حب القرية الذي يبقى في داخلنا رغم اضطرابات الحياة ، ملاذنا الامن.
القرية ...النّسيج المجتمعي
ماذا يعني أن تعيش في قرية ؟
يعني أن تستيقظ صباحاً على أصوات بوابات دكاكين الحي، على أصوات طلاب المدارس وهم يتذمرون من المدرسة لأن النعاس قد يغلب على وجوههم ، أن تستيقظ على رائحة حوض النعناع المتزيّن في كل بيت في القرية، صوت العصافير ، القطط في كل مكان ، أن تعيش في قرية يعني أنّك ستصل لعملك او لجامعتك متأخراً لسوء المواصلات او لقلة عدد المركبات ، أن تعيش في قرية يعني أنك ستقابل اي شخص في هذه القرية وستتبادلان السلام والأحاديث السريعة وسرعان ما تنتهي هذه الاحاديث ب(سلم على أمك، ميّل عنا )
بهذا نحن نسمي القرية بالنسيج المجتمعي ، وهو من أقوى الأنسجة ، الجميع متواصلون ، لا فرق بين غني ولا فقير ، اذا وقع أحدهم قام معه الجميع ، اذا فرح أحدهم فرح معهم الجميع.
في القرية ستدرك أنَّ لا شيء سيدوم سوى الرضا.
يمكنك أن تشعر بنسمات الهواء المحمّلة بالعافيه والطمأنينة ، طمأنينة الطبيعة ، جلسة العصر التي تفوز بالحب الأبدي لكل سكان القرية ، أنت وجيرانك وأحبائك على شرفة المنزل الصغيرة مجتمعين حول طاولة
صغيرة فيها أكواب الشاي الأحمر ونعناع القرية الصافي .
"أعراس القرية الصيفيّة الممزوجة ببعض الطقوس التراثية التي ورثناها من أجدادنا"
أما بالنسبة لمواسم الفرح في القرية التي لها النصيب الأكبر في تمييز القرية عن المدينة ، حيث أنّ أعراس القرية لا تخص فقط أهل العرس بل هي احتفال للجميع يتشارك القريب والبعيد ، يكون دائماً يوم الخميس هو اليوم الموعود لشباب القرية، كل ما هو مطلوب ساحة يقف فيها صيوان ومجموعة من الكراسي العادية ، فيه تتضح مهارات الدبكة والدحيّة ، الأغاني الجبلية الصاخبة ، حيث يكون للفتيات دور في حضور حفلات الشباب من أعلى سطوح المنازل وهنّ يتهافتن بخجل عن ذاك الشاب الوسيم وعن ابن عمها الذي يستعرض مواهبه امامهنّ ، لأن أهل القرية يمنعون أن تكون سهرة الشباب مختلطة إلا في الفقرة الأخيرة تنزل النساء الى الساحة ويبدأ التغني بأم العريس وهي تحمل صينيّة الحناء ليظفر العريس بنقش حرفه وحرف زوجته .
وما أن يبدأ اليوم التالي وغالباً ما يكون يوم الجمعة وهو يوم العرس ، اي يوم الغداء والمناسف ، يوم المحبة والكرم حيث يأتي سكان القرية بلا استثناء الى أهل العرس ويتناولوا طعام الغداء والتحلاية ، وسرعان ما تبدأ فترة العصر وهي زفة العريس والطبل والزمر وتنتهي باحتفالات النساء والزغاريد والرقص مع العريسين.
صغار وأطفال القرية الذين لا يهمهم سوى المطاردة واللعب ، اذا رأيت أن هناك هدوء في القرية فقط ارمِ كرة قدم وانتظر المباريات والأصوات التي ستصدر بعد ذلك وتنتهي بوقوع الكرة على احدى سطوح المنازل او حتى تتسبب في كسر نافذة أحد البيوت والعودة الى المطاردة .
في صغري ،كنتُ عندما يأتي أحد الضيوف من المدينة الى قريتنا أرى بأعينهم نظرة التباهي او"شوفة الحال" كونهم يسكنون في أماكن متحضرة أكثر منا ، وما نلبث الا أن تكون الحجارة هي وسيلة استقبالهم . نعم في قريتنا لا مكان للمتباهي.
القرية ، ملاذي الامن ، كنت دائما وأنا في مكان دراستي في المدينة أنتظر أيام العطل بفارغ الصبر وأرى بعيون صديقاتي الدهشة كون أن المدينة هي الأرقى والأجمل وكنت دائما أردد في مسامعهن " في حدا ما بحب قريته؟"
ياه . هذا المكان الصغير البسيط استطاع أن يكون الملاذ الامن لسكانه ، كيف تحولت القرية الى متنفس في الاحتواء والدعم؟
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات