لقد تطلب الأمر الكثير من الشجاعة لكتابة هذه التدوينة ، ستكون أطول تدوينة لي لحد الآن .
ليسطع النور في أعماقك ،يجب أن يحترق فيك شيئ ما. جلال الدين الرومي
اكتوبر 2018 ، أتذكر عندما استيقظت من السرير و احسست بألم في معدتي و غصة في صدري...استمر ذلك لعدة أيام و استمريت أنافي التّجاهل.
كل صباح، نفس الشعور ، نفس الألم.لم ستوعبه إلا يوما ما عندما كنت راجعة من الجامعة متجهة إلى البيت، كنت جالسة وسط حشد من الناس، هاقد اتى الألم من جديد! لكني استمريت في التجاهل..
يوما آخر ،كنت داخل الحمام ،توضأت لأصلي صلاة العصر ،امسكت المنشفة لأمسح وجهي ،لم استطع! توقفت لبرهة ثم انفجرت بالبكاء ،كأنني واجهت الألم أخيرا ،بكيت ، ثم استنجدت بالله ،سألته لماذا أحس هكذا ؟ من أين أتى ذلك الشعور؟ ما المشكلة ؟ كل شيئ على مايرام! ليس هناك خطب ما في حياتي ! إذا لماذا أنا أحس هكذا ؟ من دون سبب! كان هناك الكثير من الأسئلة في رأسي لكني لم أجد إجابة ً لأي منها..بقِيت هكذا..أسئلة!
لست بخير...كنت أعلم ذلك! بيني و بين نفسي فقط،لم أبح بذلك لأي أحد، كنت أتصارع مع نفسي كل يوم ،لكن بالنسبة للآخرين كان كل شيئ يبدو على مايرام ؛ لم يكونوا على دراية أن هذه الفتاة انهارت بالبكاء قبل الخروج من غرفتها ، لم يكونوا على دراية أن هذه الفتاة فكرت كثيرا في الانتحار و في انهاء حياتها، لم يكونوا على دراية أن هذه الفتاة فقدت طعم الحياة ، لم يكونوا على دراية أن هذه الفتاة تصارع الألم في اللحظة التي تبتسم لهم فيها...
القولون العصبي ، هذا هو التشخيص الذي أعطاه الكثير من الأطباء الذين زرتهم قبل أن تبدأ هذه الرحلة الشاقة مع ذلك الإحساس المزعج والغريب ، لطالما كنت أعلم أنني أعاني من القولون العصبي فقد بدأ ذلك منذ عام 2017 ؛ حيث بدأت أعاني من آلام حادة على مستوى القولون و أحيانا ينتشر الألم في كل طرف من جسدي ، حتى أنه أحيانا كنت أحس أن الألم في قلبي و أنه سيتوقف (أتذكر أن هذا كان أول توهم عندما بدأ الألم لأول مرة حتى أنني عندما زرت الطبيب ،قلت له أن قلبي يؤلمني و عندما فحصني قال أنه ليس هناك خطب ما على مستوى القلب و أن هذا مجرد توهم لوجود الألم ، كان معه حق ، لم يكن قلبي الذي يؤلمني ،لكن الألم كان موجود و من شدة وجوده كنت احس أنه على مستوى القلب).
الآلام التي كنت احس بها قبل اكتوبر 2018 كانت فقط على مستوى القولون ،كان سببها الأكل و القلق. لكن ما بدأت أحس به بعد اكتوبر 2018 كان مختلفا تماما ، كان شيئا غير قابل للشرح أو التفسير حتى أنني نسيت تماما أن ذلك الألم في المعدة سببه القولون ، لأنه كان يصطحب ذلك الألم غصة في الصدر ،خنقة ،كأن هناك يد تخنقني ، كأن هناك العديد من الأحبال التي تلتف من حولي ..في الحقيقة ، لاأظن أن ذلك الشعور يشبه أيا من هذا ، هو غير قابل للتشبيه!
خلال هذه الرحلة الشاقة ، كنت أقوم بكل المهام بصفة عادية ، فبالرغم من الألم ،كنت مواظبة على دراستي و على صلاتي ؛ كنت ادرس، وأحيانا انهار بالبكاء ،ثم اكمل الدراسة ،اصلي ،و أحيانا انهار بالبكاء ،ثم اكمل الصلاة ، كنت اقرأ القرآن أيضا ، كل يوم ، بالرغم من أنني كنت أحيانا أسأل نفسي بعض الأسألة فأقول (كيف لعبد مواظب على الصلاة و القرآن أن لا يكون بخير ؟ ) ( أليس في القرآن شفاء للناس..لماذا هو لا يشفيني ؟) (لماذا الصلاة لا تريحني ؟ ) ( لماذا الله لايستجيب لدعائي ؟) لا ألوم نفسي على تلك الأسألة ، لا ألوم نفسا أنا فقط أعلم بما يجول بداخلها من معاناة ، لكن تلك النفس تيقنت اليوم أن لكل تلك الأسألة إجابة واحدة ألا وهي الصبر..كان يجب أن تصبر! وهذا ما فعلته!
قررت أخيرا زيارة طبيبة نفسية لأن الوضع تفاقم كثيرا ، احسست أنني بحاجة للتحدث مع شخص ما ؛ شخص لا أعرفه لأحدثه عن كل ماأحس به ، و أيضا عن كل ما مريت به منذ ساعة ولادتي ، لأنه في الأساس كنت أعلم أن كل ذلك الألم و الإحساس هو نتيجة تراكمات ؛تراكمات الماضي..هو قلق الماضي و مشاكل الماضي و توتر الماضي و حسرة الماضي و خيبة الماضي و فشل الماضي ، هو الماضي بكل تفاصيله ، يلاحقني ، على هيئة ألم!
عندما أعطتني الإذن للتحدث ، لم أرد أن أدخل في تفاصيل كثيرة حول ماريت به في الفترة الأخيرة ، قلت لها رجاءًا دعيني أروي لكي كل تفصيل من حياتي ،منذ الصغر ، أردتها أن تفهم هي أيضا منبع و مصدر ذلك الألم.بدأت في الحديث من دون توقف، كان في حديثي الكثير من الارتباك ، لا أعلم إن كان سببه حالتي النفسية آنذاك أو خوفي من نسيان تفصيل مهم لعله هو السبب فيما وصلت إليه اليوم.أنا لم أتوقف عن الحديث و هي لم تتوقف عن الكتابة على أوراقها.ثم قالت انتهى الوقت ، لم أرد لذلك الوقت أن ينتهي ، فأنا لم اسرد عليها إلا 30% من الحكاية.أعطتني موعدا ثانيا يوم الخميس ،لكن أتى يوم الخميس و أنا لم أكن في الموعد!فمن شدة الألم لم تكن لدي القدرة للتحدث عن الألم؛ لم تكن لدي الطاقة أو الرغبة للخوض في أي تفصيل ، ليس لدي ما أقوله و لا أريد سماع أي شيئ...هكذا كانت حالتي يوم الخميس!
استمرت تلك المعركة و التي ظننت انها غير منتهية ؛ ففي كثير من الأحيان كنت اتسائل "هل سأعيش حياتي كلها على هذه الحالة ؟" لأنني كنت أعتقد أن ذلك الألم غير منتهي ، أنه سيبقى معي للابد ، لم أكن أتخيل أن أستيقظ يوما ما لأجد أن ذلك الألم اختفى ، كنت أظن أن هذاشبه مستحيل ، لم أكن أتخيل جسدي من دون ذلك الألم ؛ أحسست أنه ارتبط بي و لم يعد يفارقني ، حتى أنني بدأت في التعود عليه.
مرّ عام كامل و أنا على تلك الحالة ، لم أزر الطبيبة النفسية مرّة أخرى ، كنت لا أزال أحارب تللك الأفكار السوداوية و الأحاسيس القاسية بمفردي.لكنني فهمت على الأقل من أين مصدرها ، إنه القولون العصبي ؛ فهو لا يسبب فقط ألماً جسديا ، بل نفسيًا أيضا ؛ هو يسبب القلق ،التوتر و حتى الإكتئاب ، كل الأبحاث تدل على ذلك! حتى أنه يجعل الشخص أكثر عرضة للوساويس و هذا ما لم أكن أعلمه إلا من بعد مابحثت و قرأت تجارب أشخاص آخرين و الذين معظمهم عانوا من الإكتئاب و القلق بسبب القولون العصبي.
في العام الذي بعده (2019)، بدأت اصبح أكثر اشراقا ، مرت الكثير من الشهور حتى استوعبت فجأة أن ذلك الألم ليس هنا ، توقفت للحظة لأستوعب حقا أنه ليس هنا! بدا الأمر غريبا! لم أصدق ذلك! أصبحت حياتي مستقرة أخيراً ، كنت مرتاحةً في ذلك العام من الناحية النفسيةمقارنة بالعام الذي قبله.
أما في 2020 فقد كان نقطة التحول ، فترة الحجر الصحي و التي دامت تقريبا 8 أشهر مكنتني فعلا من إعادة تشخيص نفسي ، إدخال بعض العادات الإيجابية ، تغيير طريقة تفكيري و ردات فعلي حول العديد من الأمور ، لقد ساعدتني حقّا في إعادة تطوير ذاتي من الناحيةالعملية و الذهنية.
اصبحت أكثر ايجابية ،أكثر اشراقا و تفاؤلا ، صادفتني العديد من الفرص و التي جعلتني أكثر امتنانا و أكثر تأكدا أن الغد أفضل وأجمل!
في 2018 ، أردت أن أنهي حياتي ، في 2020 تمنيت لو تكون لي حياةً أخرى لأعيشها حتى أتمكن من تحقيق كل ما تمنيته لأكون أفضل نسخة عن نفسي!
الألم اختفى ، قد يأتي بين فترة أو أخرى ،حتى أنه أتى الآن و أنا أكتب في هذه التدوينة ، لكنه لم يعد يزعجني ،أنا ممتنة له ، لأنه مثلما يقولون "ما لايقتلك يجعلك أقوى" و فعلا ! أنا ممتنة لذلك الألم لأنه جعلني أقوى!
اقرأ في كثير من الأحيان ،أشخاصا يتسائلون عن دواء القولون العصبي (حتى أنا كنت واحدة منهم ) فأجد إحابات مثل : مارس الرياضة ،كل أكلا صحيا ، خذ الدواء ، أو قم بوصفات بالأعشاب...نعم كل هذا مفيد لكن أحيانا الأشخاص يبحثون عن الداء للألم النفسي و ليس الجسدي ،لذا بالنسبة لي الشفاء هو الصلاة،القرآن و الأدعية ،قد تأخذ وقتا ،لكن يجب التحلي بالصبر.
آمل أن تكون هذه التدوينة قد ألهمت شخصا ما يعاني في صمت ، حتى لا يستسلم..
شاركونا في التعليقات عن تجربة شخصية مررتم بها ، لا تخجلوا من مشاركة معاناتكم أو لحظات ضعفكم ، فقط الشجعان من يقومون بذلك.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات