سافرت إلى مكة المكرمة ووقفت بين يدي الله، وجدت نفسي أحول بين الصفا والمروة لأقوم بالشعائر له ، كانت رحلة داخل روحي وقلبي تمنيت بعدها أن تتحول لحقيقة
أغمضت عيني وأنا أرى الكعبة الشريفة على شاشة التلفاز أمامي، سافرت إلى مكة وأنا أرتدي ثياب الإحرام هذه المرة الأولى التي سوف أرى بها الكعبة المشرفة وأنا أمامها مباشرة، قطع تخيلاتي صوت الشيخ وهو يقول لنا أن ننوي الإحرام قبل دخول جدة، كان الجميع من حولي يقوموا بتوضيب الاحتياجات الخاصة بهم، و الانقسام لعدة فرق حتى لا يبتعد أحدهم عن الآخر في هذه اللحظة وقبل حدوث الفوضى والازدحام داخل المطار.
أما أنا فقد أمسكت مصحفي وأنا أحاول استجماع الدعوات التي كانت داخل قلبي ملأتها لي و لوالدي و أبنائي، شعرت بنبضات قلبي المتسارعة وأنا أحاول الوصول قبل الجميع إلى المكان.
وعندما وصلنا إلى باب الولوج إلى الحرم الشريف، خلعت حذائي وبدأت المشي على أرض الحرم، لم أعد أرى سوى الجمع الداخل إلى الحرم بانتظام، فراغ واسع بناء منتظم ممتلئ بزخارف ورسوم العمران الإسلامي، وقبل وصولنا إلى مكة ببضعة خطوات أمسكني زوجي من يدي و هو يقول لي أغمضي عينيك و عندما تصلي لقربها سأخبرك وتفتحي عينيك.
أغمضت عيني عنها وكلي حنين إليها، لرؤيتها والتقرب منها وملامستها، فكنت أمشي بسرعة حتى أصل بسرعة قبل أن يفيض داخل قلبي الشوق و الحنين، وما إن توقفت وفتحت عيني كانت أمامي كما لو تخيلتها في كل مرة داخلي، وضعت يدي على الحجر الأسود وقبلته، لمست جدارنها، كانت عظيمة جليلة لها رائحة المسك المعتق فسجدت أمامها لم يكن لي دعوات كثيرة، بل عدة كلمات بسيطة، يا الله أنا أمامك بروحي سجدت لك جئت ملبية ندائك بحبي الكبير الممتلئ داخل قلبي لك، بعطفك وحنانك الذي تغمرني بهما، و برحماتك و نعمك التي تجاوزت حدود الكون، كنت قد خبأت الكثير من الدعوات إليك ياربي، لكنني عندما تذكرت فائض النعم التي قد غمرتني بها منذ الصغر، خجلت منك يا ربي، أنا بنعمك إمتلكت الكون بأكمله وليس لي حاجة سوى رضاك عني وقربي منك، إن قضيت لي هذه الحجة حتى أتوب فخذني من بعدها نقية بيضاء من غير سوء حتى أقابلك بقلب طفل صغير لم تدخل له الآثام أو أوساخ الدنيا، وإن كنت تراني عبدة تقية فخذ بيدي دوماً يا الله لأعود إليك وأجعل أبنائي من عبادك الصالحين وأهلك بأن يكونوا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك.
و بعدها ذهبت إلى جبل الصفا والمروة لأقوم بالسعي بينهما فتذكرت قصة أمنا هاجر عندما تركها سيدنا ابراهيم عليه السلام مع طفلها الرضيع داخل صحراء قاحلة لا زرع فيها وماء، كانت تبحث عنه وهي مستكينة مؤمنة بوجود رب يحميها.
كانت الأيام تمضي والشوق يستفيض بي في كل مكان أذهب إليه لأصل إلى يوم عرفة وأقوم بين يديك يا الله وقد كان لي خبء كبير من الدعوات لعائلتي الصغيرة، وبأن تجعلنا من أهل الجنة والفردوس الأعلى مع الصديقين و الشهداء ياصانع المعجزات وربِّ الأكوان.
حبيبي يا الله لن أنسى أبداً أنّك أحبُّ إلي من نفسي و والدي و ولدي ومالي ،وفي هذا اليوم الفضيل يا الله أخجل من نفسي الدعاء بالمزيد والمزيد من النعم، وقد غمرتني بالنعم الكثيرة و أنا العبدة التي دائماً تذهب وتعود إليك.
فيارب لا أسألك إلا دوام هذه النعم و رضاك عني وقربي منك للنظر إلى وجهك الكريم بحضرة نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وبأن تجعل حُبِّك داخل قلوب فلذات كبدي يستفيض فيكونا من أهل القرآن والصلاح، هم أهل الله وخاصته، وبأن تجمعنا بمن إمتلك داخل قلوبنا الكثير من الحب.
كنت أدعوك يا الله رافعة بدي نحو السماءبقلبي وروحي وأنا أعلم أنّك ستستجيب لي بكل خير لي في ديني ودنياي وعاقبة أمري.
تذكّرت في النهاية قولك في الكتاب الكريم.
🌧 ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾
ظلَّ خليل الله إبراهيم -عليه السلام- ينتظر الولد و يدعو ربه سنيناً طوال ، و لم ييأس !
فيقينه بأنَّ له رباً يسمع دعاءه و قادرٌ على إجابته ، هو ما جعله ملازماً لدعوته رغم كِبر سنه و عقم زوجته !
حتى أتاه الفرج ﴿ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ ﴾
حينها زوجته سارة لم تكن عقيم فحسب بل و كبيرة في السن ، فلما سمعت بالبشرى قالت : ﴿ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِى شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَىْءٌ عَجِيبٌ ﴾
فكان الرد : ﴿ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ﴾ .
ولم تكن البشارة بولد واحد !
﴿ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾
فتحت عيني مجدداً على شاشة التلفاز الموضوعة أمامي،فاضت بدموع الشوق للوصول إلى عرفة، كنت أرى الحجاج داخل جبل عرفة وهم يبتهلوا بالدعاء، فدعوت الله أن ترزقني المجيء إليك، إلى بيتك فأشعر بالسلام في الوقوف بين يديك.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات