كتالوج شخصي وغير شخصي لكيفية النجاة في هذا العالم المجنون.

على لسان أ.أسامة غاوجي مع ضيفه أ.محمود أبو عادي، كتبته لنفسي أولاً لاستنقاذها حين تتوه، ومن ثمّ لاستنقاذ من يبحث عن أية طوق يحمله.

( ملحوظة: الآتي هو تفريغ لآخر ٢٠ دقيقة من حلقته الأخيرة في بودكاست فاصلة منقوطة بعنوان: البطولة في عالم ما بعد البطولة )


أسامة: يعني محمود وسط هذه السياقات العالمية والتقنية والسياسية والاقتصادية -على الأخص في مجتمعاتنا- وهذا الحصار من كل هذه الخطابات المرئية، أحيانا يبدو وكأنه هذا الفرد مخنوق أو أحيانا حتى تبدو مقولة "تثوير علم النفس" ربما مفيدة في فهم مصادر ما يتعرض له الإنسان على المستوى النفسي، لكن ماذا يفعل ؟ يعني هل عليه أن يفكر في تغيير هذا النظام ؟ يعني الخلاص الجماعي كشرط لخلاصه الفردي؟ طيب إذا كان هذا في زمن الهزيمة ماذا يفعل؟ ألا يستحق على الأقل شيء من السعادة والسلام في الأثناء ؟ كيف يمكن تفكر في هذا السؤال؟


محمود: تصوري أن البعد الأول الذي يشمل باقي التفاصيل هو بطريقة أو أخرى: العودة إلى الذات.

العودة إلى الذات الهوياتية بوصفنا أمة، خاصة أن الفترة القادمة ستنبأ عن الحاجة لصعود الأمم فبالتالي من لا يستطيع أن يستعيد أمته سيندم. وهذه العودة بمعنى ما أنه كما ذكرت، أي طريق للخلاص الفردي لن يتم إلا بالخلاص الجماعي. وهذا بالتالي يترتب عليه مسؤوليات تجاه الآخرين، فأول شيء يمكن التفكير به هو استمداد مصادر الذات.

من أين تحديداً يمكن لنا كذوات أو أفراد أن نعرّف أنفسنا؟

هذا الشيء ينفصل لعدد من الأشياء:


١- ابتداء لا تكتفي بالوظيفة ولا الإنجاز لتعريف ذاتك، وظيفتك شيء جيد لكنها جزء فقط من الحكاية لكنها ليست كل الحكاية، الوظيفة و'التقدم' المهني فيها والحفاظ عليها شيء ممتاز ويعطيك معنى للذات بس هذه جزء فقط، عليك أن تكون مثلا ..جار جيد.. عليك أن تحافظ على التوازن الاجتماعي، عليك أن تفكر أنك تمتلك أدوات وعليك أن تحقق 'تقدم' فيها على السواء فمثلا أنت مسؤول عن أسرة، عن والدك وشعوره أن تحاول مثلا الاصغاء إليه ووالدتك نفس الكلام، أنك لا تنسحب من هذه المسؤوليات الصغرى في انتظار "المعركة الكبرى"


٢- على مستوى صورة الجسد، هذه جزء من مصادر استمداد الذات، اشتغالك على جسدك يجعلك أكثر حصانة ومناعة نفسية. ليست فقط من مستوى الانعكاس الفسيولوجي وهذا مثبت علميا أن ممارسة الرياضة بشكل منتظم تكافئ مرات تعاطي ال SSRI على مستوى حالات الاكتئاب المتوسط والضعيف (ال SSRI هي مضادات للاكتئاب وتعمل عن طريق إعادة امتصاص السيروتونين وهو الهرمون المسؤول عن شعور الرضا أو السعادة) أي إذا أعطيت مجموعة من الأشخاص SSRI ومجموعات أخرى أرشدتها إلى ممارسة الرياضة بانتظام لمدة ثلاث أشهر ستجد أن المجموعتين إذا كان عندهم اكتئاب متوسط قد تعافوا بدرجة كبيرة، لكن هذا ليس سبب ذكري لفكرة صورة الجسد، السبب هو: أنك تعدد مصادر استمدادك لذاتك إذا اليوم خسرت وظيفة أو فرصة ما لا أنهار نفسيا حيث أنني مازلت شخص جيد بالنسبة لأهله ومازلت شخص جسده جيد ومازلت عندي هذه المسؤوليات والمعارك المختلفة التي أنجز فيها بقدر ما.. إلخ


هذا أول بُعد، البعد الثاني ماذا ينبني على فكرة العودة إلى الذات؟

عندما تعود لذاتك تكتشف أنك تملك مقولات دينية جيدة على المستوى الهوّياتي يعني فبالتالي أنت لست عرضة للتوهان كغيرك، وهذه فكرة شائعة اليوم في حقل دراسات المعنى، هناك بروفيسور يدعى بول تي بي وونج وهو أستاذ صيني يدرس العلم النفس الإكلينيكي بكندا ألف كتاباً يعتبروه الكتاب الآخرون ال holy book في دراسات المعنى أي الكتاب المقدس في دراسات المعنى، وهو يقدم دراسات إحصائية هامة جدا درسوا بها مجموعات مختلفة من الأشخاص، يقول فيه أن "حضور المعنى" مرتبط إيجابيا بالصحة النفسية وتخفيف القلق واللاحتمية بينما حالة "البحث عن المعنى" مرتبطة بانعكاسات سلبية على الصحة النفسية.

فالقصد أنه هناك مزاج عالمي لتسمية الفرد نفسه أنه 'باحث عن المعنى' هذا الشيء جيد ولكن لا يستقيم أن تظل عالقاً به، لابد أن تكون مرحلة مؤقتة، لابد للإنسان أن يتجذر، الأصل في الإنسان تعلم اليقين وليس تعلم الحيرة، وهناك آيات ومقولات تكفيك وتستطيع أن تتوقف عندها مثل


{... قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرهُم في خَوضِهِم يَلعَبونَ }[ الأنعام: ٩١ ]
{... وَلا يَستَخِفَّنَّكَ الَّذينَ لا يوقِنونَ } [ الروم: ٦٠ ]


هم الذين لا يوقنون، أنت عليك أن توقن وتتحرك بهذا اليقين، هذه مشاكلهم الخاصة بينما بإمكانك أن تعود لشيء صلب وحقيقي.

انظر مثلا إلى أشهر مركز للدراسات السكانية Pew research center في إحصائية ترى الإسلام هو ثاني دين عالميا بعد المسيحية ولكن ال slope أو الميل رأسي صاعد وخلال عشرين سنة من الآن سيلتقي مع المسيحية في العدد وبعد أربعين سنة سيتفوق..


أسامة: وهذا غريب يعني في وقت ضعفه السياسي، الإسلام يدافع عن نفسه ويدافع عنا..


محمود: بالظبط، وفيه هذه البركة والكثرة في الأمة، وهناك من يستخف بهذا المؤشر "والله ايه بننجب أكثر من غيرنا شو فيها؟" برغم أنه من المثبت أنه مؤشر اقتصادي قوي، اليوم الأمم تعدادها السكاني مؤشر صلب على قوتها.


أسامة: نعم وواحد من مخاطر الأمن القومي العالمي هو التناقص الديموغرافي.


محمود: بالظبط والقصد : أنت تقف على أرضية صلبة، عندك تاريخ، عند إرث ومنجز ثقافي اليوم إذا تعاطيت معه بطريقة سليمة سترى أن الأئمة لم يتركوك مقطوع التاريخ، لا بل من الناس من فكر بالنيابة عنك، انظر إلى كتب التراث، انظر مثلا إلى كتاب الإمام الجويني غياث الأمم أو ابن خلدون في المقدمة، هذه ليست كتب تراثية عفى عليها الزمن هذه فلسفة، هذه نظرة للتاريخ، نظرة لكيفية تسيد الأمم، نظرة كيف نأخذ موقعية أممية قيادية في العالم. ونظرة صحية لنفسك حتى على المستوى البسيط يعني مفاهيم العمل والبركة والوقت...الخ هذا كله موجود، لماذا تعلق في السؤال؟

هناك مصادر صحيحة وثقافياً أقرب إليك من اي مصدر غربي آخر..


البعد الثالث: إذا نظرنا على ممارسات الحياة اليومية، انظر مثلا إلى فكرة الخوف من الضآلة أو الهامشية "The fear of insignificance" خوف ألاّ تكون شخصاً هاما، أو إلى الموضوع الاحتراق النفسي Burn out اليوم يجيب عنه الجميع في إجابة تقريبا واحدة هي : الإمتنان أو الحمد والشكر، هذه دراسات كاملة وفيها تضخم في حقول البحث العلمي وعليها تركيز، لأنه كل ما يصدم المجتمع بأزمة نفسية يرجع الجميع إلى أن أحسن حل حالي يمكن فعله هو الإمتنان على المستوى الاجرائي، وعلى المستوى الجمعي أن تعلم الناس أن يمتنوا لمواقعهم الحالية. فالامتنان اليوم قد يحل مشكلة الضآلة والهامشية أنه صحيح لم أصبح CEO بأمازون أو بجوجل بس الحمدلله أنا اموري منيحة أهلي طيبين أنا جيد مع أصدقائي .. إلخ

وكلمة الإمتنان أصلا قادمة من المعجم الديني وأصلها: الشكر، هذا تحويل علماني لكلمة الحمد.

وعموما علم النفسي معظمه ينبني على حلول إثر مواجهة الأزمات بينما علم النفس الإيجابي يقترح العكس، لماذا لا نبحث عن القادة الأكثر سعادة والأكثر تقدماً والأكثر مرونة وصحة نفسية الموجودين في المجتمعات ونرى ما المشترك بينهم؟ بصرف النظر إذا أخذتهم من الصين أم الهند أم أستراليا أو أوروبا هناك أشياء مشتركة بينهم، أنه هؤلاء الناس على اختلاف دياناتهم -وهم جميعا متدينين- ولكن باختلاف الديانة هو أنهم يومياً عندهم شيء من الشكر والحمد اليومي، فهو يقول لنفسه يوميا الحمدلله رب العالمين الأمور دائما كانت ممكن أن تكون أسوأ مما هي عليه..

هذه أذكى ممارسة حتى على المستوى العصبي، عندما تجري مسح على نشاط الدماغ على مجموعتين إحداهما مارست نشاط الحمد والشكر والأخرى لم تفعل تجد فرق في النشاط العصبي بشكل إيجابي لمن مارسوا الإمتنان.. الذاكرة أفضل ونشاط الدماغ أعلى بما ينعكس على الصحة النفسية بشكل جيد، وأحياتا تستغرب حتى أن هذه الأمور قد ترتبط بمعدل التقدم بالعمر ال aging فتدجده ابطأ عند هؤلاء من يمارسون الإمتنان لأنه يكون أكثر سكينة فلا ينعكس علي وجهه ملامح الشيخوخة بنفس الطريقة.


إنَّ اللَّهَ ليَرضى مِن العبدِ أن يأكُلَ الأَكلَةَ فيحمَدَهُ عليها ويشرَبَ الشَّربَةَ فيحمَدَهُ علَيها



والمسلم اليوم من المفترض أنه في كل صلاة يتجلى معاني الحمدلله رب العالمين التي يقولها في الفاتحة، حتى انظر في حديث الرسول صلى الله عليه،" إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل اللقمة فيحمده عليها وأن يشرب الشربة فيحمده عليها" انظر كيف استخدم مصدر مرّة: لقمة، شربة.. كأنه يقول لك لا تنتظر وليمة كبيرة أو حدث استثنائي حتى تقول الحمدلله رب العالمين، انظر إلى كأس المياه وقل والله الحمدلله لقد أحياني الله عشر ثواني إضافية حتى أشرب مثل تلك الكأس الطيبة.

وعندما ترجع إلى علم النفس الإكلينيكي وقواعده في كيفية ممارسة الإمتنان ستجده يقول لك: احتفظ ب

diary أي يوميات واذكر أبسط التفاصيل، حتى لو أن جارك قال لك كلمة طيبة أو وصلتك رسالة من صديق تذكرك بها فتقول الحمدلله، وهذا يذكرني بقول الله تعالى عن سيدنا إبراهيم عليه السلام {شاكِرًا لِأَنعُمِهِ..} الأنعم عند المفسرين هذه تحوي تفريد أي يشكر الله على نعمه نعمةً نعمةً يعددها الواحدة تلو الأخرى وبها نوع من نقل النعم إلى حيز الوعي.


انظر إلى الإمتنان أيضاً حتى على مستوى العلاقات، اليوم أهم خلاصة كفلسفة في علم النفس الإدراكي هو أنه هناك أشياء في الحقيقة وهناك أشياء مُدركة، فبالتالي إذا درست شيء كالمتعة مثلا فأنت تدرس ال

actual enjoyment و تدرس ال perceived enjoyment أي المتعة المدركة لأنه توجد فجوة بين الواقعي والمدرك وحتى يصير الواقعي مدرك هذا يحتاج إلى بعض العمل، فبالتالي قديما كانت هنالك نظرية في الأزواج تدعى نظرية التكافؤ في الاستثمار أي أن العلاقة تستمر بمقدار ما يقدم الزوج نفس الذي يأخذه من زوجته، أي يكون هناك نوع من العدل أو الإنصاف إذا قضيت معي ثلاث ساعات سأقضي معك ثلاث ساعات مثلهن فتستمر العلاقة، ويحدث التوتر إذا لم يكن هذا المقدار متساويا، بالتالي إذا شعرت بأني مظلوم وزوجي لا يقدم لي بمقدار ما أقدم له يحدث التوتر وممكن أن تؤدي مثل هذه الأمور إلى الانفصال، اليوم يقول لك علم النفس الإدراكي -وهي نقلة نوعية لهذه النظرية- أنه الأهم من الإنصاف هو الإنصاف المدرك أو الاستثمار المدرك، فبالتالي ليس من المهم أن تجلس مع زوجتك ثلاث ساعات مثلما تجلس هي معك بل الأهم أن تشعر هي أنك تقضي معها وقت جيد، فبالتالي ممكن أن أجلس مع زوجتي نصف ساعة أو ساعة ولكن أعطيها لها باهتمام بالغ فتشعر هي كأنها عشر ساعات فليس المقدار الكمي أو الواقعي هو الهام بل المدرك، طيب كيف يكون هذا مدركاً بأن يكون هناك نوع من الإمتنان، الحمدلله زوجي برغم أنه عاد من العمل مرهقا ولكنه يجلس معي..الخ هناك إفصاح لغوي أو "Affection labeling" هذا التعبير اللغوي تراه في قول الرسول صلى الله عليه وسلم لما حكى له صحابي إني أحب فلانا فقال الرسول أفأخبرته؟ قال لا قال اذهب فأخبره، بتستغرب ما هو المعنى من هذا الفعل؟ ما الفرق؟ إذ أنه بالفعل يحبه؟ ولكن تجد أن العلاقات قد تتحطم من هذا المنطلق، هذه "العقود الضمنية" كما يطلف عليها علماء نفس العلاقات ال Covered Contract هي أن يفترض الشخص أن الثاني يدرك مشاعره دون الإفصاح عنها ويحدث إثرها مشاكل كثيرة، لا ليس من المفترض أن يعرف بنفسه، لابد من عنونة صحية وواعية لهذه المشاعر الطيبة والإيجابية ونشكر عليها بأن نحمد الله عز وجل ونحمد الآخر عليها كذلك.

فبالتالي ممارسة الإمتنان هذه تحول العلاقة إلى منحى إيجابي جدا برغم أنك لم تفعل أي شيء جديد فأنت تبذل نفس المقدار من العطاء ولكن تعنونه حتى يدرك الآخر هذا الشيء.


أسامة: لقد قلت لي أن هناك أشياء مشتركة في هذه الشخصيات العظيمة التي يدرسها علم النفس الإيجابي، وكان أول شيء منها الإمتنان، طيب ماذا بعد؟



محمود: ثاني شيء هو ال mindfulness أي الحضور الذهني أو اليقظة الذهنية. من أين يأتي هذا المصطلح؟ يأتي أيضا من ممارسات الصلاة أي معنى الحضور أو الخشوع، بصرف النظر عن دينه فهو يمارس شيء من الخشوع، أي يعزل نفسه عن العالم، وهناك وقت يوجه فيه تركيزه إلى شيء واحد فقط، أو قضية واحدة فقط.

دراسات علم النفس تصف إنسان اليوم ليس بأنه homosapiens أو Homoeconomist الإنسان الاقتصادي أو الإنسان السياسي بل تسمية علم النفس الحديث أن إنسان اليوم هو homo prospectus "الإنسان المترقب" أو المتأهب نحو المستقبل أي لا يستطيع عيش اللحظة الحالية، الإنسان المعاصر إنسان شارد ذهنياً من كثرة الترقب والتأهب، "بالغد ممكن أفقد وظيفتي ..ممكن أن أصاب بالسرطان مثلما أصيب به فلان... الخ " توجد حالة من الشرود الذهني الدائم.

أسامة: إما خوف من المستقبل أو أسى على الماضي.

محمود: بالظبط، وهذا يحرمك من اللحظة الحالية ويستنزف قدراتك الذهنية، فإدراكيا ليس عليك أن تعيش هذه الحالة من التأهب على مستوى الخط الطويل من الزمن. يعني الأصل باستجابة التأهب أنها حالة situational أي موقفية تجاه تهديد معين. وهناك فكرة لطيفة في دراسات القلق وجدوا أن العقل البشري لا يميز بين استحضار مصدر التهديد إدراكيا وبين وجوده في الواقع فبالتالي يستجيب إجابة مماثلة، أي إذا فكرت مثلا أن مديرك سوف يطردنك عقلك يستجيب تماما كما لو أنه فصلك بالفعل، بتأهب fight or flight الفر والكر وجهازك المناعي يتأهب مع أنه لم يحدث أي شيء فعلي!، وعندما تقول لأحدهم اطرد عنك الوساوس يقول لك ليس كل شيء تعزوه إلى عمل الشيطان، ولكن الشيطان لا يأتيك على هيئة شيطان {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ..} يحدثك فيقول لك "راح تفقر ليش مبسوط على حالك؟" وهذا ماذا ينتج؟ من الممكن أن ينتج إنسان متملق أو من الممكن أن يصبح المرء أكثر نفاقا..إلخ

هذه الفكرة وحدها تغير من السلوك والمعايير الأخلاقية للشخص، الخوف والهواجس يدفعك إلى هذا التغيير.


أسامة: فالشكر والحضور هذه الثانية..


محمود: نعم والثالثة شبكات الدعم النفسي الاجتماعي، هؤلاء الناجحون محاطون بوسط اجتماعي داعم فأصدقائهم يتفقدونهم مثلا إن غابوا، وانظر إلى مفاهيم عيادة المريض مثلا في السنة ستتفاجئ أن فكرة التفقد هذه مركزية جدا في الشريعة، كيف لم تعده ولو عدته لوجدتني عنده (الذات الإلهية)...

هذه الشبكات لا تسلم الإنسان لنفسه، فلان اختفى يومين بروح بتفقده، وفي الغرب تعرف مدى جدية هذه المشكلة مشكلة الخوف من الوحدة لدرجة أنهم عينوا وزيراً للوحدة في بريطانيا هدفه فقط أن يحل مسألة الوحدة، وهذا الشعور بأن الفرد قد يموت وحيداً هو أحد أكبر هواجس الفردانية بينما تجد أن في المجتمعات الإسلامية هناك شبكة تقول لك: أنت لست وحدك.



هناك أيضا في سلوك نمط الحياة الصحي وهذه أرضية جيدة للمسلم اليوم، إذا نظرت إلى هؤلاء الناجحين تجد أنهم لا يسلكوا سلوكيات الإدمان.

وهذه من الفروقات الرهيبة في دراسات النرجسية الروحانية أو كما يطلق عليهم Spiritual but not religious أنه هناك شيوع اليوم في ثقافة هيا لنمارس التأمل أو الإمتنان لكن بدون سياق ديني

religion without religion قيما كانوا يدرسون ال "RS" أو الروحانية الدينية وينظروا في أثرها بينما اليوم يتم الفصل بين من هم متدينين ومن هم روحانيين وهناك آثار سلبية كبيرة جدا عند جماعة الروحانيين بدون سياق ديني وجدوا أنه أكثر عرضة لتعاطي المخدرات والكحول وأكثر عرضة للانتكاس لماذا؟ لأنه ليس هناك شرعة ليس هناك طريقة ما، خاصة كل هذه العملية الإمتنان واليقظة الذهنية تحتاج إلى موضوع، لقد حاولوا علمنتها ولكن تترتب آثار سلبية على هذه الممارسة الإيجابية إن لم تتم داخل سياق.


أسامة: كلمة ختامية، خلاص فردي خلاص جماعي مرة أخرى ؟ كيف يمكن ضبط هذه العلاقة؟

محمود: والله هناك كلمة ذكية للشعور بالعجز وهذا الشلل من حجم ضخامة العالم وكل هذا الشعور بالضآلة

"Think globally, act locally"

بمعنى أن عليك أن تفكر على المستوى العالمي، تحاول أن تدرك ما المعطيات السياسية والاقتصادية في العالم، ولكن التصرف يجب أن يبدأ من أقرب دائرة لك فبالتالي نفسك، أهلك ، أصدقائك، جيرانك ومن ثم تتوسع، لو كل واحد منا فعل هذا ستجد أن الشبكة سرعان ما تتصل.

(إذا رأيتَ شُحّاً مُطاعاً، وهوىً متبَعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجابَ كل ذي رأي برأيه، فدع عنك أمرَ العامة، وعليكَ بخاصة نفسك)

كل ما تزيد الأمور سوءاً فالعودة إلى المركز هو أهم شيء يجب فعله، العودة إلى من هم أقرب، إلى دائرة التأثير الفعلية.

روان عادل

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات روان عادل

تدوينات ذات صلة