاولة مهمة لتصوير الحياة الفرعونية بطريقة حية، إلا أن نموذج القرية المصرية الحي أهم كثيرا نظرا لأنه يصور ما قد اندثر.
ولذلك فهناك حاجة مُلحة لإحياء التراث الإنساني الممثل في القرية المصرية بما فيه من زراعة وحرف وصناعة مبنية علي الزراعة، بالإضافة إلي طبيعة المباني وتصميمها المتميز ومراحل تطورها، وما لازم ذلك من عادات وتقاليد وموروثات مازالت تجري في عروق أهل القري، مهما تمدنوا حتي وإن غابت البيئة نفسها. وعندما ينتهي هذا الجيل، الذي عايش وعاصر وتربي في بيئة القرية المصرية القديمة، خاصة الأجيال من الأربيعينيات حتي السبعينيات، فسوف يندثر كل شيء بما فيه البيئة والأشخاص.
ولذلك فمن المهم أن تجسد القرية المصرية القديمة بتفاصيل بيئتها المتميزة والفريدة في التراث الإنساني من خلال انشاء نماذج تحي هذا التراث المتفرد والذي لا يعوض والذي خرّج كثير من الأجيال التي شاركت بقوة في صناعة وتطوير الحاضر والمستقبل.
وما ينطبق علي نموذج القرية المصرية القديمة ينطبق علي كثير من النماذج البيئية الأخري في شتي بلاد العالم التي اندثرت ولا تعرف عنها الأجيال الحالية شيئا سوي من كتب التاريخ أو الأفلام والمسلسلات.
فعلي المنظمات العالمية المهتمة بالتراث الإنساني أن تأخذ القرية المصرية القديمة في عين الإعتبار وتخصص لها المنح والمبادرات التي تساعد علي إحياء هذا التراث فكريا وبنائيا.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات